نسرين معتوق تكتب عن الاتزان و السلام النفسي

الحديث عن تحقيق الاتزان و السلام النفسي و أهمية ذلك للشخص مهم ، خاصة في ظل فوضى عالية تشهدها و تعيشها أغلب المجتمعات تقريباً كنتيجة طبيعية للتغيرات الحادة التي حدثت و تحدث من حولنا سياسياً و إقتصادياً ، و التي بالتبعية ألقت بظلالها على الحياة الإجتماعية في تلك المجتمعات .
تلك الضغوطات القوية و غير الاعتيادية و التي أصبحت سمة عصر كثير منا لا يتمتع بتلك القدرة الكافية لتحملها ، و لكن و بالرغم من ذلك فإن الكثيرين يجدون أنفسهم في وضع الاضطرار للتعامل مع ذلك ، لأنه و ببساطة لا سبيل أخر له غير ذلك .
فالأشخاص الاسوياء نفسياً و عقلياً يواجه بالضرورة الصعوبات التي يواجهها بالتعامل معها و لو اصطدموا بها وقتياً ، و يتخطونها بالنهاية و هذا هو الطبيعي .
أما ما هو ليس بطبيعي هي تلك الدعوات و التي أصبحت تظهر بين حين و أخر لتبني أفكار من نوع ” قدم لنفسك و لنفسك فقط ” و ” لا تتوقع من أحد ” و ” سقف توقعات هو السبب الحقيقي لألمك ” و غيرها من تلك النوعية من الأفكار و التي لا اترجمها أنا إلا بأنها دعوات مفتوحة لتعزيز ” التمحور أو التمركز حول الذات ” و هو اضطراب سلوكي نفسي يتعلق بالتواصل خطير لو تمكن من الشخص ، حيث يجعله يغرق في نفسه تماماً ، و مع الوقت يصبح مستصاغ بالنسبة له أن يسعى لتحقيق أهدافه دون وضع أدنى الاعتبارات لأي قيم إنسانية ، ليصل به الحال بعد ذلك في سبيل مصلحته أن يفقد القدرة على التعاطف أو التفاعل مع الأخر .. حالة مريرة من فقد أهم معالم الإنسانية .
تلك النوعية من الأفكار تحتاج لمراجعة حقيقية ، و لا يمكن قبول تقديمها بتلك الصورة المطلقة التي يتم الترويج لها من خلال دعوات غير مسؤولة .. فحقيقة يكفي المجتمعات الإنسانية تفتيتاً .
الإنسان كائن إجتماعي ، مما يعني أنه و بطبيعة الأمر يعيش في جماعات ، و عندما لا تنتظر مني شيء و في المقابل لا أنتظر أنا منك شيء ، ثم يصبح الحال بعد ذلك بأن الجميع أنا و أنت و كل من حولنا لا يَنتظر و لا يُنتظر شيء منه ، نتحول لمجرد أشخاص داخل بالونات تطير بلا خيوط ، تتقاذفها تيارات الرياح و تذهب بها حيث تشاء .
كل ذلك لماذا ؟ لتجنب الألم ؟!!
الألم هو جزء من الحكاية ..
نتألم لأننا أحياء ، نتألم ونتعامل مع الألم و من ثم نتعافى .
أما حماية أنفسنا من الآلام المحتملة بالانكباب داخلنا فهو الضياع ، ضياع لإنسانيتنا قبل أن يكون ضياع لنا و لمن حولنا بالتبعية ، و هو ذاته أسوء سيناريو يمكن أن تحضره المجتمعات لأكبر فيلم رعب يمكن أن تشهده .