أ.د منال خيري تكتب التغيرات المناخية وحركة التجارة الدولية
يلقي تغير المناخ بظلاله المتشعبة على مجمل النواحي الاقتصادية؛ كونه من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم ومستقبلا، ومن بين تلك التحديات الاقتصادية التي يفرضها تغير المناخ ما يتعلق بالتجارة الدولية وحركة الملاحة العالمية.
تلعب التجارة الدولية دورا محوريا في تعزيز النمو والتكامل الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك، فإن التجارة الدولية تتأثر بتغير المناخ، بشكل مباشر وغير مباشر؛ سواء من خلال ما يشكله من تهديدات خطيرة للبنية التحتية البحرية وطرق النقل أو التأثير على الإنتاج والاستهلاك والتوزيع، والجودة، والأسعار، وغيرها.
وينعكس تغير المناخ بشكل كبير على التجارة العالمية بمختلف الطرق، وقد يكون له تداعيات سلبية على الاقتصادات والأعمال التجارية. وهذه بعض الطرق التي يمكن لتغير المناخ أن يؤثر بها على التجارة:
- تغيرات في الإمدادات والطلب: تغيرات المناخ قد تؤدي إلى تقلبات في إنتاج المحاصيل والموارد الطبيعية الأخرى، بما يؤثر على الإمدادات. كذلك فإن زيادة درجات الحرارة أو تغيرات في نمط الأمطار يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في الطلب على منتجات محددة.
- تغيرات في اللوجستيات والنقل: ارتفاع مستويات البحار قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف النقل البحري وتأثير على الإمدادات اللوجستية.
- زيادة في الحوادث الطبيعية: مثل الأعاصير أو الفيضانات، وبما يؤثر على شبكات النقل وتأخير الشحنات.
- تأثيرات على البنية التحتية: تغير المناخ يؤثر على البنية التحتية للدول، مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية، مما يؤدي إلى تأثير على التجارة الدولية.
- تكاليف التأمين: أي زيادة في حدوث الكوارث الطبيعية قد تؤدي إلى زيادة في تكاليف التأمين على الشحنات والبضائع.
- تأثير على الصناعات الحساسة للبيئة: بعض الصناعات تكون أكثر حساسية لتغير المناخ، مثل الزراعة والصناعات البتروكيماوية، مما قد يؤدي إلى تأثير كبير على التجارة في هذه القطاعات.
- التشريعات البيئية: قد تزيد التشريعات البيئية المتعلقة بتغير المناخ من التكاليف التي تتحملها الشركات في عمليات الإنتاج والنقل.
- تأثيرات اقتصادية عامة: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تأثيرات اقتصادية عامة، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة أو تقليل إنتاج بعض الصناعات، مما يؤثر على التجارة العالمية.
- عدم اليقين: تغير المناخ يمكن أن يعزز مستويات عدم اليقين في الأعمال التجارية ويحتمل أن يكون له تأثيرات سلبية على الاقتصادات العالمية وأنشطة التجارة.
ومما لا شك فيه ان التجارة الدولية للدول النامية تتأثر بشكل أكبر بالتغيرات المناخية للعديد من الاسباب منها ضعف البنية التحتية ، الاعتماد الاكبر على الانتاج الزراعي الذي يتأثر بصورة كبيرة بالتغيرات المناخية ، انخفاض معدلات النمو الاقتصادي ، ضعف مصادر التمويل ، مدى القدرة على التكييف مع الكوارث الطبيعية ، الحاجة الى المزيد من تمويل العمل المناخي
وبحسب ما أورده تقرير لمؤسسة ماعت، فإن خسائر الاقتصاد العالمي ربما تتجاوز عتبة الـ 33 تريليون دولار بحلول العام 2050، نظراً لتوسع تداعيات التغيرات المناخية وانعكاساتها على الاقتصادات المختلفة.
ان غالبية الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي الآن، في الأساس متصلة بالبيئة. سواء بالنسبة لكارثية تغير المناخ أو زيادة الحرارة والتصحر وشح المياه واستنزاف الموارد الطبيعية أو بسبب أن هذا التغير المطرد يمكن أن يمحو ما يصل إلى 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي بحلول العام 2050.
ويتطلب تغير المناخ تكيفا وتخفيفا سواء من الدول أو المنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ للحد من الانبعاثات الغازية والتأثيرات السلبية المرتبطة به، والعمل على تعزيز التجارة الدولية الخضراء والمستدامة والمنخفضة الكربون.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن نحو 24 دولة تفرض ضرائب على انبعاثات الكربون، غير أن فكرة وضع نظام عالمي لفرض ضريبة كربون لم تلق قدرا كبيرا من الاهتمام على الإطلاق.
وتوصلت محادثات “كوب 27” التي عقدت العام الماضي في مصر، إلى الاتفاق على إنشاء صندوق مخصص لمساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع “الخسائر والأضرار” المناخية، وهو ما أكد علية مؤتمر المناخ الذي تم عقده في الامارات Cop28 في وقتٍ تتطلب فيه جهود الاستجابة والتكيف مزيداً من الاستثمارات، لا سيما في البلدان النامية التي تدفع الفاتورة الأكبر للتغيرات المناخية، رغم محدودية مساهمتها في الانبعاثات. ومع الالتزامات التي تعهدت بها سابقاً الدول الصناعية الكبرى، والآمال المعقودة على صياغة آليات لتنفيذ تلك التعهدات وضمان الالتزام بها.
أ.د/ منال محمود خيري
أستاذ مناهج الاقتصاد – جامعة حلوان
ورئيس لجنة التعليم بحزب حماة الوطن.