محمد فتحي المقداد يكتب التوظيف المعرفي في أنا نجمتك ل.. إنعام القرشي
المساحات المفرودة في الكتابات الروائيّة تتّسع لجميع الأجناس الأدبيّة والمعرفيّة، ويأخذ الكاتب مدايات واسعة يستطيع من خلالها التعبير عن آرائه ومعتقداته، وفلسفته لرؤاه وفق مسارات اختارها؛ لبسط آرائه ورسالته أمام القرّاء بمختلف انتماءاتهم، وبذلك سيجلس قُبالتهم وجهًا لوجه لإبلاغه بوجهات نظرهم المُنصبّة على النصّ المقروء سلبًا كانت أو إيجابًا. بعيدًا عن تأثّرهم بشخصيّة الكاتب سواء كانوا على قُربٍ ومعرفة به، أو هم على مسافات منه.
رواية “أنا نجمتك” المُستهدَفة بهذه القراءة، جهد لا يُستهان به استغرق وقتًا طويلًا من الروائيّة “إنعام القرشيّ”، حتّى استطاعت العودة من جديد للتجربة الدراسيّة، وإلى القاعات الدراسيّة الجامعيّة مع طلّاب مُستجدّين، مع ملاحظة الفارق العُمْريّ الفاصل بينها وبينهم.
وفي هذا الصّدد يحكي. أ. د – “محمد باسل الطائي”: (عرفتُ إنعام يوم اتّصلت بي للسّؤال عن مراجع موثوقة في علم الفلك، وعلمتُ منها: أنّها تنوي خطّ رواية عن علم الفلك في جوٍّ جامعيٍّ راقٍ؛ فأعطيتُها کتابي علم الفلك والتقاويم الذي يدرسهُ الطّلبة.
ثم قالت: أنا على استعداد أن آتي إلى “إربد”؛ لكي أحضُر معكَ بعض المحاضرات في جامعة اليرموك؛ لأعيش جوّ الرّواية كما هو في الواقع. فقلتُ: ربما تكونين محظوظة، لستِ بحاجة أن تأتي إلى “إربد” لهذا الغرض، فإنّني سأقوم بتدريس مساق لطلبة (جامعة الأميرة سميّة)، وهي في “عمّان” عن التُّراث العلميّ العربيّ والإسلاميّ، وفيها قدر كبير من علم الفلك؛ فرحتْ “إنعام” كثيرًا بذلك؛ فأعطيتُها مواعيد المحاضرات، وحضرتِ المساق كلّه تكتب الملاحظات، وتقرأ الكتاب، ثمّ واظبت على كتابة الرّواية، وخلال ذلك تواصلت معي بالأسئلة العلميّة التي ترد في خاطرها) .
بالطّبع ليس من السّهل على أيّ إنسان الإلمام وحيازة جميع معارف الدّنيا. إلّا بالسّؤال لأهل العلم المُختّصين في المجال المطروق، وهو ما سعت إليه “إنعام” لأخذ معرفتها حول علم الفلك، وما يدور حوله من منابعه الأساسيّة؛ لتستطيع الدُّخول بها إلى صفحات عملها الروائيّ الأوّل “أنا نجمتك”، الذي يعدُّ عملًا مُثقّفًا وازنًا بما قدّم من معرفة مَوّثوقةٍ مُوثَّقةٍ؛ لرفد قارئها بمعارف ربّما يُعجزِه البحث عنها في مضّانها الأصيلة.
وبهذا تُعبّر عن مُعاناتها في رحلتها الشّاقّة ما بين الكتابة والبحث: (تتعطّل الرّوح، وأغدو كطاردة الطّيور في كُرُومٍ تيبّست عُروقها، أحتارُ في أيّ اِتّجاه ألتفتُ إن أمطرتِ السّماء !.. رغم عُيوني الأربع)، وعلى هذا المنحى فالرّواية تناولت المجتمع الطلّابيّ وما به من علاقات علميّة، وروابط إنسانيّة (شباب وبنات) بتداخلاتها العاطفيّة وتحصيل العلم، ما بين أحلام يتعالى سقفها في عيونهم. عقولهم تتعبُ من أجل المستقبل، كما أنّ الرّواية جاءت على الشّكل التعليميّ الجامعيّ المليء بالجدّ والنّشاط والتنافس، تجلّت هذه الأمور على محمل سرديّة جادّة أرادت تقديم شيء جديد، ربّما يكون مطروقًا جزئيًّا في بعض من أعمال روائيّة سابقًا، بينما رواية “أنا نجمتك” من المُمكن وصفها بأنّها: رواية المرحلة الجامعيّة بامتياز، وتطرّقها لمشاكل الشباب والتعليم، والتحدّيات المُتسارعة في رِكاب العولمة التي اجتاحت المجتمعات البشريّة قاطبة، وانتهاك الخُصوصيّات والثوابت الدينيّة والقيَم الاجتماعيّة من عادات وتقاليد مُتورَاثة عبر الأجيال. لتطرح في النتيجة تساؤلًا مهمًّا أين نحن من هذه المُتغيّرات؟.
الرّواية ذات منحى علميّ تخصُّصي في مجال الكون والفلك، واجتماعيّة من خلال مجتمع الطّلبة المُصغّر بعلاقاته الدّاخليّة، والخارجية مع المجتمعات المُتعدّدة. وفي بدايتها حواريّة بسيطة على ألسنة الشّباب من الجِنسيْن حول الإيمان والإلحاد، الفكرتين المُتناقضتيْن توجّهًا وسبيلًا، ولا لقاء بينهما بأيّ وجه كان. وبتتبّع بعض العناوين الداخليّة للرّواية؛ تتّضح محاورها الرّئيسة الهادفة برسالتها التثقيفيّة، والتأكيد على دور العلم في نهضتنا من أجل المستقبل: (بطليموس والنظريّة الخاطئة/ الحياة على كوكب الأرض/ محمد وكوكب الزّهرة/ دعوة لكوكب المرّيخ/ حقائق علميّة غريبة/ الإسقاط النّجميّ).
تقول الكاتبة في (ص 163) رأيها المُؤلم بصراحته: (العرب تستهلك المعرفة، ولا تُنتجها، لذلك تفكيرنا عاطفيّ وغير منطقيّ، لذا نحن نُعتَبر مُتخلّفين عن ركب الحضارة والعلم التكنولوجيا، وإنتاج المعرفة بحاجة إلى تأمّل عميق، وهذا ما يفتقر إليه العقل العربيّ)، وفي اقتباسها لمقولة “شمس التبريزي”: (اتركوا طوفان الطّبيعة يحملني معه إلى آفاق بعيدة، كأوراق الخريف الصّفراء، فلا يبقى منّي أثر) ص263. وهل بهذا إشارة مُكمّلة للعبارة السّابقة بأنّنا كعرب ورقة صفراء انتهت دورة حياتها تتقاذفها الرّياح في كلّ اتجاه، وهي جزء من رسالة “إنعام القرشيّ”، وروايتها “أنا نجمتك” هي العمل الروائيّ الأوّل لها، ربّما اعتراه بعض الملاحظات بتقنيّات السّرد غير المُخلّة بتراتُبات الرّواية سرديًّا على محاور الزّمان والمكان والشخصيّات والحكاية القصصيّة، ولأنّها استطاعت إيصال رسالتها، وهي ثمرة جهد وتعب لا يُستهان به.
عمّان. الأردن
15/ 5/ 2023