دراسات ومقالات

محمد الدسوقي يكتب: ناجي عبد اللطيف وديوانه “وقوف جديد على الطلل العربي”

من باب المتابعة لبعض إصدارات الأصدقاء

من باب المتابعة لبعض إصدارات الأصدقاء

ناجي عبد اللطيف وديوانه “وقوف جديد على الطلل العربي”

من المعروف – كما يقولون –  أن الشعر المقاوم هو الذي يستنهض الأمة من سباتها و يوقظها من نومها العميق ، والشاعر العربي  درج على كتابة شعر التمرد أو المقاومة  نتيجة ما ينتاب العالم العربي على مر تاريخه من احتلالات وصراعات عرقية وطائفية لا نهاية لها ، وشاعرنا – ناجي عبد اللطيف – ليس بدعا من الشعراء ، ولكنه ليس من أولائك   الذين يكتبون رفضهم و تمردهم  بمنطق ” والله زمان يا سلاحي ” ، فهو  يكتب قصيدته / بكائيته في مناخ شعري هادئ ، حتى ليظن القارئ بأن  قصائده تجئ على قدر من البساطة والحميمية الظاهرة ، لكن من خلال القراءة المتأنية نكتشف أن نارا متأججة تتميز غيظا وتمردا تحت رماد القصيدة ، وهذا التمرد لا يجيء بطريقة خطابية ثائرة ، وإنما  يجيء بالمعنى الفيزيقي الذي  يعيشه الشاعر بكل تجلياته وخفاياه في ذاته هو ، في عالمه الخاص جدا ، وهو الذي  وراء هذا التبعثر الذي جاءت عليه نصوصه ، لدرجة أننا نجد الجمل أو الكلمات المتناثرة وكأن كل جملة أو مفردة منها تجيء بمعزل عن الأخرى ، فكل جملة أو مفردة لها شفرتها ، ودلالتها ،  ولنقرأ معا هذا  المدخل المراوغ لمقطع من ديوانه “وقوف جديد على الطلل العربي” عندما بلجأ الشاعر إلى مقطع من أغنية فيروز ” مُر بي ” وتمعنوا في طريقة كتابته للنص وتوزيعه على الورق ، لتدركوا بأنكم أمام تمرد شعري من نوع خاص ، يقول :

( مُر .. بي

يا واعدًا ..

وعَدَا.

مثلما النسمةُ ..

من بردى )

هل تعلم فيروز

بأنك يا بردى..

مشغول عنها ..

بفرات أضحى..

نفطًا..

ودماء ؟!

أنك..

تنتظر الآن ..

الأمر.

لتغدو قنطرة ..

لعبور..

الأعداء ؟!

وعلى ما يبدو فإن الشاعر يشعر بعبثية فعل المقاومة ولا جدواها في مواجهة يراها غير متكافئة ، وهذا الاحساس هو الأزمة الوجودية التي يعيشها الشاعر في ديوانه / حياته ، لدرجة تسيطر عليه مشاعر المرارة والخيبة والاغتراب ، وعليه لم تعد الإشكالية في الوطن وحده ، بل المشكلة في ذات الشاعر الذي اختلت حياته كلها ..

أخرج ..

من جرحي ..

أبصره الآن ..

محاطا بالأغلال ..

أمامي .!

فأعودُ إليه ..

كي لا يشعر أني ..

أتنفس وحدي .!

آه ..

يا وطني ..

لو تعلم أني ..

ما زلت أواري ..

سوأة قلبي ..

حين أراك.!

لكن..

ماذا بعد الذبح ..

يضير الشاء ؟!

ماذا بعد الذبح ..

يضير الشاء ؟!

وكما نرى هناك ما يمكن تسميته التشكيل البصري للغة ، وهو  مستوىً ينبغي التوصل إليه لمعرفة كنه الإبداع وجماليته في النص الشعري الحديث ، وبذلك، فإن المستوى الكتابي يحكمه شكل يجد مرجعه في ذائقة المتلقي وحساسيته”(1) ومما يزيد من فاعلية الجمل المتناثرة بطريقة تشكيلية ما ومردودها الإيحائي ، تظهر لنا علامات الترقيم مشّكلةً تشكيلاً بصرياً مصاحباً لحركة الذات ، أي أننا بإزاء شاعر استطاع أن يعبِّر بصرياً عن شعوره ورؤيته ، وبهذا التصور، فإن التشكيل البصري في أبسط تعريفاته هو: كل ما يمنحه النص للرؤية ، سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر/ العين المجردة ، أم على مستوى البصيرة/ عين الخيال”(2) كما أننا نلاحظ أن الشاعر وضع للنصوص أرقاما مسلسلة تبين عن تصاعد حالة الأسى والاحتراق التي يعيشها الشاعر / الوطن بداية من الرقم (1) الذي يفتتحه بقوله :

كان لنا ..

وطن ..

وسحابة عشق ..

أبدية .،

تمطر..

في كل فصول القلب ..

لتحيا..

ومرورا – مثلا –  برقم (13) مع تلك الحوارية التي يخاطب فيها الشاعر صديقه ، ليؤكد أن إشكالية الواقع العربي المأزوم  ضاغطة جدا وتفرض وجودها في حياة الأصدقاء أيضا ، يقول :

قابلت ..

صديقي (مدحت)

كان حزينًا..،

يبدو الإرهاق..

بعينيه .!

في مقهى..( إمبريال ) ..،

حدثني ..

أن الحوذي ..

لا يعمل منذ الأمس..،

فقد..

صدمت عربته..

السيارة ..

في شارع( سعد ).،

فانكسر ذراع العربة.

وأضاف :

بأن لديه ..

مشاوير مهمة.!

قلت:

فلتركب ..سيارة أجرة.

قال:

وكيف تسير السيارة ..،

والنفط ..

تحاصرة الدبابات الأمريكية ..

في ( كركوك)..،

وفي ( الموصل ).!

وهكذا تتعاظم الأزمة حتى على الورق ، أي فيما يتعلق بفضاء الصفحة الشعرية ، فالجمل الشعرية أصيبت بحالة من التشظي أو التقطيع كما هي الحال العربية ، التي لا تفرق عن حالة الشاعر وزوجته ، واقرأوا معي كيف رسم الشاعر إحساسه البصري والإيقاعي بينه وبينها :

كانت ..

زوجتي الأمس ..

تفتش ..

في..

أوراقي.

عن بعض..

مشاعري البكر..

تحرضني..،

أن أكتب..

أشعارًا غزلية .

تخبرتس ..،

أن (نزارًا) ..

كتم يحب ُ..،

ويعشق (بلقيس)

ويكتب..

فيها الشعر .!!

فنطربُ..

لسماع قصائده الغزلية .

زوجتي الآن ..،

تُفتش..

في أوراقي..،

عن بعض تقود..،

ورصاصاتٍ..،

وقذائف.!

تُرسلها..،

للوطن المنفي ..

بداره.!

تشكيل ديوان ناجي عبد اللطيف وفق هذا المنحي ، يدل على أنه توفر بتكوينه فني ما على لغة وعوالم ورؤية أرحب للطلل العربي ، بحيث نتتبع أشياء الشاعر وخصوصياته ونشتبك مع ما هو خارج عنها في الآن نفسه ، كما أن الشاعر  استطاع أن يكتب ديوانه بلغة نثرية محكية دون أن يتخلى عن إيقاعية الشعر وتوسلاته الموسيقية ، فضلا عن أنه استطاع أن يجد التعبير الملائم في الموقف الذي اتخذه  داخل حركة نصه ، ومحاولة تحقيق الأنموذج الفني الخاص به في رؤيته لما يسمى بالطلل العربي .

مراجع ———————————————

(1)ترمانيني،خلود،2004- الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث،مخطوطة، أطروحة دكتوراة جامعة حلب،ص190.

(2) الصفراني،محمد،2008- التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث،النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي،ط1، بيروت،لبنان،ص18.

(3) ديوان ” وقوف جديد على الطلل العربي ” ناجي عبد اللطيف / هيئة المصرية العامة للكتاب 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى