سامح الجباس يكتب في مد الظل مجموعة آية طنطاوي
اذا كنت من محبى منطقة السيدة زينب , بشوارعها , بمحلاتها , بناسها , بأسواقها الشعبية , ببيوتها البسيطة , فقد جمعت لك الكاتبة الشابة آية طنطاوى هذا العالم بين صفحات كتاب صغير الحجم .. كبير القيمة !
أعادتنى قصص هذه المجموعة – وربما شخصياتها الجميلة – إلى أجمل وأفضل ما كتب يوسف السباعى من قصص فى رأيى وهى مجموعته ( بين أبو الريش وجنينة ناميش )
شخصيات هذه القصص ( حية / فقيرة / مهزومة تحاول ألا تبدو كذلك )
تلتقط الكاتبة آية طنطاوى ببراعة – لقطات من حياة الناس – لترسمها ظاهرياً وباطنياً بجاذبية ( مؤلمة )
فكل قصة تركت ( بصمة / مؤلمة ) فى وجدانى كقارىء .
تاخذ الكاتبة القارىء فى ( جولة ) فى حوارى وشوارع السيدة زينب , فتجد نفسك فى قصة ( عرى ) أمام سيدة فقيرة تحمل رضيعها وتمشى فى السوق فى حر أغسطس لتنفذ ” أمر ” زوجها بشراء قميص نوم أحمر قصير , هذه هى المهمة التي خرجت من أجلها مضحية بطلبات البيت الأهم , لكن كيف كان باطن هذه المرأة ؟ لنقرأ :
{ حارتها مكتظة بالرجال , ما ما أحد يلتفت لينظر لها , لم تعد تتذكر آخر مرة نظر فيها رجل إلى جسدها باعجاب أو شهوانية , تمشى كعسكرى فى جنازة ..}
وفى سطور قليلة تتسلل اليك آلام هذه المرأة :
{ متى كانت آخر مرة ثرثرت فيها مع صديقاتها ؟ متى أطلقت ضحكة رقيعة كتلك التي يتردد صداها فى أذنها ؟ لم تتذكر , شهور أم أعوام أم قرون . يبدو أن هذا الجسد الذى تستقر فيه بالخطأ يخص امرأة على شفير الموت …}
ماذا سيحدث لهذه المرأة ؟
ستعرف عندما تقرأ , لكنك – ومع أنها القصة الأولى فى المجموعة – لن تستطيع أن تنسى هذه المرأة التي لاتحمل اسماً .
• فى قصة ( رينجو ) يجلس شاب مع خطيبته على مقهى ظاظا فى شارع السلسلة , يحرق سيجارته السادسة عشرة وهو يقول لها :
{ أنا أحلم بالميكروباص , لا أريد هذه البدلة والعربية وربطات العنق التي تشنقنى بلا رحمة ..
أعاد سرد أحلامه لها من جديد , أن يترك محل الملابس الجاهزة الذى أضاف صفراً لراتبه ليصبح سائق ميكروباص . }
هذه قصة من صفحتين فقط ستغوص فيها فى قلب هذه الفتاة الصامتة , لكن انظر كيف انتهت هذه القصة ببراعة من الكاتبة :
{ قطع الطريق بخطوات واسعة , والشارع على يساره يمضى غارقاً فى الزحام , ضجيج السيارات وسرعة السير , الكل يمضى فى طريقه إلا هى , تجلس وتتأمل العالم من حولها , هى على جانب , والميكروباصات المتراصة على الجانب الآخر .. }
• فى قصة ( الصاعدون إلى الله ) استوقفتنى شخصية توحة التي ترسمها الكاتبة بهذه السطور المعبرة :
{ فى الصباح تتجول توحة فى شوارع الكبش , تأخذ العيش من أبو جمال الفران , والفول والبصل من عم على السجان . وتتسكع فى الشوارع إلى أن تصل لمتكئها المعتاد تحت شجرة كبيرة فى منتصف الكبش , تأكل فطورها وتراقب السماء العالية والبيوت المكشوفة بالأسفل , وعندما تفرغ من الطعام تغنى , الغناء عادتها , صوتها مشروخ ومزعج لكنها تحفظ الأناشيد والمواويل عن ظهر قلب , فزياراتها لم تنقطع عن الموالد والليالى الكبيرة , تمشى فى المسيرات وترقص فى الساحات , وتلعب مع الأطفال وتتربع عند الأضرحة , تبكى وتنتحب وتعود فى الليل تغمرها النشوة بعمر أصغر وحركة أخف ..}