أخبار عاجلةاقتصاد وبنوك

أ.د محمد البنا يكتب

لماذا تصمد الرأسمالية رغم أزماتها المالية المتلاحقة؟

أدى انهيار بنك وادي السيليكون في العاشر من مارس 2023 ( برأسمال 200 مليار دولار) إلى حدوث صدمة في الأسواق المالية العالمية، وهو ما يعد أكبر انهيار لبنك أمريكي منذ أزمة 2008، حيث تم الإعلان عن إغلاقه بعد أن عجز البنك عن تدبير العجز في ميزانيته ، وعجز عن سداد فوائد الودائع، نتيجة نقص السيولة مما دفع العملاء لسحب ودائعهم
وقد سبق ذلك انهيار بنك سيلفر جيت ( رأس ماله 11 مليار دولار) وأعقبه بنك وادي سيليكون ثم بنك سيجنيتشر في نيويورك في 12 مارس أي بعد يومين من إغلاق وادي سيلكون
أسباب انهيار البنوك الامريكية:
1- الزيادة القوية في أسعار الفائدة الفيدرالية، حيث تم رفع سعر الفائدة اعتبارا من مارس 2022 لمكافحة التضخم ، حتى وصلت في فبراير 2023 إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2007
2- يؤثر رفع سعر الفائدة سلبا على تكلفة السندات طويلة الأجل ( حيث يؤدي رفع سعر الفائدة ألى تخفيض أسعار السندات السوقية) ويصبح العائد عليها غير جذاب. وهذا ما حدث مع سيلكون فالي وبنك سيغنتشر، حيث يفضل المستثمرون في هذه الأحوال السندات قصيرة الأجل على الودائع
كيف استجابت الحكومة الأمريكية للأزمة
1- – تدخلت وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي وقامت بسداد مستحقات المودعين لدى البنكين، حيث سيتحملها صندوق تأمين الودائع ( التابع لمؤسسة التأمين الفيدرالي)
2- تم أنشاء تسهيل إقراض جديد ( برنامج التمويل لأجل البنك)بما يسمح للبنوك برهن سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري وغيرها
3- دعم البنوك المركزية العالمية للاحتياطي الفيدرالي في التصدي لأزمة السيولة الدولارية، والاضطرابات المالية العالمية
4- النظر في تغيير شكل رقابة الاحتياط الفيدرالي على البنوك متوسطة الحجم،( التي تتراوح رؤوس أموالها بين 100-250 مليار دولار) ودراسة امكانية رفع رأس مال البنوك وسيولتها
هذا هو ما يضمن استمرارية نجاح الرأسمالية كأفضل نظام اقتصادي تعرفه البشرية حتى اليوم، حيث يتعرض النظام بطبيعة الحال للمشاكل والعثرات بل والأزمات، لكنها على عكس الفكر الديالتيكي لهيجل، فإنه يمتلك في داخله عوامل البقاء وليس الهدم، وكما افترض ماركس أن الحل الأكثر فعالية للمشاكل التي تسببها الظواهر المتناقضة هو معالجة وإعادة ترتيب الأنظمة الإجتماعية من الجذور، وهو ما تفعله الرأسمالية حين تتعرض للأزمات ، لكن ليس إلى النفي وبناء نظام جديد، وإنما الرأسمالية في ثوب جديد.
تلك هي المرونة في التعامل مع المشاكل والقدرة على مواجهتها والعمل على تطوير سبل التغلب على الأزمات التي لا يمكن تجنبها وإن أمكن تقليل معدل حدوثها والحد من حدتها ووقف تفاقمها. وهي التي كفلت للنظام الرأسمالي أن يصمد في وجه أزمة عصفت بالاقتصاد العالمي واستمرت من 1929 – 1933 وانتصرت مباديء الحرية الاقتصادية وعادت الرأسمالية في ثوب جديد، سمح بدور أكبر للحكومة وسياسة مالية تعويضية حين تعجز أليات السوق عن رفع معدل الطلب الكلي وتحفيز الاستثمار الخاص ومن ثم انتشال الاقتصادات العالمية من هوة الكساد العظيم.
ان ما حدث من تحول فى الفكر الاقتصادي فى خضم أزمة الكساد العظيم يعتبر حدث جلل وخروج صريح عن قواعد اللعبة، وتحليل للمحرمات فاليد الخفية (والمقدسة) التي كانت تدير النظام الاقتصادي الرأسمالي وتضمن توافق المصالح الذاتية للمستهلكين والمنتجين وتدفع بالاقتصاد بشكل تلقائي ليس فقط نحو التوازن، ولكن نحو التوازن عند مستوى من التشغيل الكامل، اختفت للأبد وحل محلها يد ظاهرة تتمثل في المالية العامة المعوضة
وهو تحول عدل المسار لكنه ساعد فى الوصول إلى العلاج الذي بدونه لسقط فعلا النظام مع انهيار الاقتصادات التي كانت تئن فى انتظار معجزة من السماء ففي عام 1933، أسوأ أعوام الكساد العظيم، كان ناتج مختلف المصانع والمزارع والورش والمحلات ( الناتج المحلى الاجمالى) فى الولايات المتحدة نحو 70% مما كان عليه عام 1929، وكانت نسبة البطالة 25% وسادت حالة من البؤس الانسانى يصعب تصورها الآن، ومن ثم بلغ التشاؤم ذروته حول قدرة الأسواق مع العمل بكفاءة، واعتقد الكثيرون أن الملكية الخاصة والأسواق الحرة والمؤسسات السياسية الديمقراطية سوف تحتضر، مع عجز علم الاقتصاد عن تقديم حلول للكساد.
ومع الأزمة وتزايد حدتها على المستوى القومي بتراجع حاد فى الناتج والتشغيل وتزايد معدلات البطالة وانخفاض مستويات الأجور والأرباح، جاء الأمل مع أفكار الاقتصادي الأشهر اللورد جون ماينرد كينز وشجاعة الرئيس الامريكى الجديد (1933) روزفلت، حيث انكشف وهن اليد الخفية وترهل أدواتها وضعف الأمل فى شفاء قريب مما دفع كينز للقول إننا لو انتظرنا حتى يأتي الفرج فى الأجل الطويل فسنكون كلنا فى عداد الموتى، ونصح بعلاج مر عن طريق استحداث عجز فى الموازنة ودور فعال للحكومة ويد ظاهرة هي السياسة المالية التعويضية.

أ.د. محمد البنا أستاذ الاقتصاد والمالية العامة جامعة المنوفية

اقتصاد وبنوكأوبرا مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى