هوشنك أوسي يكتب التَّائه
أعادَ الغروبُ إليَّ كُلَّ الأشياءِ التي أهديتُها لهُ:
سبعُ قصائدَ إيروتيكيّة عن البشر البدائيين.
لوحةٌ لمدينةِ كوباني، لم أُكملْ رسمها.
فستانُ سهرة، اشتريتهُ لعشيقةٍ بلجيكيّة، قضت في حادث سير.
بدلةُ رقصي شرقي، اشتريتها من “خان الخليلي”، لشاعرةٍ ألمانيّة،
خرجت من قصيدتي، ولم تعدْ.
بندقيةُ مقاتلٍ كوردي، انتحرَ،
فورَ رؤيتهِ الوجهَ القبيحَ لثورتهِ.
مدينةٌ منكوبةٌ، يقال لها؛ دمشق.
شارعٌ في القدس، مشيتُ فيه،
متأبِّطًا ذراع شاعرة فلسطينيّة.
صورٌ تذكاريّة، أثناءَ اعتقالي في سجن دياربكر الرّهيب.
فيلم وثائقي عنّي، بعد خروجي من أفرانِ النَّازيَّة،
رمادًا تستخدمهُ نساءُ اليهود كُحلاً.
قصيدةٌ اختلسها بابلو نيرودا، من بائعِ كتبٍ مستعملةٍ.
ديوان شعر، تبرَّأ منهُ ناظم حكمت.
قبَّعتي، نظّارتي، مِعطفي، مظلّتي،
وعطري المفضَّل.
أعادها الغروبُ إليَّ مُبتسمًا وقال:
وَرَثَتُكَ، الذين لا يودّون عَودتك،
أولادُكَ غير الشّرعيين، الفخورونَ بكَ، المتبرِّئون مِنكَ،
أولى بهذه الأشياءِ، الغالية على قلبي.
*
رأيتُ، فيما يرى الممسوسُ؛
قطيعَ حِملان، يحاصرهُ ذئاب.
لم أستطع فكَّ الحصار.
اكتفيتُ بلعنهِ،
مسحتُ دمعي، ومضيت.
سمعتُ استغاثاتِ امرأةٍ تُغتصَبُ.
استدرت حولي، لم أرً شيئًا.
مسحتُ دمعي، ومضيت.
شَممتُ روائحَ احتراقِ بشرٍ وهم أحياء،
سمعت صراخهم،
التقتُ حولي، لم أرَ شيئًا.
مسحتُ دمعي، ومضيت.
كتبتُ قصيدةً مِن سبعةِ مقاطعَ.
حالَ انتهائي منها، كأنَّ يدًا شيطانيّةً امتدَّت إليها ومَحتْها.
فمسحت دمعي، ومضيت.
كنتُ مفقودًا في حربٍ مفقودة،
شنَّها كلامٌ أبيض على كلامٍ أحمر.
مسحتُ دمَ المعنى ودمعَ المجاز، وأتيتُ.
إلى قواميسِ الظّنون،
مثخنًا بالأسئلةِ أتيتُ.
في أحضانِ البدايةِ المنهوبةِ، ارتميت،
ورأيتُ في ما يرى الممسوس،
قطارًا اسمهُ العدالة،
يدهسُ المارَّة بجنون،
فبكيت، وقلت:
يا ليتني ما أتيت ولا مضيت.
*
للحظةٍ، غابَ عنّي شيطاني،
ففاضت كأس أحزاني وكآبتي.
ما مِن أحدٍ، يُحلل العُقدةَ مِن خيالي.
ينخسفُ اليقينُ بي،
نحو وادٍ تسمّونهُ؛ الجحيم،
وأسمّيه؛ الخوفُ مِن العودة.
يجلدُ الشّكُّ إيماني.
أتوهُ بتيهِ الشِّعر، أنَّى توجَّهت قداديسهُ،
فالشِّعرُ وطني وعصياني.
لا أعرفُ؛ كمْ مِن السّنواتِ، امتدتْ تلكَ اللّحظة،
التي غافلني فيها شيطاني،
غابَ عنّي، ولم تعد؟