سليم النجار يكتب الواحٌ برسم النار ديوان شعر للشاعرة لهيب عبدالخالق
( وميض رعد في ليلة ماطرة) ٠

هناك خطأ شائع إن جاز التعبير هو أن جمالية التلقي ( وليس نظرية جمالية التلقي أو جماليات التلقي كما يقول بعض الكتاب خطأ !)٠ ولن أمضي بعيداً في تخمين بواعث هذا الغياب المجحف٠
إنّ جمالية التلقي خطاب على خطاب كذلك، لذا وظفت الشاعرة الخطاب في اللوح الأول ” سيدةُ الألواح ٠٠
كنت اليدَ التي سطرتُ والعينَ
التي قرأت
والألم الذي تعلّم كيف يُقال ص١٠)٠
وحين تتحرك دينامية التلقي ، فإنّ حواراً، لا يخلو من التوتر والتجاذب، ينشأ بين الأفقين، بحيث يمكن أن يتمخص إما عن تطابق أفق الشاعرة مع أفق الملتقي :
اللوج الثالث
لا أحد يكتبُ الملكة
أنظرُ الآن
إلى وطنٍ يُقطّعُ
كماشٍ قديم،
وكلّ يدٍ تدّعي
أنها تُخِِيطُه ص٥٠ “٠
إنّ أهمية الخطاب للمتلقي في واقع حياتنا اولاً ، وثانياً بأن الخطاب في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية ( والإعلامية طبعا) يكون في أغلب الأحيان لما تصنعه اللغة على يد الشاعرة لهيب التي تعاملت مع اللغة بشكل معاش:
” اللوح الرابع
اصداءٌ بلا أرض
ذاكرةٌ. بلا تراب
في الفراغ الذي يملكُ
عنواناٌ ، تنوهُ الكلماتُ بين
أضلاع الصمت ،
تسللُ مَن الجسد،
كأنّها نسمةٌ
تخافُ أنْ تلمسَ الأرض ص١٨٤”٠
يمكننا القول أن الشاعرة لهيب لم تبحث عن المتلقي المستهدف
هذه الأيام ،” ليس ما نحن”٠ بل صورت في قصائدها الشعرية ما يمكن أن نتصوره، بل ما يمكن أن نتخلص من قيود ذكرتها في قصيدتها:
” تقش التي جاءت في اللوح الثاني،
في نسيج الطِينِ والزمانِ
تسيرُ الروحُ بلا محطةٍ،
تُعيدُ للحكاياتِ ألوانَها ،
وتَزهرُ في كل خطوةٍ،
كأنها بدايةٌ جديدة،
في رحلةٍ لا تنتهي ص٤٠”٠
وللأنا في ديوان “ألواحٌ برسم النار” للهيب عبد الخالق خطوات تتشكل من خلالها، تأويل لنفس نصها الشعري، والتعرف على هذا النص، التي أرادت التعرّف هي، وفي ذات الوقت المتلقي٠
إنها أنا جدلية بين مُتخيل صنعتهُ، ومتخيل للملتقي الذي صورهُ النص الشعري،
” الذين عبروا من الداخل
لم يأتِ الخرابُ من الخارجَ،
بل من بابٍ انفتحَ داخلَهم،
ومِن يدٍ صافحَتْالهاوية ًً
باسم الولاء ص١٤٠”٠
ويمكن القول أيضا أن لهيب خطابها للمتلقي متغير ومغايرة شأنها شأن الأنا أو شابهها، وما الأنا في واقع الأمر في واقع الأمر – الأنا تتغير حسب الظروف الموضوعية، وهناك مساحة دائما مساحة مظلمة، قد تتوافق مع المتغير، التي تصبح هوية الأنا، وفي لوحتها السابعة قالت لهيب:
” أنا سيدةُ القيامة
الطينُ يتحدثُ باسمي
قبلَ أن أضعَ قدمي، والريحُ تحفظُ اسمي كما تحفظُ الأصواتُ الغابة ص ١٧٠”٠
لهيب الشاعرة وصفت الزمن وصفاً ضاري لتنكل الزمن بالإنسان يصبّ في مقولة الذاكرة عند بروست الذي لا يتوقف عن المقارنة بين ما كان عليه الإنسان من شباب وحيوية وبين ما صار عليه من شيخوخة، وهنا المقصود بالشخيوخة ليس الزمن البيالوجي، بل بالأفكار التي آمن بها ، ونقرأ كيف عبد الخالق صورت هذه المقولة،
” ميثاقُ النارِ على ماءَين
في فمِ الأتونِ الأخيرِ
تُسَّود صفحةُ الطينِ
بنَفَسٍ باردِ،
وترفعُ المرايا رمادها
كي تَرى المدنُ وَجَهْيِ
خرابهِها
متعانِقَين كأخوين عند بابِ قديم ص١٧٣” ٠
استطاعت الشاعرة لهيب عبد الخالق في ديوانها، الواحٌ برسم النار أن تصور قصدئها كمحاز للمتلقي، التي اعتبرته الملهم الأول لها، وكانت بعيدة كل البعد عن الأنزياحات، والأنخراف، فكل معاني مفردتها الشعرية كانت بلاغية في المضمون، وشكلية في التعبير٠ علاوة على مستوى المُعجمي والدلاليّ، كانت مساحتهما في الاستخدام والتوظيف كبيرة ، بعيدة عن التكرار بشكل لافت٠
الواحٌ برسم النار ، رسمت حياتنا اليومية ، كلوحة تشكيلية٠
