دراسات ومقالات

حسين عبد البصير يَكتُب : أغاني الحب في مصر القديمة

تعد أغانى الحب من أروع الأعمال الأدبية من مصر القديمة!
نجح كاتبو الأغاني في التعبير عن مشاعر النساء القوية تجاه عشاقهن. وتصور الحب كحالة شعرية فريدة. وتمتلئ بالإيحاءات الحسية الصريحة. ومثلت تعبيراً متحرراً عن الحب والجنس في مجتمع المدينة المفتوح. وتحمل الأغاني في طياتها رسالة غير مباشرة عن الحب والرغبة الحميمة بين العاشق والمعشوقة، لكنها تلمح ولا تصرح بأية أنشطة جنسية صريحة. واهتم مؤلفوها بمديح الحب والسعادة والدعوة للاستمتاع بالمتع في الحياة.
استخدمت البيئة النباتية وعناصرها الزخرفية بكثافة في هذه الأغاني، فتعدد ذكر الأحراش، والحقول، والحدائق، والبساتين. وكانت الحقول والحدائق أمكنة محببة للقاء بين العاشقين.
عبرت أغاني الحب في حالات كثيرة عن قصة حب تنتهي بنهاية سعيدة. ويشكل المكان والزمان عنصرين مهمين من عناصر قصة الحب. وكانت المناسبات الاحتفالية أوقاتًا جيدة لممارسة الحب بين العشاق والعاشقات. وكان مكان الحب، حيث يلتقي العشاق، أهم عناصر أغانى الحب، والذي كان حديقة غالبًا. وقد ترمز الحديقة عمومًا إلى فتاة أو إلى الطبيعة الجنسية الأنثوية، علاوة على كون الحديقة مكانًا رائعًا شديد الخصوصية والحميمية للعاشق أن يلتقي فيه بمعشوقته.
استخدمت الأغاني أجزاءً من جسد المحبوبة بشكل رمزي وعميق. وتكونت العناصر الزخرفية، التي لعبت دورًا محوريًا في أغانى الحب، من الأشجار والفواكه والخضراوات والأزهار. وكان من بين النباتات المثمرة لذيذة المذاق التين والتفاح والجميز. وكانت توحى عادة بفكرة الخصوبة والتواصل والارتواء. واختيرت الأزهار الملونة والعطرية الفواحة.
تعد لغة النباتات الخاصة بالأشجار والفاكهة فريدة جدًا وتعبر تعبيرًا حيًا وحقيقيًا عن الحب وتؤسس له. وكانت بيئة الحب هذه طبيعية للغاية، مليئة بكل العناصر التي تساعد على تحقيق الحب وازدهاره. وكانت البيئة الطبيعية خير مكان للحب، وإذا لم يمارس فعل الحب فيها، فإنها كانت مقدمة مناسبة لأدائه في مكان آخر. وحملت رائحة الأشجار والفواكه دلالات جنسية قوية وساعدت كثيرًا في خلق بيئة مناسبة لممارسة الحب. وعبرت نصوص مصرية قديمة عديدة عن أهمية تأثير الرائحة على الرجال والنساء على حد سواء في الإعداد للقاء الجنسي. وعكست بشكل ملحوظ موائد النبلاء ومناظر الأعياد وبردية تورين الجنسية، من عصر الدولة الحديثة، (وما ظهر فيها مثل أزهار اللوتس، والأقماع العطرية… إلخ) أهمية العطر ودلالاته الجنسية. وذُكر مرارًا نبيذ العنب، المستخرج من الكروم والذي كان واحدًا من أفضل أنواع الخمور، في أغانى الحب. وتظهر إحداها فكرة السكر من الخمر كأحد مظاهر الأعياد والاحتفالات ومدلولاتها الجنسية. هذه مصر الفرعونية التي احتفلت بالحياة وقدست الموت كحياة ثانية وبوابة للحياة الأبدية!
من إحدى أغنيات الحب، نذكر ما يلي:
“تأمل! إنها كالزهراء عندما تطلع
في باكورة سنة سعيدة
ضياؤها فائق.”

 

 

 

 

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى