الدكتور حمد النيل الفاضل دفع الله العلام.. صاحب “التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان” ..
زهرة أقحوان بيضاء تحت ضوء التعليم.
حوار أردنا به استدعاء الفرح في ظل حرب مخاتلة لا تغمض عينيها.
حوار : معاوية ماجد
سعينا في هذا الحوار مع المفكِّر التربوي والأكاديمي الدكتور حمد النيل الفاضل دفع الله العلام، والذي يعد واحداً من الأساتذة الأخيار الذين حسَّنو التدريب والتأهيل العلمي والتربوي في السودان، وفي سبيل الإستفادة من طرحه المائز، إلى معاينة واقع التعليم في السودان وطرائق تدريسه ومساعي تقويمها، لأنها الأدوات الفاعلة التي يُعوَّل عليها في استقامة الاعوجاج.
يمتاز الدكتور حمد النيل بخبرة أكاديمية كبيرة وتجربة عميقة في مجال التدريس، اكتسبها من خلال البحث والدراسة، والمواقع العمليَّة التي شغلها داخل وخارج السودان، بالإضافة إلى معايشته لواقع سياسي متقلب الرؤى والمحاور، وهو بعيداً عنه فكراً وولاء لأي من مكوناته.
هو سعي قاصد، معرفة الرجل من وراءه، ومستوياته الفكرية، الموصولة بالعلمية منها والثقافية والحياتية، وإنفاقه منها للإصلاح والإضافة، فالدكتور حمد النيل كان وما زال بالرغم من ظروفه الصحية التي أبعدته عن التواصل المباشر مع العالم الخارجي، ذا باعٍ جيد في ابتكار طرائق التدريس.
التواجد الروحي والفكري لمؤسسة التعليم العالي، في الإنتاج الفكري لهؤلاء الأخيار والدكتور حمد النيل واحد منهم، خطوة تزين الإنسانية في مؤسساتنا، والقرار “المرتجى” وهذه غاية مستحقة، بأن يكون كتابه “التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان” مادة تدرس لطلاب كليات التربية بالجامعات، (عندما يستقيم السودان على نهج الديمقراطية والتسامح المجتمعي). وهو تكريم له، وسوف (يكون) فعل حميد يحفظه التاريخ للوزارة و أصحاب الشأن في القرار.
وهو يستحق ذلك بكامل التمام.
الجلوس إلى رجل هادئ جدا في طبعه وسلوكه في التعامل مع الأشياء، ويجيد القراءة، و يمتلك مخزون ثقافي ضخم، يثري اللقاء ويعطي محاورته بعدًا ماتع في صورة تعكس علمه الواسع وإنتاجه الفكري وهمه المسافر بأجنحة حبه للوطن.
في حي الصبابي المتوسد شاطئ نهر النيل في وداعة وجمال من الناحية الشرقية والذي يعد واحد من الأحياء الراقية والعريقة في مدينة الخرطوم بحري، كان لقائي بالدكتور في رحاب منزله الفسيح بالكرم وجمال الاستقبال حيث طرحت له الفكرة وأتت موافقته سريعاً، وعلى الفور بدأت معه الحوار الذي امتد لأيام معدودات لظرفه الصحي، ومن ثم أتممت ما تبقى منه في مدينة القاهرة بحي المهندسين حيث استقر الدكتور بعد رحلة شاقة حفتها مشاعر من القلق والرهبة والفزع جراء واقع حرب لعينة اجتاحت السودان وما زالت تتواتر فظائع أحداثها التي تتصاعد في غبن بَيِّن وتصب في محيط هموم الإنسان السوداني.
أتى هذا الحديث عنه والحوار معه عن محطات جمعت ما بين التأمل والطموح في عالم الدراسات التربوية و رحاب الأدب.
فكانت إجاباته تشي بفكر رجل عرف بين زملائه وطلابه بأنه صاحب رؤى نقشت على جدار التعليم.
-القُرَّاء يريدون معرفة الدكتور حمد النيل، النشأة الأولى، المراحل الدراسية والعملية، مظلة الأسرة الكبيرة واحتواء الصغيرة والملامح التي أضافتها إلى شخصيته. كيف يقدِّم الدكتور نفسه؟
ولدتُ يتيماً قبل عامين من العقد الأربعين للقرن الماضي، بمدينة ود مدني، أبي رحمه الله الفاضل دفع الله العلام، أول طبيب عيون في السودان، تخرج في مدرسة كتشنر الطبية وهو أول سوداني ينال جائزتي الطب والجراحة من تلك المؤسسة. نشأت في مدينة رفاعة، وسط أسرة ممتدة بالخير والترابط الجميل، وفي كنف والدة سمحة الخصال وصاحبة رؤية مكتملة الأدوات في التربية، الوالدة الجميلة فاطمة دفع الله، رحمها الله، وظلل مسعاها في ذلك أيضا التبني الذي حظيت به من صديقا أبي، الوالدين الحبيبين، مكي عباس وحسين أحمد حسين، الأول كان مسؤول عن منهج تعليم الكبار في معهد بخت الرضا، والثاني كان دفعة والدي. “بخت الرضا” قرية تقع بالقرب من مدينة الدويم، وقد تم إنشاء ذلك المعهد في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان يمثل مركز إشعاع للمنطقة والسودان عامة، وبه درست الكُتّاب وحفظت أجزاء عديدة من القرآن الكريم، الأمر الذي فتح مداركي على إضاءات التعليم والتحصيل، وتوسعت مداركي أكثر عندما استرعى انتباهي وأنا في ذلك السن وجود مكتبة ضخمة في البيت الذي كان يسكنان فيه والدي الحبيبان اللذان تبنياني، وكانت تضم درر وجواهر من مختلف العلوم، وكانا نهمين جداً في القراءة وتوسيع دائرة معرفتهم، ودائما ما كانا في حالة نقاش وحوار حول كتاب ما، قَرَآه مع بعض، وأنا في حالة مشاهدة ومتابعة للأمر بإعجاب مختلف، لذلك مثلت لي تلك الفترة قفزة في النور، استفدت منها كثير في مستقبل حياتي. فيما يخص مرحلتي الأولية والوسطى فقد تلقيت دراستي لهما بمدينة رفاعة، أما المرحلة الثانوية فكانت بمدرسة حنتوب، أتممتها ودخلت من بعدها جامعة الخرطوم كلية الآداب.
فيما يخص مرحلة الدراسة الوسطى، أذكر من أساتذتي الأجلاء، الطيب صالح الأديب الأَرِيب المعروف وكان وقتها مدرسا للغة العربية، ومن زملاء الدراسة إبراهيم الزين صغيرون، والذي أصبح فيما بعد كاتب وأستاذ جامعي، وهو صاحب “لمحات تاريخية عن انتشار الإسلام في أوغندا”.
ومن الزملاء أيضا الحاتم عبد الرحمن، والذي صار فيما بعد، خبيراً بالأمم المتحدة، واذكر أيضا النور عثمان أبكر الشاعر المعروف صاحب ديواني: “صحو الكلمات المنسية”، و”غناء للعشب والزهرة”, وقد امتدت علاقتي به إلى علاقة أسرية لاننا عملنا معا في دولة قطر.
