أخبار عاجلةدراسات ومقالات

د. حسين عبد البصير يكتب عظمة ملكات مصر القديمة

سيدة الحضارة المصرية

كانت المرأة مقدسة ومكرمة ومحترمة المقام للغاية في مصر القديمة. لولا المرأة المصرية القديمة، ما كانت مصر القديمة؛ فالمرأة المصرية هي رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى رجال مصر العظام. وسبقت مصر العالم في احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة. وتمتعت المرأة في مصر القديمة بمكانة عالية وحظيت بحقوق كثيرة لم تحظِ بها مثيلاتها في العالم القديم، بل في العصر الحديث إلا منذ فترة قريبة. وكان دور المرأة في مصر القديمة كبيرًا ومهمًا للغاية؛ وكانت مساوية للرجل، ومشاركة له في الحياة، وملازمة له في العالم الآخر.

لقد كانت المرأة المصرية القديمة هي سيدة مجتمعها. ووصلت لأعلى درجات التقدير فيه. وكانت خير رفيق للرجل في الدنيا والآخرة. وتميزت بالسبق والإبداع والتميز في مجالات عدة. وحملت العديد من الألقاب سواء في البيت أو في القصر أو المعبد أو في المجتمع. وشجع المجتمع المصري القديم على الزواج ونصح الحكماء بالإقدام عليه في سن مبكرة. وكانت المرأة المصرية القديمة سيدة في بيتها. وتنوعت أدوارها في مجتمعها منذ بداية الحضارة المصرية القديمة. وحملت من الألقاب ما يدل على ذلك مثل لقب “نِبت بر” أي “سيدة البيت”؛ مما يدل على عظم المكانة والتقدير الذي حظيت به في بيت زوجها. فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها في عمله مثل العمل في الحقل وأعمال الزراعة وعمل السلال والحصر وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وتجهيز العجين وخبز الخبز والفطائر في الفرن وصناعة الجعة وورش النسيج. وكانت تعمل كمربية للأبناء والبنات في بيوت كبار رجال الدولة والملوك. وكانت أيضًا تعمل في المعابد. وكان البعض منهن يجيدن القراءة والكتابة والحساب.

جمال وعظمة ورشاقة المرأة المصرية القديمة.

عظمة ملكات مصر القديمة

منذ عصر مبكر حكمت المرأة المصرية القديمة البلاد بانفراد مما يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر مثل الرجال. وكان إسهامها في ذلك لا يقل عن إسهام الرجل. وكان دور بنات الملوك مهمًا وحلقة وصل في سلسلة تتابع الملوك على العرش؛ نظرًا لما يجري في عروقهن من دم ملكي، وكان لمن يتزوجهن الحق في أن يصبح حاكمًا على مصر. ويوضح ذلك دور الملكات المصريات الرائد وعظمتهن في انتقال الحكم، وفي تكوين ملوك مصر العظام.

كان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل. وتعد هذه الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث في هذا السياق. وكان دور النساء مهمًا في الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد. وقد تردد العالم الحديث في اتباع نظام وصاية النساء على العروش. وتم اتباعه في مصر القديمة؛ نظرًا لأن الأم هي الشخص الأكثر ولاءً ووفاءً وإخلاصًا لابنها الملك الطفل؛ فضلاً عن كونها تنتمي بالدم للعائلة المالكة، وأيضًا كانت متدربة على تحمل مسؤوليتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل حتى يشب عن الطوق. وكانت الأمهات، في أغلب الأحوال، اللائي يقمن بهذا الدور المجيد حين يرحل الزوج فجأة. وهذه السنة الحسنة سوف يسير عليها العالم بعد ذلك وتصبح من أدبيات وآليات انتقال الحكم في دنيا الحكم والسياسة.

 كانت علاقة المرأة قوية وقائمة على الحب مع زوجها وكانت محل تقدير أبنائها. وصُورت المرأة واقفة إلى جوار زوجها في حجم مقارب لحجمه. وتطوق جسده بذارعها، وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس بيدها اليسرى ذراعه الأيسر في حنان وحب واضحين. ويحمل هذا التصوير الفني مغزى حضاريًا معاصرًا يعبر عن قمة الحب والتراحم والحنان والتواصل بين الرجل والمرأة في المجتمع المصري القديم. ويمثل الزوج في صورة إنسانية كزوج محب لزوجته وشريكة كفاحه.

الملكة الجميلة نفرتيتي.

شاركت المرأة المصرية في الدفاع عن الوطن مما يوضح عظمة الدور الذي من الممكن أن تقوم به النساء في تحرير الأوطان وشحذ همم الرجال من الأبطال كي يعيدوا لمصر كرامتها وعزها. وكان للملكة المناضلة “تِتي-شيري” دور كبير في تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول الذي حرَّر مصر من احتلال الهكسوس وطاردهم إلى خارج الحدود المصرية إلى جنوب فلسطين. وفي هذا ما يوضح عظم دور ملكات مصر العظيمات في الدفاع عن أرض مصر الخالدة، وتنشئة الملوك الأبطال الجديرين بحكم مصر. وساهمت أمه الملكة إياح حتب الأولى في تسيير الفرق العسكرية، ولعبت دورًا كبيرًا في الدفاع عن العاصمة طيبة، وحمت مصر واعتنت بها وبالجنود، وقامت بأداء الشعائر، وجمعت الهاربين وأعادت الفارين، وأنزلت السلام والسكينة على مصر العليا، وطردت المتمردين. وعُثر ضمن آثارها على عدد كبير من الآثار العسكرية مثل فأس يدوية وخنجر وأنواط عسكرية على شكل قلادات الذبابات الذهبية مما يؤكد على عظم دورها العسكري الفريد. 

 حملت الملكة أحمس-نفرتاري اللقب الديني الكاهنة الثانية للإله آمون. ومن خلال هذا اللقب منحها زوجها أحمس الأول وأبناؤها العديد من الأوقاف للأبد، وكذلك منحها اللقب الديني الجديد “الزوجة الإلهية للإله آمون” وجلب لها الكثير من الثروات. وهو من الألقاب الجديدة التي ارتبطت فيها نساء البيت المالك بعبادة الإله. ويعد لقب الزوجة الإلهية للإله آمون لقبًا كهنوتيًا ليس إلا، ولم تكن حاملة هذا اللقب زوجة فعلية للإله. ومن خلال هذه الثروات الطائلة التي خُصصت لتلك الملكة المعشوقة من زوجها الفرعون، صار ممكنًا لهذه الملكة القيام بالعديد من الطقوس وتقديم القرابين، وصار اسمها منقوشًا في عدد كبير من المعابد.

الملك تحتمس الثالث العظيم.

نظرًا لأن تحتمس الثالث كان طفلاً، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه؛ لأنها ليست من الدم الملكي، قامت المرأة الطموح والقوية الملكة حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها في النصوص وتصويرها في المناظر في هيئة الملوك من الرجال. وكانت الملكة حتشبسوت عظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التي هزت الدنيا وغيرت الرياح في اتجاهها، وجعلت الجميع يحنون إجلالاً وتعظيمًا لتلك المرأة التي خبلت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث في فترة حكمها اللافت في تاريخ مصر القديمة قاطبة. ولم يكن هناك مثيل لقدرتها الكبيرة على إدارة حكم البلاد.

تعد المرأة الذكية وصاحبة الشخصية القوية الملكة “تي” هي الزوجة العظمى لفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث.

الملك الشمس الملك أمنحتب الثالث العظيم.

الملكة تي القوية

لعبت الملكة تي دورًا كبيرًا في حياة وحكم زوجها وأنجبت له وريثه وولى عهده الملك أمنحتب الرابع أو الملك أخناتون بعد ذلك. وفي العقيدة الدينية والملكية لفترة حكم زوجها، اعتبرت الملكة تي إلهة السماء الأم.

تشير الآثار من عهد أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته تي طوال فترة حكم زوجها؛ فعثرنا على عدد كبير من التماثيل في أحجام ومواد مختلفة تصورها مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده في كثير من طقوس العبادة، وتشاركه كذلك في الاحتفالات خصوصًا الاحتفال الخاص بعيد جلوسه على عرش مصر. ووصف أحد النصوص الملكة تي بأنها ترافق الملك أمنحتب الثالث مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع. وأقام الملك بحيرة للراحة والاستجمام في بركة هابو في غرب مدينة الأقصر حبًا لزوجته الغالية قوية الشخصية وصاحبة الحضور الطاغي الملكة الذكية تي. وفي رسائل العمارنة، نرى حكام الشرق الأدنى القديم العظام يتوددون للملكة ويطلبون توسطها لدى أمنحتب الثالث وولدها أخناتون؛ نظرًا لأهمية دورها وعظم قدرها في البلاط عند زوجها وابنها.

الملكة الجميلة نفرتيتي

فاقت قوة المرأة الجميلة الملكة نفرتيتي قوة الرجال، وشاركت في أمور الحكم، وكانت ذات دور كبير في تحريك السياسة وتوجيه دفة الحكم في عهد زوجها فرعون التوحيد الملك الفيلسوف أخناتون. وربما حكمت نفرتيتي بعد وفاة زوجها الملك أخناتون البلاد وجلست على عرش الفراعنة وقبل أن يصل كرسي الحكم بعد ذلك بفترة إلى الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون.

جميلة الجميلات الملكة نفرتاري زوجة نجم الأرض الملك الأشهر رمسيس الثاني.

جميلة الجميلات الملكة نفرتاري

كانت جميلة الجميلات نفرتاري ملكة قوية ومؤثرة بقوة في عهد زوجها نجم الأرض الملك رمسيس الثاني ملك الملوك. ولعبت دورًا كبيرًا في الشؤون الدبلوماسية في الدولة المصرية العريقة؛ نظرًا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت مصر بمهاراتها الكبيرة وزوجها، فضلًا عن حبها لزوجها الملك مما جعل من قصة حب رمسيس الثاني ونفرتاري أعظم قصص الحب وأخلد حكايات العشاق التي خلدها الإنسان في الحجر والفن قبل أن يخلدها البشر في فنون الأدب والقول.

نجم الأرض وملك الملوك الملك الأشهر الملك رمسيس الثاني.

كان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثاني لزوجته المحبوبة نفرتاري هو تصويرها معه في معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل معبدها إلى جوار معبده الشهير في “أبو سمبل”. وتم السماح لبعض الملكات بتشييد مقابر ملكية بين مقابر الملوك الخالدين من حكام مصر تكريمًا وتقديرًا لهن. وأمر رمسيس الثاني بإنشاء مقبرة رائعة لها في وادي الملكات هي الأجمل بين مقابر الوادي الجميل.

جمال وسحر المصريات الجميلات سيدات مصر القديمة.

من خلال دراسة أحوال المرأة في مصر القديمة، يمكننا أن نتعرف على تاريخ مصر القديمة وأحداثها السياسية المثيرة ودور المرأة المصرية القديمة المهم والمؤثر بقوة في مجتمع خصوصًا في عالم الملكية المصرية المقدسة. ويتضح لنا أهمية دور المرأة في مصر القديمة وانفتاح المجتمع المصري القديم وتقلد المرأة المصرية العظيمة فيه حكم مصر العظيمة وتحقيق إنجازات لا تقل عظمة عما أنجزه ملوك مصر العظام من الرجال. هذه مصر العظيمة. وهذه هي المرأة المصرية العظيمة ابنة مصر العظيمة، مبدعة الحضارة وفجر الضمير ونور العالم وسحر الكون.  حكمت المرأة المصرية القديمة العالم وأثبتت جدارة سواء إلى جوار أزواجهن ملوك مصر العظام أو كوصيات على عروش الملوك صغار السن أو حين تولين حكم مصر العظيمات كملكات منفردات.

لقد كانت المرأة في مصر القديمة هي سيدة المجتمع المصري القديم بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وحصلت على ما حصلت عليه المرأة في العالم المعاصر من زمن بعيد قبل. ولقد ملكت النساء في مصر القديمة قلوب أزواجهن. إن عالم المرأة في مصر القديمة عالم مثير يمتزج فيه الحب بالتقدير والمحبة والاحترام والتعاون. من خلال دراسة أحوال المرأة في مصر القديمة، نستطيع أن نعرف عظم قدر المرأة في مصر القديمة، صاحب أعظم حضارة في العالم القديم، وكذلك نسعد بنسيم وعطر مصر القديمة الجميل العبير، ونكشف أسرار وسحر وجمال وغموض وتاريخ مصر القديمة والمصريات الجميلات. كتبت المرأة المصرية القديمة صفحات خالدة من تاريخ مصر العظيمة توضح سبق مصر في كل المجالات، وكذلك تحضر مصر وضربها المثل والقدوة للعالم كله قديمًا وحديثًا.

ما تزال مصر القديمة تبهرنا بآثارها وتاريخها واكتشافاتها الأثرية المثيرة التي ما تزال تسلبنا وعينا منذ أقدم العصور إلى أن يرث الله الأرض وما ومن عليها. هذه هي مصر الرائعة والفريدة. وهذه هي المرأة المصرية العظيمة التي لولاها ما كانت مصر ولا كانت مصر وحضارتها الخالدة على وجه الزمن.

إن هذه هي مصر التي أصفها دومًا وأبدًا بأنها أول كلمة في كتاب التاريخ وأهم موقع في كتاب الجغرافيا، وأردد دائمًا أن مصر دولة عظمى ثقافيًا قديمًا وحديثًا، وأقول دومًا إن مصر هي التي عملت العالم أصول كل شيء.

إن عالم الملكات المصريات الجميلات، ملكات القلوب، قلوب أزواجهن، ملوك مصر العظام، لهو عالم ملكات مصر القديمة عالم مثير يمتزج فيه الحب بالدراما بالسلطة. ومن خلال هذه المجموعة المذكورة سابقًأ من ملكات مصر العظيمات، نستطيع أن نسعد بنسيم وعطر مصر القديمة الجميل العبير، وأن نكشف أسرار وسحر وجمال وغموض وتاريخ مصر القديمة وملكاتها المصريات الجميلات.

د.حسين عبدالبصير
عالم الآثار المصرية ومدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية

أوبرا مصردراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى