مبدعون من مدينتي الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف
بوصفه إنساناً و أديباً وناقداً أكاديمياً
بقلم:أ.د مسلم الطعان
أستاذ الأدب الانكليزي
كل مبدع في الحياة له مرجعية جمالية ينبجس منها ماء إبداعه نقياً و رقراقاً و عذباً في إنسانيّته و ثراء معرفته، و وفاءه لمسافات بيئته، و المرجعية الجماليّة التي يمتح من كنوزها الثرة الكثير الكثير لها بؤرة و معين مسافاتيّ بالغ الأهمية، وتلك البؤرة تسمّى في النقد الفلسفي الغربي بالمسافة الجماليّة Aesthetic Distance. من تلك المسافة بالذات تشكّل لدي الوعي المسافاتيّ في قراءة إلانسان والحياة والأشياء، ومن هنا بدأت فلسفتي المسافاتية في تحليل النص بوصفه إنساناً و نتاجاً إبداعيّاً، وتلك الفلسفة، أي المسافاتية، أراها متجسّدة إلى حد كبير في شخصية مبدع من مدينتي، ألا وهو الأديب السارد والأكاديميّ الناقد الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف.
إذا ما توغلنا في أعماق مسافته الإنسانية نجده يفيض إحساساً شعريّاً مرهفاً و رقيقاً و هو ليس بشاعر، لكنه في حضرة الشعر بشقيه الشعبي والفصيح، تراه ناسكاً و عاشقاً مجنوناً في محراب القصيدة، يجالس الشاعر الشعبي في المقهى و يمنحه مجسّات أذنيه الغارقتين في بحر إيقاعات الدهشة، ويعبر عن تماهيه، بل ذوبانه في الموسيقى الشعبية التي تنتج إيقاعاً حسيّاً عالي النبرات، والأمر ذاته يحصل عندما يهدي له شاعر معاصر ديوانه، حيث يسهر على إنهاء قراءته من أجل إصطياد اللحظة الجمالية في النص التي تحرّك مسافات مكنوناته، فيدخّرها في خزينه السيميائي كعلامة جمالية سيأتي أكلها ولو بعد حين. الدكتور مصطفى لطيف عارف وفي بإنسانيته لأهله وذويه و محبيه وأساتذته و طلبته.
أما مسافته الإبداعية، حين نطرق بابها بأصابع الفضول والبحث عن المتعة الجمالية، نجده سارداً جميلاً يركب مركب الواقعية ببراعة و وعي ثاقب، وهذا الزاد السردي الواقعي يقدّمه لنا على مائدة مجموعته القصصية الموسومة ( غبار الرفوف) الصادرة عن دار أمارجي للطباعة والنشر في عام 2022، و ستكون لنا قراءة مسافاتية لتلك المجموعة مستقبلاً بإذنه تعالى.
أما مسافته الأكاديمية، بوصفه باحثاً و مدرّساً و ناقداً، تقدم لنا تجربة مهمة وثرية و كبيرة بموضوعاتها الأدبية والفكرية والثقافية المتنوعة وربما لا يتسع المجال لذكرها، ولكن ما يهمنا في هذا المقال بأنّ منتجها ومبدعها و مهندس موضوعاتها هو باحث مثابر و نشيط حاد الوعي و رقيق المشاعر في الوقت ذاته، و مما يحسب له هو جهده المائز في كسر التابو الأكاديمي، أو سعيه الدؤوب لتهديم الجدار التقليدي والكلاسيكي للدرس الأكاديميّ الفّج، حيث عمل جاهداً و جاداً على إكتشاف المسافة الرابطة جماليّاً ما بين المبدع و قارئه الجماليّ، فجعل المبدع يلتقي جمهور القرّاء من الطلبة الباحثين وجهاً لوجه في ساحة الدرس الأكاديميّ، و حقّق في مهمته تلك نجاحاً كبيراً يستحق الثناء والتقدير.
الأستاذ الدكتور الأديب الناقد مصطفى لطيف عارف جميل بإنسانيته و معرفته ونقديته و وفاءه للبيئة التي أنجبته و تواضعه و أدبه الجّم و إخلاصه لأبناء مدينته.