أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

العرب وخطاب الرئيس الصيني: فرصة لصوت جديد في زمن الهيمنة بقلم الاذاعي الكاتب /شريف عبد الوهاب

رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب

 

في عالمٍ يزداد اضطرابًا يومًا بعد يوم، تتقاطع فيه المصالح الدولية الكبرى مع آلام الشعوب الصغيرة، جاء خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخير ليضع العرب أمام سؤالٍ محوري: هل آن الأوان أن يكون للعرب كلمة واحدة في ظل صعود قوى جديدة على الساحة الدولية، وفي مقدمتها الصين؟

لقد حمل خطاب الرئيس الصيني أكثر من رسالة، لكنه في جوهره بدا وكأنه دعوة مفتوحة لكل المستضعفين في الأرض. دعوة تقول بوضوح إن النظام العالمي أحادي القطب، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، لم يعد قدرًا محتومًا. هناك قوة صاعدة تعلن أنها موجودة، وأنها مستعدة لأن تكون سندًا للقوى الباحثة عن العدالة، شرط أن تعرف هذه القوى كيف توظّف اللحظة التاريخية.

العدوان على غزة كاشف للموازين المختلة

لا يمكن أن نتحدث عن أهمية الخطاب الصيني من دون التوقف عند ما يجري في غزة. فالمأساة المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والدماء التي تسيل يوميًا، تكشف حقيقة التوازنات الدولية. إسرائيل تمارس عدوانها بكل أشكاله، والولايات المتحدة، بدلًا من أن تدعو إلى وقف إطلاق النار أو حماية المدنيين، تمدّها بالسلاح والدعم السياسي.

هذا الواقع يُشعر العرب، شعوبًا وحكومات، بأن ميزان العدالة مكسور. فالمنظمة الدولية – ممثلة في الأمم المتحدة – عاجزة أمام الفيتو الأمريكي. والاتحاد الأوروبي، الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، يكتفي ببيانات باهتة لا توقف آلة القتل. هنا، يبرز السؤال: من يقف إلى جانب المظلوم؟ ومن يجرؤ على قول الحقيقة؟

الصين، في خطابها الأخير، لم تتحدث فقط عن نفسها كقوة عسكرية واقتصادية، بل قدّمت نفسها كصوت يدعو إلى السلام العادل. استخدم الرئيس الصيني تعبيرًا واضحًا: “السلام أو الحرب”. وهي عبارة تحمل معنى مزدوجًا: خيار السلام هو الأفضل للجميع، لكن إذا فرض الصراع، فإن الصين لن تتراجع عن حماية مصالحها. هذه الرسالة تصلح أن تكون مظلة للعرب، إذا أرادوا أن يلتقطوا اللحظة.

العرب بين التردد والفرصة

التاريخ يخبرنا أن العرب أضاعوا فرصًا كثيرة. من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، مرورًا بحروب الخليج، وصولًا إلى “الربيع العربي”، كانت السمة الغالبة هي غياب الكلمة الموحدة. اليوم، مع صعود الصين وتحوّلها إلى لاعب رئيسي في النظام الدولي، تبدو أمام العرب فرصة نادرة: أن يدخلوا شريكًا في صياغة قواعد جديدة للسلام والأمن.

الصين لا تتعامل مع العرب من منطلق استعلائي، بل على أساس المصالح المشتركة. فهي تحتاج إلى استقرار المنطقة لأنها شريان أساسي للطاقة، ولأن “مبادرة الحزام والطريق” التي تقودها تمر عبر الأراضي العربية. وفي المقابل، العرب بحاجة إلى قوة عظمى تدعم حقهم في تقرير مصيرهم بعيدًا عن الضغوط الأمريكية.

إذاً، خطاب شي جين بينغ لم يكن مجرد كلمات احتفالية في مناسبة عسكرية، بل كان بمثابة خريطة طريق تقول للعرب: إن أردتم أن يكون لكم صوت في العالم، فالصين على استعداد أن تسمع هذا الصوت، بل وتدعمه.

