أراء حرةالرئيسية

جنوب أفريقيا من الفصل العنصري لمقاضاة إسرائيل

جنوب أفريقيا من الفصل العنصري لمقاضاة إسرائيل

بواسطة/ دعاء عبدالنبي حامد

باحثة دكتوراه في الفلسفة الأفريقية الحديثة والمعاصرة كلية الآداب جامعة القاهرة

وضعت إفريقيا تحت سيطرة نظام “الأبارتايد” ذلك النظام صاحب المحاكم المتعددة وعنفه القاسي، هو نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى تم إلغاء النظام بين الأعوام 1990-1993 وأعقب ذلك انتخابات ديمقراطية عام 1994. وقد هدف هذا النظام إلى خلق إطار قانوني يحافظ علي الهيمنة الاقتصادية والسياسية ذات الأصول الأوروبية. قامت قوانين هذا النظام بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية، وتم الفصل بينهما. منع هذا النظام حق الاقتراع كما تم فصل أجهزة التعليم والصحة والخدمات المختلفة، وكانت الأجهزة المخصصة للسود أسوأ وضعاً بشكل عام. ومنذ الستينات أخذت الاعتراضات الدولية على هذا النظام مما أدى إلى نبذ جنوب أفريقيا ومقاطعتها من قبل غالبية الدول، هذا بالإضافة إلى المعارضة الداخلية والتي أدت إلى انهيار هذا النظام بعد أربعة عقود.

ومن الجدير بالذكر أن الرغبة في الأبارتايد والإبادة بشكل خاص ليسا جديدين على الإطلاق، حيث وجدوا على مر التاريخ خاصة في مستعمرات الاستيطان القديمة، حيث كان الصينيون والمغول والأفارقة ولوقت طويل قبل الأوروبيين غزاه كيانات إقليمية واسعة، حيث أقاموا شبكات تجارية معقدة عبر الصحاري والبحار وفيما ورائها، لكن أوروبا هي الأولى في التاريخ الحديث، والتي فتحت عهدًا جديدًا من الاستيطان على مستوى الكوكب. فقد اتخذ إعادة تعمير العالم شكل فظائع لا حصر لها ومجازر غير معهودة من التصفية العرقية. كان نظام الفصل العنصري موجوداً في بداية المؤسسة الكولونيالية، وكان فعل الاحتلال يتمثل في العمل علي فصل الجسد الحي من جهة، وكل الأشياء التي تحيط به من جهة أخرى. وكان العمل علي الفصل نتيجة جزئية لقلق الإبادة الذي كانت تستشعره جماعة المستوطنين. أصبح التمييز العنصري والإبادة الخط الحاسم في بداية هذا القرن[1].

إن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سعي إلى إعادة تنظيم وترشيد آليات الفصل على نطاق وطني للدفاع عن العرقية المثالية القومية لجنوب أفريقيا البيضاء، ومن أجل ذلك صنفت الدولة السكان إلى ثلاث مجموعات رئيسية امتدت لاحقاً إلى أربع مجموعات (السكان الأصليون والبيض والملونون والهنود)، وقسمت جنوب أفريقيا إلى مناطق إقامة حصرية عنصرياً وقدمت برنامجا منهجيا لمصادرة الأراضي وعمليات الترحيل القسري، كما جردت الحكومة الأفارقة السود من الجنسية ومنحتهم أوطاناً محددة عرقياً. وفي إطار الغضب الدولي المتزايد، أعلنت الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 الفصل العنصري جريمة. وبشكل حاسم لم تقتصر هذه المعاهدة والمعاهدات اللاحقة مصطلح الفصل العنصري علي جنوب أفريقيا، لكنها قدمت تعريفاً عاماً بمكونات محددة، لغرض ترسيخ سيطرة مجموعة عرقية واحدة من الأشخاص علي أي مجموعة عرقية أخرى من الأشخاص والحفاظ عليها وقمعهم بشكل منهجي. وتشمل هذه الأفعال الحرمان من الحياة أو الحرية؛ فرض ظروف معيشية تهدف إلى تدمير الجماعة كلياً أو جزئياً؛ التدبير المصممة لمنع مجموعة من المشاركة في الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية للبلد؛ التدابير التي تقسم السكان على أسس عرقية أو اثنية وتخلق محميات منفصلة[2].