تخرجت في جامعة الخرطوم في العام ١٩٦١م، وعدت مرة أخرى إلى مدرسة حنتوب شاغلا لوظيفة معلما للغة الإنجليزية، وقد تم اختياري من وسط كوكبة من الأساتذة البريطانيين لشغل رئاسة شعبة الإنجليزي، وكنت أول سوداني يشغل ذلك المنصب. في تلك الفترة تفتحت قريحتي للكتابة، بدأت بكتابة مقالاتي الأدبية، وجاءت أولاها موسومة ” الهادي آدم .. كوخ الأشواق” تلتها أخرى عن مبارك حسن خليفة وثالثة موسومة “الطيب عبد الله .. أصداء النيل” ورابعة عن القاص يوسف إدريس وهو والد السفير أحمد يوسف مصطفى التني، وقد نشرت تلك المقالات تباعاً في الصفحة الأدبية بجريدة الراية والتي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت الأستاذ (محمد بقادي)، وتم ذلك الأمر بواسطة الأستاذ جمال عبد الملك. ومن أعمالي الأدبية مسرحية ” الملك بادي” وهي مسرحية تاريخية سياسية، وعرضت على خشبة المسرح المدرسي، وأدى فيها دور الملك بادي وقتها التلميذ محمد عبد الله عويضة، والذي صار فيما بعد ضابطا وتدرج في الخدمة إلى أن تقاعد فريق أول معاش وكان متحدثا باسم القوات المسلحة رحمه الله، وقام بدور شقيق “الملك بادي” المتمرد “أونسا” تلميذي وقتها الشيخ مصطفى على الملقب ب” الراجحي”, والذي صار أيضا فيما بعد ضابطا وتدرج في الخدمة إلى أن تقاعد برتبة لواء معاش، والآخر الذي شارك في المسرحية التلميذ يحي الحاج إبراهيم، الذي تخرج مستقبلاً في المعهد العالي للموسيقى و المسرح، وقد شغل منصب المشرف العام للمسرح في دولة الإمارات، ونال جائزة أحسن مواطن أجنبي في دولة الإمارات وقتها. العمل الأدبي الآخر لي كان مسرحية ” الصخور” وهي اجتماعية. وقد قام بدور البطولة فيها التلميذ وقتها محمد أحمد سالم الذي صار فيما بعد قانوني يحمل درجة الدكتوراه في القانون الدستوري.
تم انتدابي إلى بريطانيا لنيل درجة الدبلوم ” في طرائق تدريس اللغة الإنجليزية، و(دبلوم تعليم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية من جامعة ويلز بإنجلترا وكان ذلك في العام ١٩٦٤.
وبعد ثلاثة سنوات من نيل درجة الدبلوم، أخذت منحة لنيل درجة الماجستير من جامعة لندن ويرجع الفضل في ذلك إلى المجلس البريطاني. وحتى يتم قبولي كان لا بد من تعديل درجة الدبلوم، وقد ساعدني في ذلك الرجل الإنسان الأكاديمي المرحوم توفيق احمد سليمان.
وفي هذه الفترة تزوجت من السيدة الفاضلة زينب إسماعيل أبوبكر خاطر (وهي بالمناسبة شغلت وظيفة بإدارة الترجمة والإعلام بسفارة دولة قطر في الخرطوم، ومن ثم انتقلت الي دولة قطر بذات الوظيفة ولكن في مؤسسة قطر السلكية واللاسلكية “كيوتل” والتي صارت فيما بعد “أوريدو”، ومن زملائها كان الإعلامي المعروف الأستاذ جعفر عباس الذي امتدت العلاقة معه إلى أسرية وما زالت، ومن هنا ابعث له التحية والسلام). هذه الإنسانة المختلفة بكامل الجمال والحب، كانت ومازالت ريحانة مشواري في الحياة، ومنها جاءت ذريتي الصالحة بإذن الله، إثنين من الأبناء، وهما دكتور طبيب جراح الفاضل وهو مقيم في دولة قطر مع أسرته ويشغل وظيفة مستشار في مستشفى حمد سابقا، والآن بنفس الوظيفة في مستشفى الوكرة ، الآخر دكتور طبيب مكي وهو مقيم في أمريكا بولاية كارولاينا الشمالية مع أسرته، واثنتين من البنات، الأولى نضار أخصائية اجتماعية وهي مقيمة مع زوجها وتعمل في بريطانيا بمدينة لندن، أما آخر العنقود فهي فاطمة، طالبة دراسات عليا في الأدب الإنجليزي بجامعة أم درمان الإسلامية.
أسرتي الصغيرة هي أنشودة حياتي التي ترسم البسمة على ملامحي دوماً، أسأل الله العلي العظيم أن يحفظهم جميعاً.
واصلت دراستي العليا و نلت درجة الدكتوراه في جامعة لندن (كانت أطروحة الدكتوراه في تدريس اللغة الانجليزية)…
الخطوة الثانية من مشواري العملي كانت جامعة الخرطوم، حيث عملت أستاذ بكلية التربية في السبعينات للقرن الماضي. وبعدها هاجرت إلى خارج السودان في العام ١٩٨١ “الهجرة لم تكن في حسباني لأنني كنت أمني النفس بالإستمرار في خدمة تدريس اللغة الإنجليزية بمؤسسات بلدي السودان، ولكن فوجئت بنقلي إلى مدرسة “”مدني الصناعية” فكان ذلك الإجراء الإداري نقطة تحول في حياتي.
هاجرت إلى دولة قطر حيث عملت أستاذ في جامعة قطر كلية التربية حتى ١٩٩٨وبعدها انتقلت إلى العمل بمدارس الفرقان الخاصة في وظيفة مدير مكتب التطوير والتدريس بدعوة كريمة من صاحب المدرسة. والذي اطلع على كتابي ” التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان” بواسطة أحد طلابي في كلية التربية، وهو “شافي الهجري” مواطن قطري، والذي صار مدرسا فيما بعد بكلية الشريعة، وقد درس في جامعة أم درمان الإسلامية كلية الشريعة ونال درجة الدكتوراه من جامعة ماليزيا، وقد امتدت علاقتي به وصارت أسرية والى الآن في اتصال مستمر معي، من هنا ابعث له السلام والأشواق.
عملي في مدرسة الفرقان قد مكنني من تطبيق نموذج ” التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان”، وكان نقلة نوعية للمدرسة بين رصيفاتها، وقفزة فخر سعدت بها كثيراً.
استمريت في العمل معهما إلى أن تقاعدت.
– ممتاز.. إذن كتابك الذي جاء تحت عنوان ” التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان”أردت به محو فقر طرائق التدريس ورسم آفاقا للمستقبل، من خلال الأخذ بيد المعلم وتنوير فكره والتعاطي الجيد مع عملية التدريس، هل يمكنك رجاء أن ترفق إيضاح لما جاء فيه على صفحة القارئ؟
الدراسة والقراءة في مجالات الدراسات التربوية، والتي اكملتها بالعمل، هي التي حفَّزتني لإعداد هذا الكتاب، والذي صَبَبْتُ فيه خبرتي الدراسية والعملية في طرائق التدريس، وقد وَصَّلْتُ إلى وضع تمام صيغته النهاية خلال ما يقرب من العشرين سنة بولاء من العمل الموصول بالمراجعة والإضافة والتجويد، وهو يعد في تقديري وكل من اطلع عليه من الخبراء، بأنه نبراساً هادياً للأساتذة لأداء مهامهم، ولطلاب كليات التربية لتجويد دراستهم المتخصصة في التدريس.
– اذن يا دكتور ما هو الفرق بين التدريس الفعال، والتعليم الفعال في محيط المعرفة، هل يمكنك إيجازًا تبيانه؟
قد لاحظت وكما يعلم الكثيرون بأن هنالك خلط بين المعنى الصحيح الفارق بين الإلمام المعرفي والإحاطة العلمية. فالعلم هو المعرفة المتجلية في حقيقة الأشياء والوصول إليه من خلال منصة التدريس هو عملية تشاركية تفاعلية بنائية، بين المعلم والمتعلم، مخطط لها، وسلسلة منظّمة، بقصد تحقيق أهداف محددة، ومخرجات تعليمية تستهدف إحداث مظاهر مختلفة للتربية والتحصيل، أما التعليم يمكن أن نطلق عليه بأنه عملية مقصودة ومخطّطة، يقوم بها المعلم وهدفها أن يكتسب المتعلم معرفة أو مهارة يستفيد منها عند الحاجة.
إذن الفرق أو يمكن أن نطلق عليه وجه الشبه ما بين التدريس والتعليم هو التفاعل الإيجابي بين المعلم والمتعلم المؤدي في النهاية إلى رفع كفاءة المتعلم، وبالتالي معرفته الكاملة والمحيطات بالأشياء، وهو كسب مشترك.
– الدراسة بالخارج قد اكسبتك نُضجاً بلغت به أسباب التفكير في وضع تجربتك بين دفتي كتاب هو الأول من نوعه من حيث التناول لجديد الفكرة وطرحها.
هل وجدت جدار التعليم بالسودان أوسع منك عندما مددت يدك لتحيط به عبر هذه التجربة السامقة التي وثقتها في كتابك، أم أن هناك أيد خفية من “غير أولي الحس”، عبثت بمشروعك المائز؟
لا لم أجده كذلك، ودعني أذكر لك وانا استدعي ذاكرتي إلى بدايات بخت الرضا، بأن مستر سكت “Scot” المسؤول وقتها عن تدريب المعلمين هو الذي طرح ” خطة الدرس” والتي تعني تحرير المادة الدراسية، ومازالت مستعملة في السودان إلى الآن، وهو اتي بها من القرن السابع عشر، لأن مستر هير فريديك الألماني الجنسية هو الذي طرح “خطة الدرس” وكان ذلك في العام ١٨٠٠، وهي مكونة من خمسة خطوات، وقد أشرت إليها في كتابي
وتعرف خطة الدرس الآن ب “Herbertion lesson plan”، وقد دخلت أمريكا في العام ١٩١٠.
بالرجوع إلى مدخل سؤالك عن أثر الدارسة بالخارج على توافر أسباب المسعى، اقول نعم، وأضيف إليها تجربتين، دراستي وعملي بالسودان ورؤيتي لواقع التعليم، وتجربة العمل بالخارج، و من تلك التجارب امتلكت خبرة تراكمية وفرت لي الأسباب لوضع هذا الكتاب.
بالنسبة لخاتمة سؤالك، أقول نعم، دائما هناك أيد خفية تعبث بالأشياء في ظلام المؤامرات، وهذه هي الحياة في كافة ضروبها، لكنني واثق بأن مشروعي هذا سوف يتم تقيمه عبر دراسة نقدية دقيقة في يوم ما وتصل به إلى تمام معرفة ما جاء فيه وبالتالي يجد طريقه إلى مؤسسات التعليم في الوطن.
– الكاتب البريطاني سي اس لِويس C.S. Lewis، قال في حزمة متكاملة الإضاءة “مهمة المعلم أن يزرع الصحراء، لا أن يقتلع الحشائش الضارة من الحقول”
هل المعلم في السودان وصل إلى تمام إنجاز المهمة، أم هي وظيفة فقط، يفرغ من خلالها و بها المادة على الطاولة خاصته، أمام الطلاب، لينال الجزاء المادي الشهري؟
المعلم في السودان مميز بالأخلاق والإخلاص، ولكن ينقصه في الغالب أمران، أولهما الحياة الكريمة الملبية لاحتياجاته الحياتية المعيشية، وثانيهما الدورات التدريبية المساعدة على تجويد الأداء واكتساب المهارات التي تمكنه من إتمام مهمته التي ترفع من كفاءة المتعلم.
لذلك إذا ما تم النقصان، سوف يزرع جميع الصحاري، ويصل إلى تمام إنجاز المهمة.