نحو كلمة عربية موحّدة

الفرصة التاريخية تكمن في أن العرب ليسوا مضطرين اليوم إلى الاصطفاف خلف قوة بعينها ضد أخرى، بل يمكنهم أن يستفيدوا من توازن القوى الجديد. الولايات المتحدة لن تكون المهيمن الوحيد إلى الأبد، وروسيا والصين تعرضان بدائل. غير أن الاستفادة من هذه البدائل لا تتم إلا إذا اتفق العرب على كلمة واحدة.

إن خطاب الرئيس الصيني يفتح الباب، لكن من يقرر الدخول هم العرب أنفسهم. فإذا ظلّت الخلافات تمزّق الصفوف، ستبقى المنطقة ساحة نفوذ للآخرين. أما إذا اجتمع العرب على موقف واضح – خصوصًا بشأن القضية الفلسطينية – فإن الصين قد تكون الظهير الذي يمنح هذا الموقف وزنًا دوليًا.

السلام خيار استراتيجي

أهمية خطاب شي جين بينغ لا تكمن فقط في إظهار القوة العسكرية الصينية، بل في التأكيد على أن السلام هو الخيار الاستراتيجي الأول. بالنسبة للعرب، هذه الرسالة بالغة الأهمية. فمعاناة غزة ليست إلا نموذجًا للمعاناة الممتدة في المنطقة: من سوريا إلى اليمن إلى السودان. جميع هذه الأزمات لن تُحل بالقوة العسكرية وحدها، بل من خلال سلام عادل قائم على توازن حقيقي للقوى.

الصين تعرض أن تكون وسيطًا وصديقًا، لكن لا يمكنها أن تفرض السلام إذا لم يطلبه العرب أنفسهم. هنا يأتي دور النخب السياسية والفكرية والإعلامية في العالم العربي: أن تُقنع الشارع العربي والنظام السياسي بأن اللحظة مناسبة للتحرك، وأن خطاب بكين ليس مجرد شعارات، بل فرصة لإعادة صياغة دور العرب في العالم.

دعوة لكل المستضعفين

الأجمل في خطاب الرئيس الصيني أنه لم يوجّه رسالته إلى الحكومات فقط، بل إلى “المستضعفين في الأرض”. هذه العبارة تلامس وجدان الشعوب العربية التي ترى نفسها ضحية للاحتلال أو الفقر أو التبعية. إنها رسالة تقول لهم: لستم وحدكم، فهناك قوة كبرى تعلن استعدادها لدعمكم، لكن الكرة في ملعبكم أنتم.

هذه الرسالة يجب أن تصل إلى الفلسطينيين في غزة، وإلى كل عربي يشعر بالخذلان من المجتمع الدولي. إنها دعوة لإعادة الأمل بأن العالم لا يُدار فقط من البيت الأبيض، بل إن هناك عواصم أخرى تملك القرار، وعلى رأسها بكين.

خاتمة

إن خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ لم يكن حدثًا عابرًا، بل هو إعلان عن ولادة قوة عالمية جديدة تضع العرب أمام خيار واضح: إما البقاء في دائرة التبعية والانتظار، أو الانخراط بفاعلية في بناء نظام دولي أكثر عدلًا.

العرب، إذا أحسنوا قراءة اللحظة، يستطيعون أن يجعلوا من خطاب بكين منصة لانطلاقة جديدة نحو دور فاعل في صناعة السلام. أما إذا ضاعت الفرصة، فسوف يجدون أنفسهم مرة أخرى على هامش التاريخ.

إنها ساعة الحقيقة: أمام العرب نافذة تاريخية ليمتلكوا الكلمة، وليثبتوا أن دماء غزة لم تُسفك عبثًا، وأن المعاناة الممتدة في المنطقة يمكن أن تتحول إلى بداية لعصر جديد، عنوانه السلام العادل، وركيزته التوازن الدولي الذي بدأت ملامحه تتشكل مع صعود الصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى