أميمة رشوان تكتب الطوفان
أزال الملثم الرباط الأسود الذي غطى عيني الأسير، الذي أتى به ضمن مجموعة من الأسرى، كانوا قد سقطوا في يده أثناء المداهمة الأخيرة. ارتسمت علامات الغضب على وجهه؛ فزادت من تعاريج وجهه المجعد، والتهبت عيناه بنيران غضب مشتعل وحقد دفين قبل أن يقول في صلف وغرور:
سوف تدفعون الثمن غاليا، ولن نتخلى عن الوطن، وسوف يخرجونني فأنا أحد أبطاله الكبار.
وهل تسمي احتلال أرض شعب آخر وقتل النساء والأطفال بطولة؟! ..إنه عار وأي عار.
نظر إليه بعينين مضطربتين، وبحروف متلعثمة قال:
أنا متأكد أنهم لن يتركوني هنا، وستأتي القوات لتحريري والقضاء عليكم في أسرع وقت.
تركه الملثم في تلك الغرفة، يرغي ويزبد وذهب.
حاول العجوز أن يهدأ قليلا، ضم كفيه معا، حاول أن يوقف رعشة سرت في جسده، جال بناظريه فى أرجاء الغرفة، حملق فى جدرانها العالية بلونها الرمادي الكالح، مرت ساعة عاد بعدها الملثم، رفع العجوز عينيه إليه بانكسار وهو يقول بنبرة مستعطفة:
هل ستقتلني الآن؟
لمعت عينا الملثم بالغضب والاستياء ثم قال:
نحن لا نقتل كبار السن.
هدأ العجوز بعد تلك الكلمات، وجلس في صمت على أحد المقاعد في زاوية الغرفة، أمال رأسه على ظهر المقعد، وراح في إغفاءة قصيرة لكنها كانت كافية لاسترجاع شريط حياته كمشهد سينما طويل
كانت الشمس تلملم خيوطها الفضية حين وقف بصحبة أسرته مع مجموعة من الجنود أمام ذلك المنزل المحاط بأشجار الزيتون، وفى المقابل وقف صاحب المنزل وأسرته يصرخون ويقاومون الجنود الذين ألقوه وأسرته إلى الخارج ليصبح منزل عائلته من تلك اللحظة .
راودته ذكري أخرى بعد التحاقه بالجيش بشهور قليلة شارك في اقتحام مخيم صبرا وشاتيلا الذي كان نقطة تحول كبيرة في حياته، أبدي خلالها بطولات كبيرة، وتمكن وحده من قتل مجموعة كبيرة من النساء والشيوخ والأطفال وذلك بعد أن تسبب لهم بأكبر قدر من الألم قبل أن يقتلهم؛ بدأ بقتل الأطفال قبل أمهاتهم، والنساء قبل أزواجهن حتى أن رؤسائه أشادوا بقوته وجسارته، وتم منحه وسام وراتب كبير، وحظي بالكثير من الخدمات طوال حياته؛ فعاش منعما ومستمتعا بأشياء كثيرة لم يكن ليحصل عليها بسبب احتقارهم لطبقته الاجتماعي ، وبينما هو فى غفوته رآها تقف أمامه بثيابها الممزقة وشعرها الأشعث، لم يجد صعوبة فى التعرف عليها؛ كانت تطارده فى صحوة ونومه، يبدو أن السحب الداكنة تلوح باستمرار فوق رأسها، اقتربت منه مهددة، شعر بثقل العالم كله على كتفيه، صرخ وهو يطلب منها أن تتركه، لا يدرى كيف ظلت تطارده طوال السنوات الماضية! تلك الطفلة التى اغتصبها قبل أن يقتلها فى المخيم .
هز رأسه فى عنف وعلا صوت همهمات، أفاق من غفوته على يد الشاب الملثم تربت عليه وقد أتى إليه بطعام وماء، التقط الطعام وتناوله بنهم شديد وهو يقول له بثقه:
سوف أذكر لهم أنك عاملتني بلطف حين تأتى القوات لتحريري من قبضتكم، وسوف يحدث ذلك بأسرع مما تتخيل فأنا مواطن إسرائيلي وأحد أبطال الجيش ولن يتركوني هكذا فهم يحرصون على تأمين سلامتى التي تهمهم جدا.
توقف عن تناول الطعام فجأة حين هاجمه هاجس خفي وتردد سؤال في ذهنه،:
هل يهتمون لسلامتي حقا؟ وأنا من اليهود السفرديم ..لا لا ما هذه الأفكار السخيفة بالطبع سيأتون.
****
التليفزيون الإسرائيلي:
أعلن المتحدث باسم الجيش أنه تم تحديد أحد أماكن تواجد بعض الأسرى في أحد المنازل بقطاع غزة.
وفي اليوم التالي أعلن المتحدث الرسمي للجيش عن سقوط صاروخ بطريق الخطأ على أحد المنازل، الذي كان يحوي عددا من الرهائن الإسرائيليين ومن بينهم أحد أبطال الجيش مما أدى إلى مقتلهم جميعا.