أخبار عاجلةدراسات ومقالات

منال رضوان تكتب: فلسفة التفكير الإيجابي في السعادة ها هنا لدكتور صلاح شفيع

تعد السعادة موضوعًا غنيًا ومعقدًا في حقل الفلسفة وعلم النفس، وقد شغل تفكير العديد من المفكرين عبر العصور. وتختلف السعادة الإيجابية عن السعادة العابرة أو اللحظية؛ فهي حالة ذهنية مستقرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالرفاهية النفسية، ويعكسها شعور الفرد بالرضا الداخلي والتوازن بين الجوانب المختلفة للحياة، تعتبر السعادة الإيجابية هدفًا ساميًا، وغاية أساسية تسعى العديد من الأنظمة الفلسفية والنفسية إلى تحقيقها، حيث يرى الفيلسوف أرسطو أن “السعادة هي غاية الحياة، الهدف الأسمى الذي يسعى الإنسان لتحقيقه”.
لعل تحقيق هذا الهدف وغيره من أسباب وضحها الأستاذ الدكتور صلاح شفيع في كتابه السعادة ها هنا، الملىء بتأملات كتبها لتلميذاته كما قال في مقدمة كتابه، والذي ضم نثرات تفيض حكمة ونصائح كان يرصعها بخبرات وحكايات، وكلما طلبت إليه إحدى الصغيرات أن يوقع لها على “أوتوجراف” يكتبها إليها، كبديل عن كلمات الأوتوجراف سابقة التجهيز وهي وإن كانت عادة لطيفة كنا نمارسها مع أساتذتنا؛ بهدف الاحتفاظ بكلمات ودود تظل معنا طوال محطات حياتنا، لكنها كانت نمطية في بعض الأحيان.

أ.د. صلاح شفيع
أ.د. صلاح شفيع

وهذه المقالات كانت مكونًا صادقًا هادفًا لكتابه، ففي فصله الأول ومن هنا مرت شيماء: يتحدث عن تباين الحصول على السعادة، إن مفهوم السعادة قد يختلف من شخص لآخر كما أنه قد يختلف من حالة لأخرى لدى الشخص ذاته، ويذكر كاتب التفكير الإيجابي في كتابه بعض القصص الشهيرة، كقصة الفنان أنور وجدي والذي ظن سعادته في امتلاك شقة بعمارة الإيموبيليا الشهيرة حتى أتاه المال الذي جعله يمتلك كل ما يطمح ولكن صاحب المال، ذلك المرض الذي منعه من الشعور بالسعادة، وبالمثل يعدد أمثلة من القرآن الكريم والكتب التراثية التي تصل بنا إلى أن السعادة ليست فيما نملك وإنما هي فيما نُقَدر نعم وجوده.
والكتاب يمتلىء بمعان سامية سيقت في صورة النصيحة غير المباشرة تارة والقصة القصيرة المستندة إلى التناص القرآني وهو المعين الذي لا ينضب أبدًا، في اتساق شديد، خرج عن إطار المباشرة والتقريرية التي قد تسيطر على أغلب هذا الطيف الأدبي؛ فتحت عنوان جنة عزوز يكتب د. شفيع قصة قصيرة:

(الجنة كلها له ٱلا شجرة، والخلد له لو ظل في ستر السوءة لكنه الشيطان هناك، لا ينسى أنه طُرد من الجنة بسببه.. يتسلل إليه
ـ ما ينقصك إلا الخلود..
ـ وكيف الوصول إليه؟
ـ تصل إليه فوق ثمرة واحدة من هذه الشجرة.
يلتهم الثمرة.. تنكشف السوءة ويفقد الجنة والخلد، يقف خارج الجنة، ينظر إليها متحسرًا، ألم يكن يملك الخلود؟ فلماذا أراد شيئًا لا ينقصه؟ أراده ليفقده!… )
فهذا التأمل يضعنا الكاتب معه في إطار من الناحية النفسية، للوصول إلى القناعة الإيجابية التي تتطلب تحولًا في الأنماط الفكرية والسلوكية للفرد، يتضمن هذا التحول تبني مواقف ذهنية أكثر إيجابية، ترتكز على التفاؤل والامتنان والتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة. فالفكر الإيجابي ليس مجرد استجابة لظروف الحياة بل هو خيار واعٍ يعتمد القدرة على تعديل كيفية تفسير الأحداث والتجارب، كما يشير عالم النفس “مارتن سيلجمان” إلى أن “السعادة ليست مجرد غياب الألم، بل هي القدرة على إيجاد المعنى في الحياة، حتى في مواجهة التحديات”، وهذا يتضح في مفهوم “التفكير الإيجابي” الذي يحث الأفراد على تحويل الصعوبات إلى فرص للتعلم والنمو، وهو ما وضحه وغيره الكثير د. صلاح شفيع في كتابه القيم السعادة ها هنا.
وإن كان أرسطو على سبيل المثال يعتبر تحقيق السعادة جزءًا من “الفضيلة”؛ حيث يرى أن الإنسان يحقق سعادته من خلال ممارسة الفضائل مثل الحكمة والشجاعة والاعتدال، هذه الفضائل التي تساهم في بناء حياة متوازنة تحقق تناغمًا داخليًا بين الرغبات والقدرات نجد في المقابل، بعض الفلسفات الحديثة مثل “الوجودية” التي تبناها جان بول سارتر، مفهوم السعادة على أنها مرتبطة بالحرية الفردية والقدرة على الاختيار، يرى سارتر أن الإنسان يحقق سعادته من خلال تحمل مسؤولياته في تحديد مصيره، وهذا يتطلب الاعتراف بحرية الإرادة والقدرة على تجاوز القيود النفسية والاجتماعية، وهنا تبرز أهمية تلك الرؤى لشفيع التي يفند فيها من واقع أحداث معلومة للكافة الفروق الجوهرية بين القناعة والسلبية، الطموح والتمرد، التسليم والتواكل، وغيرها من فروق تضع النقاط فوق حروفها؛ كي نتفهم الكثير من المشاعر التي تمنع عنا الشعور السعادة وهي قريبة منا في أوقات كثيرة؛ فإن فكر السعادة الإيجابية ليس مجرد حدث عابر، بل هو نتيجة لتوازن دقيق بين التفكير السليم والعلاقات الإنسانية والعناية بالنفس.
منال رضوان، ناقد أدبي – مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى