دكتور عوض الغبارى يكتب الشرق والغرب فى كتاب “تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز”
لرفاعة رافع الطهطاوى

رفاعة رافع الطهطاوى من علماء الأزهر الذين أسهموا فى نهضة مصر الحديثة علميا وحضاريا.
كان إماما لطلاب الثقة العلمية التى أرسلها “محمد على” إلى فرنسا بهدف الاطلاع على إنجازات الغرب فى العلوم المختلفة، والاستفادة منها فى القرن التاسع عشر الذى شهد تتطلع مصر إلى النهضة والتطور. وقد ألف “الطهطاوى” كتابا مهمات لتحقيق هذا الهدف، عنوانه: “تخليص الإبريز فى تلخيص باريز”.
وهذا الكتاب رحلة بحث فى العلوم والفنون، للوقوف على ما وصلت إليه من تقدم وتطور احتاجت إليه مصر فى مطلع نهضتنا الحديثة.
وهذه العلوم التى استهدفتها بعثة مصر العلمية المصرية إلى فرنسا كانت فى غاية الأهمية لمصر آنذاك.
يقول “الطهطاوى”: ” فى مدة السفر من مصر إلى باريس، وما رأيناه … فى هذه المدينة العامرة من العلوم.. والفنون والعدل…. الذى يحق من باب أولى فى ديار الإسلام”.
ويصف “الطهطاوى” رحلته إلى فرنسا، ويذكر ألوانا من علومها وفنونها، فضلا عن تاريخها وجغرافيتها، ومناخها وعادات أهلها وتقاليدهم. كما يصف ما رآه من مظاهر العمارة والحضارة هناك.
ويلاحظ “الطهطاوى” كثيراً من الاختلافات بين مصر وفرنسا، فالمطر غزير فى فرنسا، والبرد شديد، لكنهم يصرفون ماء المطر، ويستعينون على البرد بالتدفئة. ولكن الله حبانا بالجو المعتدل فى مصر.
ويفيض “الطهطاوى” فى تميز أهل “باريس” بحب الفن والجمال والتجديد.
ويشير إلى احترامهم للمرأة.
ويرشح “الطهطاوى” فصول كتاب “تخليص الإبريز” بكثير من الأشعار التى تدل على ثقافته العربية الأصيلة. ولا يقع “الطهطاوى” فى الانبهار المطلق بالمجتمع الفرنسى،
بل يشير إلى بعض عيوبه، وهذا أمر يقع فى كل مجتمع بشرى.
ويشير “الطهطاوى” إلى شرح “للمقامات الحريرية” مترجم إلى اللغة الفرنسية، وترجمة لبعض المقامات الهمذانية والحريرية. ويتناول “الطهطاوى” أسس إذارة الدولة فى فرنسا، والشئون السياسية، ذاكرا قول العلماء والحكماء فى ذلك مثل: “أبلغ الأشياء فى تدبير المملكة تسديدها بالعدل، وحفظها من الخلل”.
كذلك يعرض للحقوق والواجبات فى فرنسا. ويتحدث “الطهطاوى” عن المسرح الفرنسى، وتأثيره الإيجابى فى أخلاقيات المجتمع.
كما يتحدث “الطهطاوى” عن المسرح الفرنسى، وتأثيره الايجابى فى أخلاقيات المجتمع.
كما يتحدث عن المتنزهات والحدائق نادرة النبات، رائعة الأزهار، كذلك تتميز “فرنسا” بالعناية بصحة الأبدان والعلوم الطبية والمستشفيات.
ويترجم “الطهطاوى” نبذ أمن قانون الصحة فى فرنسا للاستفادة به فى مصر.
و”باريس” من أعمر المدن وأكثرها صناعة، وأهلها محبون للعمل والمكسب، وبها معاملات للصيارفة الذين يصرفون الأرباح السنوية لكل مال يدخره صاحبه.
وهناك مكتب للتجارة لتعليم التلاميذ طرق البيع والشراء، ويخصص “الطهطاوى” فصولا لتقدم أهل باريس فى العلوم والفنون والصناعات.
ويشيد بإتقانهم فيها، ويرجع ذلك إلى سهولة لغتهم الذين يحصلون بها العلوم دون مشقة.
ويذكر المجامع العلمية والمدارس المشهورة وخزائن الكتب المنتشرة، وكذلك الأكاديميات والصحف والمجلات.
ويقرر “الطهطاوى” أن العلوم فى مدينة “باريس” تتقدم كل يوم. ويعرض لكثير من أماكن تعليم الفلك والتشريح والآثار وغيرها.
فكثيرة الأكاديميات الرياضيات والعلوم المختلفة صناعية وزراعية، فضلا عن الطب، والجغرافيا، والفنون الجميلة، واللغة والأدب، خاصة الشعر الذى خصصوا جوائز لمبدعيه البارزين.
ويتناول “الطهطاوى” نظام التعليم فى فرنسا، وبرنامج البعثة فى التعلم والحياة أثناء البعثة.
ويتحدث عن جدية البعثة فى تحصيل الفنون والصنائع لتحقيق أهدافها فى نفع مصر. وقد تعلم أفراد البعثة أصول نحو اللغة الفرنسية، وعلم التاريخ، والحساب والهندسة والجغرافيا وفن الترجمة والآداب والفنون المختلفة.
وقد تحدث “الطهطاوى” عن تجربة امتحانه قبل الرجوع إلى مصر، وتفوقه فى اللغة الفرنسية، وحصوله على جائزة من أجل ذلك.
وقد مهر “الطهطاوى”، كذلك فى الترجمة إلى الفرنسية، ويضرب “الطهطاوى” أمثلة لما ترجمه من الفرنسية إلى العربية ويختم كتابه بالأحداث السياسية التى أوقعت الفتنة فى فرنسا قبل رجوع البعثة إلى مصر.
والخاتمة عامرة بالنتائج الناجحة لهذه البعثة التى أصبح طلابها من أساطين العلم والمعرفة.
ويقول “الطهطاوى” تلخيصا لرحلته إلى باريس “حيث إن مصر أخذت الآن فى أسباب التمدن والتعلم على منوال بلاد أوروبا فهى أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة”.
وأشاد “الطهطاوى” بحضارة العرب، وشرع الإسلام، وبلاغة الأدب العربى، وتاريخ مصر رائدة للعلوم والفنون، وحضارة الزراعة على نهر النيل.
وتلك موازنة دقيقة بين ما رآه من تقدم الغرب فى غير إغفال لحضارة الشرق.