قصيدتان للشاعرة السورية الزهراء صعيدي

إغفاءةُ الحرَقِ
من مَهبطِ الحزنِ حتّى مُنتهى أَرَقي
تفاقَمَ الجرحُ واقْتاتَ المدى مِزَقي
الويلُ للَّيلِ لا حلمٌ يراودُهُ
فيَخفُتَ الأنُّ في إغفاءَةِ الحَرَقِ
محاصرٌ بظلامٍ فاقَ قدرتَهُ
وليسَ ثَمَّ ضياءٌ لاحَ في الأفُقِ
وكلَّما فُتحَتْ للنُّورِ نافذةٌ
يغشى الدُّجى طاقةَ الأنوارِ في الحَدَقِ
في رحلةِ البحثِ عن كَينونتي انكفأَت
روحي،كما تُسرَقُ الألوانُ في الشَّفَقِ
صوتي تبدّدَ في أصداءِ وُحشتِهِ
تمتصُّ جدارنُها ما فيَّ من قلَقِ
أُسائلُ الحائطَ المبنيَّ من محَنٍ
تراكمَت فوقَ قلبي واستوَت غرَقي:
ماذا لو استودَعَ السَّجّانُ عُهدَتَهُ
سجينَهُ واستوى الِاثْنَانِ في الطّبَقِ؟
لا يحملُ الدهرَ مثلي لو بدا جَلِدًا
وساعةً في سريرِ القهرِ لم يُطقِ
يا أيُّها البؤسُ:ماتت فيكَ أفئدةٌ
لولا تجلُّدُها في آخرِ الرّمَقِ
في قلبيَ الكونُ إذ تنهالُ قافيةٌ
ولا سوايَ إذا أهوي لمُنزَلَقِ
كم مُزنةٍ أهرقَتْ للنَّاسِ أدمعَها
وجُّلُّهم من سقامِ الأمسِ لم يُفِقِ
ما اجتاحَ في شعرِهِ الوجدانَ عاصفةٌ
كزفرةِ الأرضِ غيرَ الفقدِ لم تَذُقِ
لو غالبُوا الصّبرَ لانزاحَت غِشاوتُهم
وأبصرُوا مثليَ المنجاةَ في الورقِ
لم يبصرُوا غير أنكالٍ تؤرّقُهم
وأضيقُ العيشِ فكرٌ جدُّ منغلِقِ
لا يفلُحُ اليومَ من يحيا بلا أملٍ
لو عِيذَ من غاسقاتِ الدَّهرِ بالفلقِ
ما قيّدَ الخطوَ مثلُ اليأسِ من ظُلَمٍ
ويشحذُ الخطوَ ضوءٌ آخرَ النَّفَقِ
بوّابةَ الحلمِ:هل للحلمِ من سُبلٍ
والحظُّ من زمنٍ قد ضاعَ في الطُّرُقِ
إنِّي بقافيةِ الأوجاعِ أسمعُها:
للشَّمسِ في ثقةٍ يا نجمتي انْطلقي
قِبلَةُ الرُّوحِ
ضمِّدْ جراحَكَ وانفُضْ لعنةَ الطِّينِ
من نكسةِ الذُّلِّ حتَّى مِحنةِ الحِينِ
كم أهرقَ القيدُ حلْمًا كنتَ ترسمُهُ
على مدارِ الرُّؤى في سورةِ التّينِ
تمدّدَ الوهمُ فاشْتدَّ الظَّلامُ بهِ
وأشرسُ الوهمِ ما يأتيكَ باللِّينِ
وتحسَبُ الدَّهرَ لن يُنبيكَ عن أحَدٍ
تجاوزَ اللَّيلَ من أيَّامِ حطّينِ
في لحظةَ اليأسِ ينسابُ الضِّيا أملًا
يشاكلُ الفجرَ في أحلامِ نسرينِ
قد أنجبَ القدسُ للتَّاريخِ معتصمًا
وخالدًا وصلاحًا طفرةَ الجِينِ
مازالَ منتفضًا حتّى يحرّرَها
ويسطعَ الحقُّ من عَينَيْ فِلِسطينِ
وصرخةُ الحرِّ في الأعداءِ عاصفةٌ
رياحُها لهَبٌ من جوفِ تنّينِ
وما تُصِبْ من قلاعِ الغاصبينَ خَوتْ
عروشُها بينَ كافِ الحقِّ والنُّونِ
كم آمنُوا أنّ بعدَ الصَّبرِ مكرمَةً
والنّصرُ منبثقٌ من طُورِ سينينِ
في قِبلَةِ الرُّوحِ صبَّ الكونُ مهجتَهُ
لتحرُسَ القدسَ آيَ المجدِ والدِّينِ
وتغزلُ الشمسَ من أحداقِ سوسنِها
جدائلُ النُّورِ وشَّتْها بتلوينِ
نبوءةُ الغيمِ للأقداسِ أنَّ لها
عهدًا يعيدُ لها أزهارَ تشرينِ
وأنَّ ناصرَها مازالَ معتكفًا
ليأذنَ اللَّهُ ميعادًا بتمكينِ
أرضَ السَّلامِ بِكِ الآمالُ نعقِدُها
ندعو فيَتبَعُنا الأقصى بتأمينِ
يا غايةَ القلبِ ما للقلبِ أمنيةً
إلّاكِ يا زهرةً في طَورِ تكوينِ
كم تاقَ للشَّهدِ من خدّيكِ يرشُفُهُ
للشّعرِ ينهلُهُ من حُورِكِ العِينِ
هل حجَّةُ العامِ في محرابِ مسجدِها
أو يُركَنُ الحلمُ في أدراجِ تدوينِ؟