– في فترة العمل التي قضيتها في دولة قطر كنت متأملا من هناك لحقل التعليم والآفاق التعليمية بالمؤسسات، المنعطفات التي مرت بها والمآلات التي ركنت إليها، ماذا تقول في ذلك؟
أجبت عن ذلك بصورة علمية عملية في كتابي “التدريس الفعال المؤدي إلى الإتقان”، وأتمنى أن يكون إسهاما إيجابيا، يدفع بالعملية التعليمية إلى الأحسن بجانب جهود الأساتذة الأخيار، ويحفز أخريين لخوض التجربة. وأختم بأن(في دولة قطر توجد حرية أكاديمية واسعة).
– التأمل والقراءة ومراجعة المواقف، لما حدث لك في إحدى مؤتمرات التعليم التي أقيمت في عهد الإنقاذ بالخرطوم، ودعيت لها بواسطة السفارة السودانية لدى دولة قطر، وأنت مقيم هنالك حيث عملك.
قبلت الدعوة و وصلت إلى السودان على نفقتك الخاصة، لانك تحمل هم التعليم، وقد أعددت ورقة للمشاركة في ذلك المؤتمر، لكن تم إقصاؤك، هل الإقصاء له خلفية بعدم انتماءك السياسي؟ أم أن هناك أمر آخر؟
ماذا تقول في ذلك؟
تلك كانت قضية مهمة ينبغي أن تُقْرَأ في مسار حركة تربوية، سياسية، وللأسف فإن القراءات ليست كثيرة في السودان، لا يَقرَأ الناس التجارب ولا يراجعونها، وأنا لست أدري ما الذي حدث وقتها ويحدث إلى الآن، فالطاقة الفكرية “التنفيذية” في السودان كان ينبغي أن تستفيد من هذه التجارب المهاجرة بغض النظر عن التوجهات السياسية الفكرية الفاعلة أو التي ركنت إلى نفسها ، وبالتالي يتكون لدينا أكثر من حل للمشاكل التي نواجهها في كافة المجالات.
في الخارج وجدت اهتماماً منقطع النظير من المؤسسات الفاعلة في شأن التربية وأصحاب التخصص فيها. أولئك الناس لا ينظرون إلى الجنسية وتوجهات صاحبها، إنما إلى الفعل الإيجابي الذي يخدم مصلحة بلادهم العليا، وهي صفة كنت أتمني أن يتصف بها أولو الأمر في بلادي.
– “إن النظرية رمادية ولكن شجرة الحياة خضراء أبداً”. أو كما قال جوته.
هل كنت حالم، وأنت تأمل بأن يرى مشروعك النور على أرض الواقع في حقل التعليم الشائك بالسودان؟
دائما الحلم يكون بداية لأي فكرة مشروع أو تنفيذه على الوجه المخطط له، وشجرة الحياة فعلا خضراء كما قال جوته، وبها دروب يحفها الأخيار، أصحاب الهم الفاعل للإصلاح ورفعة شأن الوطن في كافة المجالات، وعليهم يكون المتكئ دائما وأبدا، ومن قبلهم جميعاً الثقة المطلقة في الله -سبحانه وتعالى-.
– الآن السوشيال ميديا “Social media” صارت مدخلا للتعليم في شتى المجالات، ومنها خرجت فكرة التعليم عن بعد “Distance education” لتواجه الفكرة القديمة المتواصلة في كيفية طرائق التدريس، ما هو رأيكم في هذه الفكرة مع الأخذ في الاعتبار بأن هذا الواقع الجديد سوف يتمدد في المستقبل القريب؟
مآلها إلى الفشل.. إلا إذا مضينا بها إلى
التعاون المطلوب و(الفاعل) بين الطالب والمعلم والطالب والطالب.
– هل تعتقد بأن هناك آخرين، رأوا الدكتور متآمراً، على مناهج طرق التدريس الخاصة بالوزارة، فعملوا على حفر الطريق المؤدي إليك، أم هي الشخصية الأخرى الرافضة في داخل كل إداري، لا يريد أن تخطف منه الأضواء؟
الحياة مليئة بدروب الظلام وشاغليها من غير الأخيار، لذلك دائما التجارب المختلفة بالضياء تجهر أعين بعض من شاغلي المناصب التنفيذية وتعري وجودهم غير الفاعل، وهنا تجحظ الأعين ويشتغل الفكر الأسود ظنا منهم بأنهم يحاولون صد كل دخيل غير مرغوب فيه ومهدد لوجودهم الوظيفي، والحالات والأمثلة كثر. لكن من تكون مصلحة الوطن العليا هي همه الشاغل، سوف يرحب بكل جديد يصب في ذلك الإتجاه، ويجمل مكانته الوظيفية بتعامله الإيجابي معه.
– من خلال الأفكار التي قدمتها في هذا الكتاب، نستطيع أن نقول بأن دكتور حمد النيل شخص لا تبرد عاطفته تجاه التعليم بالسودان وقضاياه المتشعبة.
هل من جولة جديدة لديك، في ذات الطريق، أم أن ظرفك الصحي، أسدل الستار على مصادمات الدكتور الفكرية العلمية “الناعمة”؟
الجولات كثر والميدان فسيح للركض نحو الجمال والمعرفة، لكنه يحتاج إلى الصحة والقوة البدنية.
أسأل الله العلي القدير العافية لي وللجميع.
– دكتور حمد النيل العالم اليوم يعيش في صراعات متباينة في الأسباب والتوجهات، كأنما هناك جهة تعيد في صياغة أفكار ورؤى جديدة ورسم خارطة لعالم آخر. والسودان ليس ببعيد عن ذلك الأمر، وما يدور فيه الآن من حرب لعينة، تفضح سيناريوهات الأشرار التي أعدت لذلك.
في روايته “قلب الظلام” وصف الكاتب الانجليزي جوزيف كونراد في ملمح عنصري بغيض الأفارقة بأنهم ” كلاب تقف على قوائمها الخلفية”..! ماذا تقول في ذلك؟
تغييب الوعي الفكري لضعاف النفوس من قبل الأشرار بالمال والملذات الزائلة و استخدامهم كأدوات لتنفيذ مخططاتهم، هو سعي متواتر من الأزل ويقابله في ذلك دفع الاخيار له، وهذه سنة الحياة الدنيا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً.
إلى فكر كونراد الذي جاء في تلك الجملة الغير لائقة بالأدب أقول: أفريقيا هي أصل الانسانية، بشرا و موارد.
كلمة أخيرة للقارئ، ووصية خير للمعلم؟
اشكر القارئ جزيل الشكر على الإحتمال والقراءة، وأتمنى أن يكون ما جاء في هذا اللقاء أجاب على الأسئلة، في طرح قد أفاد القارئ منه وقرأ المستقبل، و وصيتي لأبنائي المعلمين .. عليكم بالقراءة دوماً وحب الوطن، وحب الأهل فهي منجيات لتطوير النفس والفكر، الأمر الذي يؤدي في النهاية الموصولة بالبداية المتجددة إلى الإتقان في جميع المهام. وأتمنى أن تُلهم تجربتي سعيكم لجولة جديدة من العمل والتفاعل.
شكراً جداً لك مهندس معاوية ماجد، على هذا اللقاء الذي لملم الذكريات، وفتح باب الحنين إلى الماضي بكامل الجمال، و أوصلني إلى القراء وأصحاب القرار في حالة من التواصل الروحي والفكري، أسعدني كثيرا، واتمنى أن تنتهي هذه الحرب اللعينة على سلام مستدام بحياة كريمة من الاطمئنان والسعادة للجميع على أرض الوطن التي تسع الجميع بكامل اختلافاتهم الفكرية والعقدية والاجتماعية. وفي ذلك أقول للسياسيين بمختلف مشاربهم والعسكريين الوطن وإنسانه أمانة في أعناقكم، انبذوا الخلافات والمصالح الشخصية وليكن الحفاظ على الوطن همكم الأوحد.