أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

منال رضوان تكتب التناقض والاتساق بين جوهر الوجود ووهم المطلق

هل يمكننا القول بأنّ كلّ من هو لطيف وصادق مزيف، ألا ينطوي ذلك على مغالطة وجودية تستبطن نفيًا للبعد الأنطولوجي للإنسان، وتحيله إلى محض ازدواج لا جوهر له؟
فالتناقض ليس أصل الإنسان بقدر ما هو تجلّ لحيويته وتوتره الخلاق بين الممكن والمطلق، وما علمناه من الفلسفة الأخلاقية، أنها لا تختزل الفضيلة إلى نقيض أجوف للرذيلة، وإنما كحركة دائمة نحو الاتساق الداخلي، وهو ما يجعلها فعلاً صيروريًا يتجاوز الثبات والتصنيم معًا؛ فالإنسان، بوصفه كائنًا واعيًا بحدوده، لا يسكن التناقض ويستكين له، ويشرعنه بل ينبغي له أن يعقلنه، ويحوّله -قدر استطاعته-من صراع إلى فعل إدراك.

كذا فإنّ النظر إلى الاتساق بوصفه صنمية قد يغفل جوهره الجدلي؛ فالاتساق ليس تماثلًا جامدًا وإنما انتظامًا ديناميًا بين الذات ومبدأها الأخلاقي، الذي قد يتوافر حتى في بعض الكائنات من المملكة الحيوانية التي نعلو رتبتها، فهل يمكن إنكار أن الكلاب -على سبيل المثال- لا تأكل إلا بعد أن يشبع مريضها وضعيفها؟!
إن كان هذا في الأقل رتبة؛ فعلى الأعلى أن يهجر نوازعه قدر الإمكان بتهذيب ذاته أو محاولته ذلك؛ رغم الميل أو الهوى أو الضعف.

كما أن الاتساق المتحوّل عند بعض أرباب الفلسفة ليس نفيًا للحرية بل إعادة إنتاج لها في ضوء الوعي بالمسؤولية؛ ومن ثمّ فإنّ الإنسان “اللطيف الصادق” دائمًا لا يُختزل في قناع زائف، لأنّ اللطف الصادق ينشأ من معرفة الذات بقدرتها على التروي والتفكّر، لا من تمويهها للحقيقة، ومواربتها، أو دفن رأسها في الرمال والنكوص نحو العدمية كملجأ آمن يبرر أن يكون الإنسان ضحية طوال حياته على الأرض، ذلك المفهوم الذي قد ينظر إليه من منطلق ال..Victimology بوصف بعض الحالات الشريك السلبي في الاعتداء بغوايتها وتساهلها في البداية، أو قبولها واستسلامها حتى النهاية.

نعود إلى الحكم القاطع على الصدق بأنه الزيف، ذلك القول الذي ينزع عن الإنسان أعمق ما يميّزه؛ قابليته لأن يكون مشروعًا أخلاقيًا في طور التشكّل الدائم.

التناقض إذن مع الإقرار بوجوده ليس الغاية ولا الأصل، بقدر ما هو الوسيط الذي يعبر من خلاله الإنسان نحو وعي أكثر تركيبًا بذاته وبالعالم، ومن في وسعه تحويل هذا التناقض إلى انسجام حرّ، هو من يبرهن أن الاتساق ليس صنمية، بل لحظة الوعي الأعلى بالوجود، كما أننا لا يمكننا اعتبار محاولة السعي نحو التوازن، محاولة مآلها الموت؛ وإنما التحلي بالحكمة التي هي غاية يُسعى إليها، لا بلوغ يتحتم تحقيقه..
تلك الحكمة التي هي ذاتها محض اتساق متحول، لا صنمية فيه أو جمود.

منال رضوان – ناقد أدبي
عضو لجنة التنمية الثقافية المستدامة ومنظمات المجتمع المدني بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر.
الصورة في مثل هذا اليوم من العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى