ساحة الإبداع

أوبرا مصر تَنشُر “الذِكر ..” قصة قصيرة للدكتور مرسي عبد العليم

(زدنى بفرط الحب فيك تحيرا
وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
واذا سالتك ان اراك حقيقة
فاقبل ولا تجعل جوابى لن ترى ..
ياقلب انت وعدتنى فى حبهم
صبرا فحاذر ان تضيق وتضجرا.
ان الغرام هو الحياة فمت به
صبا وحقك ان تموت وتعذرا)
ظبطت نفسى منتشيا بالصوت القادم من منور العمارة من شقة الجيران وقد قام احد الصنايعية بتعليه صوت الموبايل وهو يردد معه بصوت مجروح.. (واذا سالتك ان اراك .. ويعيد ان اراك.. ان اراك) وقد احتبس صوته من الوجد والدمع..
اخذتنى الحالة معها وذهبت…
الليلة سيكون هناك ذِكر عند بيت الشيخ (محمود البنا ) الذى تعود ان يقيم ليلة لاهل الله.. كل سنة فى الصيف..
سحرتنى تلك الليالى وكنت صبيا وصرت اتتبعها .. يسمح لى ابى ان اذهب للذكر للفرجة بشرطين الااتشاجر مع احد. والااتاخر عن الساعة التاسعة . كان ابى يحب الذكر والصييتة لكنى لم اره ابدا فى حلقات الذكر يتمايل معهم .. وعندما كنت اساله فى براءة لماذا لا تدخل الذكر ياابى ؟كان يجيب بابتسامة نورانية .. انه من اهل الخطوة .. ويكتسى صوته بالوجد وهو يقول .. يا ام العواجز وانا منهم..
بعد صلاة العشاء ينتظم الذكر فى الشارع امام بيت الشيخ محمود البنا.. على هيئة مستطيل على راسه الشيخ (عبده) ومعه فرقته البدائية رقاق وناياتى .. وميكروفون.. وهناك فى حلقة الذكر التى على هيئة مستطيل .. يصطف الذاكرون .. احرص على اصطحاب رفقاء الفرجة في الذكر (محمد محمود) و(اشرف حسين)..عينى على ثلاث شخصيات فى الليلة .. الشيخ (المهيب ذو الوجه المضئ)..هو حكمدار الذكر .. لا ينخرط فى حركات الذكر هو فقط عينه على الصفوف حتى اذا اخذت الجلالة احد الذاكرين ووقع على الارض واخذ جسده يرتج واخرج سائلا ابيض من فمه له رغاء اشار الشيخ الى الناس اشارة حاسمة بالاستمرار وذهب الى الجسد المرتجف ..وهمس فى اذنه بكلمات حتى يسكن ويعود الى الحياة ويقف فى مكانه ويواصل الذكر وتطويح جسده يمينا ويسارا وكان شئيا لم يكن!! (الشيخ المهيب ذو الوجه المضئ) اذا لمحنا نحن الصبية نضحك اقترب منا فى وداعة .. ولطم من تطوله يداه لطمة قد تفقده السمع لحظات .. وقد كانت مهمتى ان احافظ على سمعى من الفقد..!!فلم يصل الىّ ابدا وان طالت يداه الصبية رفقاء السهر..
وكنت رايت بعينى فى صباحية المولد الذى يقام سنويا كيف هذا الشيخ يمرر اسياخ فى فم الذاكرين من جهة لتخرج من الجهة الاخرى دون نقطة دم واحدة ..والناس تهتف ..مدد يارفاعى مدد
اما الشخصية الثانية فهو الشيخ ( مصراوى) وهو له خصوصية فى الذكر فلا ينتظم فى الصفوف بل له مساحة حرة يتحرك فى الوسط برشاقة ولا يتمايل يمينا وشمالا كالاخرين بل يمد يداه امامه ويصنع اشكالا هندسية وينظر الى السماء ويبتسم..حتى اذا حميت الحالة سقطت طاقيته فكشفت عن شعر طويل اسود فاحم تهدل حتى غطى كتفيه وكانت هذه اللقطة بالنسبة لى هى الماستر سين واصرخ من الدهشة كيف يستطيع هذا الشيخ المبتسم ان يحتفظ بكل هذا الشعر الطويل؟ الشخصية الثالثة هو ( الصييت ) الذى لديه صوت ساعرف لاحقا عندما اكبر ان الزنجبيل هو سبب حلاوته.. واذا حميت الحالة وتطوح المتطوحون.. وبلغ العرق والجهد مبلغهم .. يستطيع الشيخ (عبده ) ان يمنحهم استراحة مؤقته.. وكلمة السر .. هى .. اشهد او وَحد.. فتسكت الموسيقى وتهدأ الاجساد مؤقتا قبل ان تواصل الاداء ..
كان يحز فى نفسى ان التاسعة تقترب ..ولابد ان اغادر قبل مشهدالنهاية .التى يقول الشيخ عبده فيه .. وترى الملائكة حافين من حول العرش..ويعلن موعد ومكان انعقاد الليلة القادمة من ليال اهل الله..
كبرتُ وتباعدت الليالى ..ولما علمت بموت الشيخ المهيب ذو الوجه المضئ.. بكيته بحرقة وتناسيت كل اللطمات التى هوت على وجوه الرفاق..وذهبت الى مقامه وقرات له الفاتحة .
والصوت القادم من شقة الجيران لازال صداحا.. والصنايعى يردد معه فى صوت قد قتله الوجد وبلغ منه مبلغا..
ان صح منك الوجد فالكل هين.. وكل الذى فوق التراب تراب..

 

 

 

 

أوبرا مصر ، ساحة الإبداع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى