في طبعتها الثانية رواية “رجل الفودكا” بين اختلاف القراءات والرؤى

كتب د. صبري زمزم
لعل اختلاف قراءات العمل الأدبي وتنوعها وكثرة التأويلات والتفسيرات وطرق استقبال العمل المتنوعة، تبين وتدل على مدى غناه ومرونته وزواياه الإنسانية وقابليته، أن يجد فيه كل قارئ وكل ناقد، ما يبحث عنه أو ما يعبر من خلاله عن حياته الشخصية. ولعل تعليق المترجمة السورية “ريتا باربارة ” عن رواية رجل الفودكا للكاتب أحمد الشريف، في ندوة ورشة الزيتون كان مثالًا على ما أشرنا إليه، قالت: “عندما قرأت الرواية شعرت أنني أقرأ عن نفسي، عن ذاتي، لا سيما أنني وأصدقائي من المهاجرين، سوريين عراقيين يمنيين سودانيين، معظمهم عاش تجربة من هذا النوع. والكاتب قد لمس هذا بعمق، صح قوى. جعلنا نرى من خلال شخصية ” تايه” الموت في كل يوم. شرب الفودكا ليس إدمانًا في الرواية وليس متعة أو نشوة، بل من أجل الهروب وكي لا يواجه الألم والقهر والذل في صورة المهاجرين. ” المهاجرين مادة للتسلية ” شعرت في هذه الجملة بكمية قهر وذل، لكن كل هذا وصلني بانسيابية وبساطة وبلا افتعال.
أما الإعلامي والناقد عمرو الشامي فتكلم عن نهاية الرواية: “عندما تبدأ قصة أو رواية تفكر في النهاية، نهاية هذه الرواية جميلة وبديعة، لكنْ فيها شيء من المراوغة، هل هي نهاية سعيدة كما نأمل أم نهاية كابوسية، هناك التباس ما قبل النهاية وبعدها، يمكن تصنيف الرواية على أنها من “أدب المنافي” وليس أدب المهجر. شخصيات مأزومة فى بلدها، فإذا بها في البلد الجديد تجد عديد الأزمات. فكرت في دلالة العنوان. الفودكا وفقدان الإرادة، العنوان قد ينسحب على كل رجال أو نساء الرواية، معظمهم مأزوم، والمجتمع مأزوم، بل ربما العالم في أزمة.

..”ما الذى يحتاجه الإنسان في هذا العالم يا رفاق” هكذا بدأ القاص أحمد حلمي بسطر من الرواية ثم تكلم عن الاغتراب وطرح الأسئلة الكبرى عن الوجود والحياة عبر الشخصيات. كذلك توقف عند الشخصيات الثانوية التي أتت في المقدمة والمتن، والأحداث الكبيرة التي جاءت خافتة وفي الخلفية. الشخصيات تحاول إيجاد معنى للحياة. هناك حالة رمادية، غائمة ما بين اليقظة والسكر، وهذا مناسب جدًّا للمحتوى. تنطلق الرواية من رؤية وجودية تبحث عن معاني الهوية والانتماء لكن في نفس الوقت تطرح إشكالية السرد واللغة مما يجعلها نصًا مُركبا يتجاوز القراءة السطحية. لغة بسيطة متلاحقة، جمل قصيرة، متماسكة دون الوقوع في الابتذال، وقدرة على التقاط التفاصيل، هذه اللغة الواقعية تمنح السرد صدقًا وجاذبية.
علق أيضًا الروائي مجدي نصار قائلًا: إن الرواية تنشغل ومهمومة بالمنفى العربي، لكنها تذهب أبعد من هذا، وأبعد من الحكاية لأن لها بعد إنساني واضح، كما أن الشخصية الرئيسية صورة دقيقة للاغتراب الإنساني في صورته الحديثة. وهناك على مستوى التكنيك؛ المشهدية والتصوير السينمائي، إيقاع سلس سريع مشهدي يعكس قلق الشخصيات وحالتها المزاجية، المودmood يتأرجح بين واقع وتيه. ليس هناك في الرواية صراع عظيم، بل مود عظيم …



