“الكيان المؤقت: نشأته وزواله” لمهدي حنا.. قراءة عميقة للصراع العربي الصهيوني

عمان – متابعة أوبرا مصر
يقدم الكاتب مهدي حنا في كتابه “الكيان المؤقت: نشأته وزواله”، .الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، بحثاً مكثفاً وعميقاً في موضوعه، يستند إلى تحليل عقلاني للوقائع التاريخية والسياسية، ويقترح رؤية مستقبلية تؤكد أن المشروع الصهيوني محكوم عليه بالتفكك والزوال.
يقع الكتاب في أكثر من 360 صفحة، ويتناول بالنقد والتحليل الجوانب التاريخية والفكرية والسياسية التي تشكّل بنية الكيان الصهيوني، ويبحث في جذور نشأته وأسباب هشاشته وإمكان زواله، ويمثل الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية، بما يوفره من قراءة عميقة للصراع العربي- الصهيوني، مستنداً إلى منظور تاريخي واسع يمتد من بدايات فكرة الوطن القومي اليهودي في أوروبا إلى تشكّل دولة الاحتلال في فلسطين، مروراً بمراحل الصراع المختلفة، ووصولاً إلى تحليل عوامل التصدّع الداخلية التي يرى المؤلف أنها تهدد مستقبل هذا الكيان على المدى القريب والبعيد.
يؤكد الباحث مهدي حنا في كتابه المهدى إلى ذكرى والدته المناضلة أم مازن، التي كانت من ضمن الطواقمِ الطبية المسعفة خلال مذبحة قرية دير ياسين، أن هدفه ليس إعادة سرد التاريخ التقليدي للصراع، بل تفكيك البنية العميقة للمشروع الصهيوني باعتباره استعماراً إحلالياً يخدم الرأسمالية الغربية، وينطلق في ذلك من رؤية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وتقدّم تحليلاً سياسياً متكاملاً للعوامل التي صنعت هذا الكيان وتلك التي تهدد وجوده.
ويتضمن الكتاب ستة فصول رئيسة، يندرج تحت كل منها عدد من الموضوعات التي تم تناولها بتحليل شمولي، ففي الفصل الذي يتناول “نشأت دولة الاحتلال”، يستعرض الباحث الأساطير المؤسسة للفكر الصهيوني، مثل: أرض الميعاد، وشعب الله المختار، وأرض بلا شعب.. ويفنّدها بالاستناد إلى حقائق التاريخ، مؤكداً أنها أدوات أيديولوجية وظفها المشروع الغربي بهدف زرع كيان وظيفي في قلب المنطقة العربية.
ويشرح في الفصل الثاني “ركائـز النـظـام الكولونيالي/الاستيطاني في فلسطين”، وآليات التطهير العرقي والترانسفير، وكيف تحوّلت الأساطير التوراتية إلى أدوات عنف مادي وسياسي ضد شعب فلسطين، والسعي لاغتيال ذاكرة المكان والزمان.
وفي الفصل الثالث “الأزمة البنيوية في الصهيونية” يبين المؤلف حنا هشاشة المجتمع الإسرائيلي الذي تكوّن من جماعات مهاجرة متباينة ثقافياً وعرقياً، ويصفه بأنه مجتمع يفتقر إلى هوية حقيقية، ويعيش على رابط وحيد هو استمرار الصراع، وتتعزز هذه الفكرة في الفصل الرابع الذي يتناول “الديموغرافيا السكانية في فلسطين التاريخية”، ويركز فيه على خطورة معادلة التغيّر الديموغرافي، ويعرض أرقاماً وتواريخاً يوضح من خلالها ازدياد نسبة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وتراجع الهجرات إلى دولة الاحتلال مقابل ارتفاع الهجرة العكسية.
أما في الفصل الخامس “الصهيونية والرأسمالية”، فيشرّح العلاقة العضوية بين المشروع الصهيوني والغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، ويرى أن إسرائيل تمثل دولة وظيفية هدفها حماية مصالح الرأسمالية العالمية في المنطقة. ولهذا، وبالانتقال إلى الفصل الأخير يؤكد الباحث على حتمية تفكك المجتمع الإسرائيلي وزواله بعد أن يستعرض مجموعة عوامل داخلية وخارجية يرى أنها ستفضي في النهاية إلى انهيار الكيان، منها التناقضات الاجتماعية والطبقية، وتراجع الدعم الغربي، وتصاعد المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى حالة الأفول التي تعيشها الإمبراطورية الأميركية نفسها.
وبهذا يقدم الكتاب قراءة سياسية واعية للحروب العربية- الإسرائيلية، من حرب 1948 إلى حرب الكرامة عام 1968، ثم حرب تشرين 1973، وما تلاها من مسارات سلام واتفاقيات منفردة، يرى المؤلف أنها أسهمت في إضعاف الموقف العربي وتعزيز نفوذ المشروع الصهيوني، مستعرضاً في سياقات متنوعة سلسلة طويلة من الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل ضد القيادات الفلسطينية، ويستدعي مواقف وشهادات قادة عالميين، من بينهم ألبرت آينشتاين، الذي رفض رئاسة الدولة العبرية بعد وفاة وايزمان، لأنه كان غير مقتنع بهذا المشروع الذي أسس على العنف.
وفي الخلاصة يؤكد الباحث مهدي حنا أن الكيان الصهيوني مجرد “كيان مؤقت” يحمل في داخله بذور فنائه، وأن حركة التاريخ تثبت دائماً أن الشعوب المناضلة تنتصر مهما طال الزمن، وأن الشعب الفلسطيني، رغم عزله عربيّاً وتعرضه لانتهاكات مستمرة، سيبقى صاحب الكلمة الأخيرة والفصل في هذا الصراع.



