منعت نفسى ويدى من أن تمتد لسماعة التليفون فى هــذا الوقت المتأخـــر جدا وتطلبها … لم أنم ليلتها … كنت مشتاقا لسماع صوتها ، وكان عنـدى الكثير من الحكايات والأخبار، التى تتعلق بحياتنا ومستقبلنـا ، كنت أود أن أقصها عليها ، وأتشاور فى أمرها معها .
فقد شغلتنى ظروف الحياة المعيشيىة القاسية ، وترتيبات الزواج المرهقـة اللذيــذة فى تكــوين وتأثيث عش الـزوجيــة عن محـادثتهــا، وحـالت دون ملاقاتها لزمن حسبته دهـرا !
حاولت ليلتها أن أستدعى النوم، لكنه عانـــدنى وأبى أن يتسلل إلى جفونى وكانت كل جارحة من جـوارحى، تدفعنى نحـو سماعة التليفون وتحرضنى وهى تهتف بى ….
” أطلبها … هيا … أطلبها … هيا ” .
ويعود عقلى ويكبح جماح قلبى ويهتف بى هو الآخر ….
” لاتطلبها … عيب … الوقت متأخر … عيب ” .
كانت قد اعترتنى حالة من الوجد ، جعلتنى محاصرا بين دفـع قلبى ورفض عقلى، يكــاد من شــدة الشــوق والحنيـن، يخــرج قلبى من بين جــوانـحى ويعصف بى !
*
” الله أكبر …. الله أكبر … أشهـد أن لا إله إلا الله … أشهـد أن لا إله إلا الله
أشهـد أن محمـدا رسول الله .. أشهد أن محمدا رســــــول الله .. حــى على الصلاة …. حى على الصلاة .. ” .
*
كان أذان الفجـر قـد حـان وارتفع ، وأنا كمـا أنا على حالتى هـذه، قمت… توضأت ، وخرجت لصلاة الفجر .
كان قلبى قد هدأ وسكن بين ضلـوعى … استرخيت ، وتمددت على السرير و …. نمت !
دق جرس التليفـون … كانت خيوط الشمس قد تسللت عبر النافذة، وغطت الحجرة ..
ـ ألـــو ؟
كانت هى … ينساب صوتها السيمفونى عبر الهاتف فى رقة وعذوبة …
ـ صح النوم !
هكذا قالت بصوت فيه إعياء وتكاسل ..
ـ كم الساعة الآن .. ؟
سألتها ، فأجابت بسخرية …
ـ لقد بقينا الظهر … !
قلت وكأننى أبـرىء نفسى، وأدفع عنى تهمة التلـذذ والاستغراق فى النـوم
ـ لم أنم إلا بعد الفجر !
قالت وكأنها تشكو هما يجثم على صدرها …
ـ أنا لم أنم حتى الآن !
ـ لماذا لم تتصلى بى ؟
ـ خـخخـ … فت … أز … عـجك .
ضحكت وأنا أسمع صــوت تثاؤبها عبر الهاتف ، وضحكت هى الأخـــــرى عندما سمعتنى أنا الآخر أتثائب .. كان كلانا قد ارتاح لسماع صوت الآخـر والنار المتقدة بين الجوانح قد خمدت وإنطفأ أوارهـا .
ودعتها بعد أن ضربت لها موعـدا نتحدث فيه، بعد أن يكون كل منا قد أخذ قسطا من النوم، قائلا …
ـ تصبحين على خير .
فردت ….
ـ تصـ …بح ….. على …. خـخـخـخـ … !
وسمعت صوت ارتطام السماعة ، وهى تسقط من يدها !