وبعد مرور عشرين عاماً من الإلغاء الرسمي لنظام الفصل العنصر، لم تعد جنوب أفريقيا كما كانت من قبل، حيث خرجت من العصر المظلم لتفوق البيض، وتمر البلاد بتحولات متعددة ومنهجية في القطاعات المختلفة، في عصر شهد الكثير من التسلسلات الهرمية العرقية الراسخة تاريخياً، تشارك في واحدة من التجارب العالمية المعاصرة بهدف إنشاء أول مجتمع غير عرقي، لكن هزيمة  السيادة الشرعية للبيض لم تعني أن النضال من أجل المساواة العرقية قد انتهى، فمشروع  اللاعنصرية فقد الكثير من الهالة التي تمتع بها خلال النضال ضد الفصل العنصري، حيث ظهرت أشكال جديدة من العنصرية في جميع أنحاء العالم[3].

وبمقارنة الفصل العنصري بين جنوب أفريقيا وإسرائيل سنجد أن الاثنين نشأ من خلال عملية غزو واستيطان مبرر إلى حد كبير على أساس الدين والقومية العرقية، فكلاهما اتبع برنامجاً قانونياً وواسع النطاق لتهجير السكان السابقين من أراضيهم، وضع كلاهما مجموعة متنوعة من القوانين التمييزية علي أسس عرقية أو اثنية، إلا أن نظام الاحتلال الإسرائيلي أسوء من جنوب أفريقيا، فبرغم التشابه بين النظامين إلا أن هناك اختلاف حيث ظهرت جنوب أفريقيا من خلال عملية استيطان أوروبية وحرب استعمارية استمرت لقرون، فإن تأسيس إسرائيل في عام 1948 سبقه واحدة من أكثر الأعمال الوحشية تفرداً في التاريخ البشري، وهي الهولوكوست، أيضاً في حين أن الاقتصاد في جنوب أفريقيا يعتمد بشكل كبير علي استغلال العمال الأفارقة، سعي الصهاينة الأوائل بوعي إلى تشريد العمالة العربية وتمكنوا من بناء اقتصاد أكثر انغلاقا وموحد من الناحية العرقية[4].

يعد احتلال إسرائيل لفلسطين أشد فتكا من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث تشيد إسرائيل الجدران الخرسانية والحواجز الأمنية علي قدم وساق، ومع الجدران تظهر ترتيبات أمنية أخرى من نقط تفتيش وسياجات وأبراج مراقبة وهكذا تحُاصر مجمعات سكنية فلسطين تحت رقابة إسرائيلية، وفرض حظر تجوال في وسط الأراضي الفلسطينية. أيضاً في الأراضي المحتلة نجد ممارسات إسرائيلية علي تسيير السجلات واحتكار إصدار بطاقات الهوية الفلسطينية (وهذا ما يسمى بتجريد الاحتلال المحتل من هويته في أبسط صورة) وهذا الأمر يوجد في كل مناحي الحياة اليومية تقريباً في الأراضي المحتلة سواء تعلق الأمر بالتنقلات اليومية والحصول على مختلف الرخص أو بمراقبة الضرائب. إن ما يميز هذا النوع من الفصل العنصري إنه يتحول إلى خناق[5].

إن الإنسانية الموجودة في قفص هي فلسطين عموماً وغزة خصوصاً، فهما من أكبر نماذج لنظام الوحشية. وقد أصبح الأمر يتعلق بتعميم ونشر على مستوى الكوكب، المناهج المستخدمة في إطار إدارة الأراضي المحتلة والحروب المتوحشة الأخرى، والذي ارتكز علي التشريح الكوني. مع امتياز هذا النظام بالاستقواء بالخارج والعسكرة والتضييق علي الحقوق، ومهمته هو تيسير تحرك بعض الطبقات العرقية مع منع أخرى أو منحها التحرك بمقابل شروط أكثر فأكثر قساوة[6].

إن نشر الأسلحة من أجل أقصى قدر من تدمير الأشخاص وإنشاء عوالم الموت واستخدام أشكال جديدة وفريدة من نوعها للوجود الاجتماعي والتي يتم فيها إخضاع أعداد كبيرة من السكان لظروف الحياة التي تمنحهم وضع الحي الميت، تلك الأساليب والتقنيات المتطورة والمدمرة أصبحت آذاناً بعصر التوحش. وحشية تجاوزت الحدود، لا بسبب الحروب والتصفيات العرقية التي اتخذت طابع الإبادة والعنصرية التي أن خفت ظاهرياً أساليبها، ولكنها تنذر بوحشية تجاوزت حدود الوحشية التي عرفتها فصيلة الديناصورات، لأن الإنسان الغربي يمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة ووسائل الدمار النووي والذي لا يدمر ذاته فقط بل يدمر الكائنات الحية معه. إن العنصرية ما زالت مظاهرها متواصلة خاصة في العالم الغربي على الرغم من وجود مجتمع مدني وأحزاب تندد بهذه العنصرية[7].

مما لا شك فيه أن مقاومة المحتل والدفاع عن النفس أمر مشروع ، ومنذ السابع من أكتوبر 2023 حينما قامت المقاومة الفلسطينية برد فعل على همجية ووحشية الاحتلال الإسرائيلي، قوبلت المقاومة بجرائم أكثر وحشية وقمعية وتصفية عرقية وقتل أبرياء عزل معظمهم من الأطفال والنساء وهدم وتخريب المنازل وتشريد الكثير من السكان بخلاف التهجير القسري لسكان القطاع في وسط صمت عالمي لمنظمات حقوق الإنسان بجانب تخاذل سياسي لدول ذات نفوذ والتي تبدو داعمة لإسرائيل.

وفي وسط هذا الجبن العالمي تجاه القضية الفلسطينية والإبادة الجماعية لسكان غزة، تحرك أحفاد مانديلا بخطوة تعد الأجراء منذ أحداث ال7 من أكتوبر 2023 لتتقدم جنوب أفريقيا بدعوى قضائية لمحكمة العدل الدولية ضد وحشية الاحتلال الإسرائيلي متهمه إياه بجرائم حرب واليوم الموافق 11 من يناير 2024 يتم النظر بالفعل في التهم الموجهة للاحتلال الإسرائيلي مع تأييد شعبي عالمي. ومن التهم  التي وجهتها جنوب أفريقيا لإسرائيل:

قصف غزة ب 6000 قنبلة سقط بهم الكثير من الضحايا.

اعتداء إسرائيل على منظومة الصحة في غزة وهو ما يندرج تحت بنود جريمة الإبادة الجماعية رفض إسرائيل توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة.

دفع إسرائيل سكان غزة إلى شفا مجاعة غير مسبوقة.

أرغمت إسرائيل 85% من سكان غزة على النزوح.

70% من الضحايا نساء وأطفال، وقتل المدنيين في المناطق التي أعلنت إسرائيل أنها آمنة.

قصفت غزة برا وبحراً وجواً بشكل غير مألوف في التاريخ المعاصر، حيث تتعرض غزة لأعنف قصف في التاريخ[8]. قدمت جنوب أفريقيا مرافعة أسطورية ضد جرائم الإبادة الصهيونية، وأياً كان الحكم الصادر من قبل محكمة العدل الدولية سيظل الموقف الأفريقي خالداً في الضمير الحي للإنسانية.

وفي الحقيقية لم يكن الأمر مستغرباً من قبل جنوب أفريقيا، فهي دولة عانت من الاستعمار وذاقت مرارة الفصل العنصري لذلك كانت أكثر الشعوب وعياً بما يحدث على أرض فلسطين من نظام فصل عنصري أكثر بشاعة من نظام الأبارتايد. وبصفتي مواطنة مصرية  أتقدم بخالص  التحية لجنوب أفريقيا الأبية.

                          شكراً جنوب أفريقيا، شكراً أحفاد مانديلا

[1] – مبيمبي، أشيل. (2019). سياسات العداوة. (ط1). ترجمة: ميلود، طواهري. بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع. ص 72: 77.

[2] –  Jon Soske, Jon; and Jacobs, Sean. (2015). Apartheid Israel. Haymarket Boos, Chicago. p 11.

[3] – Achille Mbembe.(2015). Apartheid futures and the limits of racial reconciliation. Johannesburg: witsinstitue forsocial and economic research. p 1:3.                                                                        

[4] – Jon Soske, Jon; and Jacobs, Sean. (2015). Apartheid Israel. Haymarket Boos, Chicago. p12.

[5] – مبيمبي، أشيل. (2019). سياسات العداوة. (ط1). ترجمة: ميلود، طواهري. بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع. ص 71، 73.

[6] – مبيمبي، أشيل. (2021). الوحشية فقدان الهوية الإنسانية. (ط1). ترجمة: السنوسي، نادرة. بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع. ص 212: 215.

[7] – المرجع السابق، ص 7 : 9.

[8] – قناة التلفزيون العربي  https://www.facebook.com/alarabytelevision

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى