أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

أ.د مصطفى لطيف عارف قراءة في كتاب ( جماليات المكان في شعر عمر بن ابي ربيعة) د. زهراء عون

ظلت عملية سرد الوقائع لا تبدأ إلا بعد تصوير الإطار الذي تتم فيه هذه الوقائع شائعة,ولزمن طويل في القصص التقليدي,أي وصف المكان,وتحديد موقعه,ووصف الزمان,وتحديده,والتجديد الذي عرفته الكتابة الشعرية ,وقد جعل منها كما يقول ريكاردو مغامرة الكتابة أكثر مما هي كتابة مغامرة- جعل أيضا من مغامرات الأشياء الموصوفة مغامرات وصف لذا فان وصف الأمكنة,والأشخاص,والأشياء, لا يقل أهمية عن سرد الأحداث والأفعال,وتختلف حاجة الكاتبة,وهي تصف الخلفيات الخاصة لشخصياتها,وأحداثها إذ قد تحتاج في بعض الأحيان إلى وصف خلفية موسعة,أو تركز في أحيان أخرى على جزئيات صغيرة,وهذا كله يستلزم معرفة الكاتبة لبيئتها التي تصفها حتى تحقق أهدافها من هذا الوصف في عملها فالإحساس بالمكان لدى الكاتبة ( زهراء عون) ,وفي تعبيرها عنه يفترض أن يجعل القارئ يحس بالانطباع,والنكهة,والأصوات ,والجو المألوف الخاص به,وان يستطيع مراقبة الشخصية الشعرية في عملها,وفي حياتها وان يرى ما تراه الشخصية في عملها,وفي حياتها,وان يرى ما تراه الشخصية من وجهة نظرها ,وان يحس ما تحس به تجاه هذا المكان,والدكتورة (زهراء عون) استطاعت أن تصف المكان بدقة متناهية ,فنراها تقول :- قد يرى البعض ان ليس ثمة فارق بين استعمال المكان في النثر واستعماله في الشعر لكونه مكانا في الحالتين من حيث الخلق والتأثيث فالمكان في النثر الفني يمكن أن يخلق خلقا بمعنى ان المبدع الناص يمكن له ان يتخيل كانا ليس له وجود في الواقع , أنما هو من ابتكاره وخلقه اذ اقتضت الضرورة الفنية للعمل الأدبي أن يكون بهذا الشكل وهذا التأثيث.

, والمكانية الجديدة كما وصفها عدد من النقاد، هي الفنُّ الذي يُوفِّقُ ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، ولعل هذا الوصف ينطبق على الفن بصفة عامة وعلى المكانية الجمالية , بصفة خاصة، حتى لو ادعى الكُتَّابُ أنْفُسُهُمْ غيرَ ذلك تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً، أي لا بد للخيال من أن يكون له دور فيها، فالنص الأدبي الشعري لا يكتسب صفته الأدبية إلا بالانتقال من الواقع إلى التخْييل وبقدر نجاحه في ذلك يكون نجاح العمل بصفة عامة, وإذا أقررنا بنجاح عملٍ أدبيٍّ ما، فإن البحث عن أسباب النجاح هو بحث في قدرة الكاتبة (زهراء عون) على رسم الواقع بصورة جمالية تلامس صورتها الأصلية مع مسحة فنية للخيال, والمكان يعني بدء تدوين التاريخ الإنساني,والمكان يعني الارتباط الجذري بفعل الكينونة لأداء الطقوس اليومية للعيش,للوجود,لفهم الحقائق الصغيرة,لبناء الروح للتراكيب المعقدة,والخفية لصياغة المشروع الإنساني,ويعيش المكان واحدة من لحظات وجوده المؤثرة,لحظة امتدت عقودا من التراجع والاندحار,وهاهي تصعد إلى الذروة غير المأمولة للحدث,مدونة على المشهد الواسع,ساعية لتفكيك ما ينطوي عليه هذا المكان من علاقات إنسانية تشكلت عبره ,ووجدت ملاذها فيه,مثلما تشكل,بدوره,عبرها,ووجد مأواه فيها,ليغتني مع كل علاقة إنسانية جديدة تنشأ في ظلاله,ويتشرب بما لا ينتهي من المعاني,والدلالات مسقطا عنه شبهة الحيادية,والجمود,فنراها تقول :-ان المكان حقيقة معاشه ويؤثر في البشر بنفس القدر الذي يؤثرون فيه فلا يوجد مكان فارغ أو سلبي كما تقول سيزا قاسم , وهذا يعني أن حقيقة المكان غير منفصلة عن التأثير البشري فيه كما أن للمكان تأثيرا فيهم أيضا وبذلك يتضح أن للمكان الشعري ميزته ضمن رسم المشاهد ونقل الحدث وهو يختلف من حيث الخلق والتأثيث عن المكان في النثر .
.ولقد أدرك الإنسان منذ القدم الأهمية المتميزة للمكان,وعلاقته بوجوده,وكان لفكرة المكان أثر أساسي في الفكر الإنساني قديما,وحديثا,وتطورت هذه الفكرة مع تطور الفكر البشري في تعامله مع العالم الخارجي المحيط به, ويبدو أن المكان يأخذ حظه الأوفر في كتاب (جماليات المكان في شعر عمر بن أبي ربيعة ) , إذ نجد الكاتبة (زهراء عون ) تتفقد أماكن عرفتها في السابق , وهي تسرد لنا تفاصيل الأحداث, وهي كثيرة , وغريبة , ورهيبة , ومن هنا تقترب من تلك النصوص التي تقرأ بتغيراتها , وليس بوصفها , بتحولاتها لا بثباتها , بل بانهدامها لا برسوخها , ومن هنا أيضا لا نجدها تتحرك في هذا الكتاب بطريق مستقيم , حركتها داخل النص حركة انزياح , وتمدد دائري يشابه إلى حد بعيد جغرافيا العاصمة المدورة, وتصارع الزمن المتداخل , والمتدفق مثل نهرين يقتربان , ولا يلتقيان عند خاصرة المدينة, تتحرك في ثبات واختفاء, وعودتها بأخرى مقلدة , أعطتنا الكاتبة صورا متعددة عن المكان , بل هي نقلت ألينا بأمانة علمية الأحداث التي وقعت ,وحاولت إلى حد معقول تقديم شهادة ثقافية متوازنة عن حال الشخصيات الشعرية في اغلب الأحيان إلا أنها وقعت أحيانا تحت طائلة بعض العبارات , واحتفظت بلغتها الأدبية أما اقتران الكتابة بالفكر والفلسفة أمر أعده طبيعيا لان ذلك يعني أننا لا نستطيع مشاهدة الأشياء ونقلها مجردة من ظلالها , وانعكاساتها في الخيال الإنساني, كان بيكت يقول لا يمكن أن نقول صباح الخير من دون سياسة ,وهو المعروف بمسرحه العبثي, وهل هي مجرد مشاهدات صامتة لكاميرا بشرية استطاعت الكاتبة نقلها إلينا إنني أرى بعدسة الكاتبة المثقفة ولهذا فان علاقة الرؤية بالرؤيا في نصوص الشاعر متداخلة
ما يميز الدكتورة (زهراء عون) أسلوبها الشيق , والجميل , وثقافتها العالية , ودقتها في الوصف, وسرد الأحداث بلغة شعرية ,وشاعرية ,ولعل أهم ميزة ميزتها جعل المتلقي يشاركها أحداث الكتاب ,وكأنه شخصية من شخصياته الرئيسة ,تسرد لنا عن طريق عين الكاميرا صورا فوتوغرافية , ومشاهد سينمائية , وسيناريو الأحداث المترابطة لشاعر كبير عرف بنزعته الرومانسية , وشعره الجميل الذي يدخل إلى القلوب دون استئذان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى