د. إلهام الدسوقي تكتب المشهد الجنائزي

أربعة من الاخوة وضعتهم مبروكة كما اطلق عليها مريدي السيدة زينب ومحبي الجامع الكبير. أصواتهم المكتومة جعلت افئدة الناس تتهاوى إليهم ويتهاوى معها الرزق الوفير، اجسادهم المتلاصقة واصرارهم على التجاور وكأنهم جسد واحد لفت انتباه المصلين حتى أصبحوا من معالم المسجد الكبير. أدركت مبروكة انهم روح واحدة وضعت في أربعة أجساد واهية، رسمت حدود بيت مزعوم بجانب سور الجامع الكبير واكتفت بمتر واحد من جميع الجهات حولها واعلنتها صراحة بنظراتها الحادة – ممنوع الاقتراب- لكل من يحاول تخطى حدود رسمتها بعناية وإلا ستتحول إلى وحش جارح. تدسهم ليلا متلاصقين ينتقل الدفء من جسد إلى أخر وتلتصق هي بالأخير يأخذ من جسدها الدفء المنشود. مع مرور الأسابيع أطمئن الصغار لمجاذيب السيدة والمصلين واختفى الخوف. الصباح موعدهم للعب والهزار والليل موعدهم للدفء بجانب سور الجامع يعلم كل منهم مكانه وسط إخوته في المكان الذي اعتادت امهم ان تدسهم فيه قبل النوم. لم تحمل مبروكة همهم يوما فكان الأذان موعدها توجه رأسها للقبيلة وهي على يقين بأن دعائها مستجاب، حتى وأن لم يسمعها المصلين تجاهر بالدعاء، وأن صغارها بين يدي رحمان رحيم. تتكرر الليالي في روتين منتظم، ليل للدفء والحنان ونهارا للهو، واللعب والطعام حتى كانت تلك الليلة، ذهب الاخوة إلى مكان نومهم فلم يحسوا الدفء والحنان، برد يتسرب من المنتصف، مكان فارغ ينتظر صاحبه. هرول الاخوة للشارع يبحثون في كل مكان في عتمة الليل و برودة الشتاء القارص، أين ذهب، إلى صحن الجامع الكبير، إلى الحائط الجانبي للجامع، إلى الشارع الكبير حيث اكتشاف الغراب، حتى عثروا عليه بجانب العربة الكبيرة التي تمر كل ليلة وتصدر أصوات مرعبة وهي تحذر بالابتعاد عن الطريق، يرقد هناك ممدد الأرجل متصلب الشرايين يلامس رأسه الأرض يفتح عينيه كما الناظر إلى المجهول يتساقط من فمه اللعاب ونقطة واحدة من الدماء على أنفه، يغطيه الطين اللزج. اقترب الاخوة في محاوله لتنبيهه فلم ينتبه، اقتربت الأيدي لإيقاظه فلم يستجب، أدرك الاخوة انها لحظة الفراق وانها ليلة باردة على اخليهم، تجمعوا يعطوه الدفء من اجسادهم ويحموه من ويلات الطريق حتى بزوغ الفجر، تشبكت قلوبهم أيديهم في مشهد جنائزي تحاوطه كجدار الجامع لينام قرير العين، أما مبروكة فقد وقفت بعيدا تزرف الدمع على كلبها الفقيد