الجميلي أحمد يكتب: تجليات محمد طلعت الشعرية
الجميلي أحمد يكتب: تجليات محمد طلعت الشعرية
في عالم شعر العامية المصري نتجول معا كل حين، حيث يأتي اسم محمد طلعت كشاعر يتميّز بروحه الشفافة وقلبه المفتوح نحو الآخرين. بعيدًا عن التعقيدات والخلافات، يرتقي طلعت بكلماته إلى عالم المشاعر البسيطة والقضايا الإنسانية التي تلامس قلبك. تتجلى في قصائده لمحات من حياة الناس العاديين، معبرًا عن مشاعرهم وآلامهم بلغة ممزوجة بعبق العامية المصرية، مما يمنح قصائده طابعًا شعبيًّا يتجذر في الواقعية ويعبر عن تجارب الحياة المختلفة.
محمد طلعت فراج، شاعر عامية مصري ينعكس في قصائده وجدان الشعب، حاملًا بين ثنايا حروفه تجارب الحياة وألوانها المتعددة. وُلد في حي الزاوية الحمراء، ونشأ وسط أجواء تعبق بالثقافة والتراث الشعبي، مما أثر بشكل كبير على شخصيته الإنسانية وشاعريته.
عندما نلقي نظرة على مسيرته الشعرية، نجد أنه قد نشر ثلاثة دواوين شعرية، كل منها يحمل روحًا مختلفة وتجارب متنوعة. “أول يتيم”، “بواقي الستر”، و”حضن إجباري”، أعمال تتسم بالعمق والصدق، تعبر عن مختلف جوانب الحياة وترسم لوحات شعرية تتغنى بجمال الوجود وتنبش في آلام الانسان.
وبجانب مسيرته الشعرية، يتميز محمد طلعت بنشاطه الثقافي والأدبي الملموس. فهو عضو في النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ويشغل مناصب متعددة في عدد من الأندية والجمعيات الثقافية، مثل سكرتير نادي الأدب بقصر ثقافة روض الفرج، وأمين صندوق جمعية الكلمة الطيبة، وغيرها من المسؤوليات التي يؤديها بتفانٍ واجتهاد.
إن إنسانية محمد طلعت تتجلى في تفاعله الدائم مع الأصدقاء، حيث يسعى دائمًا لتقديم الدعم والمساعدة لمن يحتاجها، ويسعى لتعزيز قيم التسامح والتعايش بين الناس من خلال قصائده التي تتغنى بجمال الحياة وقدرة الإنسان على التغلب على التحديات.
باختصار، محمد طلعت ليس مجرد شاعر، بل هو انسان يحمل في قلبه دنيا تسكنها السكينة والمحبة للآخرين، يجسد في شعره وحياته قيمًا عالية ومثالًا للتفاني والتعاون في خدمة الفن والثقافة والإنسانية.
بالإضافة عمقه وشاعريته وشعوره بالاخرين، يتميز محمد طلعت بحضور روحه الهادئة والملهمة في الندوات والتجمعات الثقافية. ينبعث منه دفء الروح والتواضع، مما يجعله محبوبًا من قبل طوائف الوسط الثقافي المختلفة والزملاء على حد سواء.
محمد طلعت يكتب شعر العامية المصري، وينقل من خلاله رؤيته الفنية والإنسانية بكل وضوح وصدق. يشارك تجاربه الشخصية ورؤاه الخاصة في مختلف المواضيع، سواء كانت فنية، أدبية، أو اجتماعية، مما يثري الحوار ويضفي عليه طابعًا خاصا به.
إطلالة علي اعمال الشاعر محمد طلعت
أصدر الشاعر محمد طلعت ثلاثة دواوين شعرية وكلي نتعرف علي شخصيته الإبداعية تعالوا معي ندخل معا لعالمه الشعري
ديوان “أول يتيم”
أول يتيم” يشير إلى حالة اليتم الأولى التي يمر بها الإنسان عند بداية مواجهته للحياة، حيث يفتقد الدعم والمساندة ويجد نفسه وحيداً في مواجهة التحديات والصعوبات.
وهو يشير إلى شعور الشاعر بأن الواقع قد يكون وهمياً أو مزيفاً، وأن ما يظهر للناس قد يختلف عما هو حقيقي.
“أول يتيم”: يرمز إلى بداية التجربة اليتيمة للإنسان في مواجهة الحياة والمشاكل والتحديات التي قد تواجهه.
ديوان “بواقي الستر”
“بواقي الستر” يشير إلى ما تبقى من الستر أو الحياء في مجتمع يتجه نحو فقدان قيمه وتقاليده، ويتناول الشاعر من خلال هذا الديوان قضايا الحياء والعفاف والمحافظة على القيم الأخلاقية.
ويرمز إلى ما تبقى من الحياء والستر في مجتمع تدهورت فيه القيم الأخلاقية وتلاشت العادات السليمة، ويعكس استعداد الشاعر للتصدي لهذا التدهور والحفاظ على القيم والمبادئ.
ديوان “حضن اجباري”
يعبر عن فكرة الاحتجاز القسري داخل إطار محدد، حيث يشير الشاعر من خلال هذا الديوان إلى القيود والضغوط التي قد يتعرض لها الإنسان في حياته وكيفية تأثيرها على حريته واختياراته.
ويعكس العنوان فكرة القيود والحصار الذي يمكن أن يفرض على الفرد دون موافقته أو اختياره، ويشير إلى المكبوتية والضغوط التي قد تحيط بالإنسان وتحجب عنه حريته واستقلاله.
باختيار الشاعر لهذه العناوين، يظهر تركيزه على قضايا الانسانية العميقة والمشاكل الاجتماعية، ويعبر عن رؤيته الخاصة للحياة والعالم من خلال تلك العناوين التي تحمل دلالات غنية وعميقة.
وكي ندخل أكثر إلي عالم محمد طلعت الشعري فهيا بنا نتجول بين سطور قصائده ففي قصيدة قتل عمد يقول
بعتذر جدًا لجسمي
عن وجع موشوم بصورتك
عن سمع كان كل حلمه
انه يسمع بس سيرتك
عن حاجات تشبه ملامحك
وانتِ ماسكة ف حرف قلبي بتقطُمي بسنان بتضحك
عن حاجات كات عايزه تشرب
بس دمي ماكنش جاهز
عن مكانك فى الجوايز
وانتِ واخده ع الهزيمة
ياللي بتخوني بعزيمة
جسمي مش ناقص خياطة ولّا شَك
جسمي خايف من مفك بيحضنه مسمار صليبة
كورة شايطاها اللعيبة
في ارض مات الحلم فيها
لابسة نظارِة عنيها من الرخام
كنت بعمل لك مقام
فيه تاريخ بشهادة رسمي
كنت بابني لك في جسمي
بيت صغير بين عروق و مفصلات
كان بيحلم لو عنيكِ ف يوم تبات
كنت بعمل م السكات
شِعر متفصل عليكِ بالمقاس
كنت عامل التماس لما كنتِ بتجرحيني
انتِ و الدنيا وسنيني كلكم عكس اتجاهي
بارمي بذرة ف ارض روحي
تطرحك بالعند فيا
تجمعك صورة ف عنيّا واقفة سد
كنت بكره أي حد
لو ف يوم قال كلمة عنك
حتي لو كانت مفيدة
لسه كاتب بس فيكِ من الوجع
٣٠ قصيدة
و انتِ فى الدنيا الجديدة
كنت انا مجند عيوني جوّه جيشِك
كنت بلبس لبس غالي
بس كان يوحشني خيشِك
كنت اطير و افرد دراعي لما كان يطلعلي ريشِك
و اما جاب الزهر بيشِك، حظي كان محتاج لـ يَكْ
خد مفك وفك مني كام جرام كانوا متشالين
فك م الجنب الشمال، راح مربَّط فى اليمين
راح معلم ع الإيدين خط دبلة بحبر جاف
حلمه علِّم في اللحاف لما كان حاضن هواكِ
ساب سماكِ ببندقية
كنت انا اول ضحية يتعمل لجراحه عيد
كنت انا أقدم جديد يتقتل وقت البطولة
حلم مش لابس كفولة كان مخبي ف بيره سر
كان بيلبس كُم ايده ف وقت حر
حب يعشق حرف جر
اتهم بالقتل عمد
المتأمل معي قصيدة “قتل عمد” للشاعر محمد طلعت يجدها تتميز بمجموعة من التراكيب والصور الجمالية والفلسفية التي تعكس عمق الإحساس والتفكير. هذه بعض النقاط التي تسلط الضوء على التحليل:
الصور الجمالية والفلسفية:
الشاعر يستخدم صوراً جمالية قوية مثل “جسمي مش ناقص خياطة ولّا شَك” و”كنت بعمل لك مقام” ليصف الألم والإحباط الذي يشعر به.
تتوارد الصور الفلسفية في القصيدة من خلال التعبير عن الهواجس الداخلية والصراعات النفسية التي يعيشها الشاعر.
الصورة التي تصف الموت بـ “راح معلم ع الإيدين خط دبلة بحبر جاف” تعكس تفكير الشاعر في الموت وتأمله في معناه.
الاستخدام الجريء للغة:
الجميلي أحمد يكتب: تجليات محمد طلعت الشعرية
الشاعر يستخدم تراكيب لغوية مثل “و اما جاب الزهر بيشِك، حظي كان محتاج لـ يَكْ” ليعكس مدى تعقيد العواطف التي يمر بها.
يظهر الاستخدام الجريء للمفردات والعبارات المباشرة التي تنقل قوة الشعور والانكسار.
التعبير عن الفقدان والإحباط:
يعبر الشاعر عن فقدانه وإحباطه من خلال تصوير الموت بصورة قوية ومؤثرة.
تظهر العبارات التي تصف العلاقة السابقة بصورة مؤلمة وعميقة، مثل “كنت بابني لك في جسمي بيت صغير بين عروق ومفصلات”، لتعبر عن الفقدان والاختفاء.
التأمل في المعاناة الإنسانية:
يعكس الشاعر التأمل في الحياة والموت ومعنى الوجود من خلال تفاصيل القصيدة التي ترسم صورة للألم والعذاب الداخلي.
قصيدة “قتل عمد” تعبر عن مشاعر الفقدان والإحباط والتأمل في الموت والحياة، وتستخدم صوراً جمالية وفلسفية وتراكيب لغوية لنقل عمق الشعور والتفكير في واقع مؤلم.
أما قصيدة حلم مر والتي يقول فيها
خليك فاكرهم زينا
وشم ريحة قلبهم
من بين قلوب اتوزعت فى تراب بيبدأ بالرحيل
وأكتب فى أوراق الخشب تمن الدهب اصبح تقيل
وف أرضك المبدوره ليل أزرع صورهم يطرحوا ف عينهم نهار
و يسك ترباسك ايديك ويحضنك حلم الجدار
عارف ياباب
كل اما اشوفك بفتكر بيتنا القديم
و السلم المكسور وحلمه والمفارش والكليم
وقاعدة أمي لما كانت باعته خوفها لشغل أبويا
لما سابقوا الليل وحست انه غاب
لما نمت بلبس اخويا وسبت اسفي على الكتاب
والصالون ابو قلب مدهب
والكناريه اللى ف غيابي رفضه تشرب
والكلام وحزام أبويا لما علم ع الحيطان
وأختي لما تحب تلعب وأمي تعملني الحصان
والحنان والمريلا اللى حزمها بيج
والكتب بتشيلها مخله فى صف جيش
والشويش اللي تملي صوته يعلي في الطبور
والدليل ابو لمبة بلحه لما يشهد ع المذاكرة
والدكاتره وسماعتها كات هدية عيد ميلاد
كنت من ضمن الولاد
اللى كل الدنيا عارفه إنه متدلع زيادة
كنت اجيب الدرجة ناقصة
وامي تفرح بالشهادة
كنت اكتر حد يمكن
كان بيزهق م السعاده
عارف يا باب
لما ايدى اتعودت تقفل وتفتح
كل حاجه اتغيرت
كان ف حلمي اوضه فاضية سيبتها و أتاجرت
أمي سابت ليا ريحة
شغل ابويا لما يكتر كان بيخلص بالطريحة
ايوه فعلاً كنت بكدب
وأرمي كدبي فى الجاكته
وامي لما تجيب هدية كنت بطلب بسكلته
كنت قايسك بالبلاطه شبر شبر وحته حته
كنت بكتب جنب سته صفر واتلخبط فى ساعة
امي كات تعملي كبده لجل ماتزيد المناعه
كنت واخد ان جارتي تبقي أختي ف الرضاعة
كنت طيب والحياه كان فيها روح
كنت برسم حلم عمري جوه عمدان السطوح
كنت بتنفس طموح
واما ترباسك قفلها
قفلتك فتحت جروح
واللى فضلت لينا ذكرى
صوره عايشه جوه فينا مهما تكبر ليها عمر
بفته بيضاء عايشه لينا حتى لو اصحبها سمر
فضلوا دايماً يعشقوك
حلم مر انك تفتح متلقيش أمك وابوك
في هذه القصيدة يعبر عن تجربة صادقة وحقيقية ربما تعيش في خيال الكاتب، وتتميز بتوظيف عدة صور وتراكيب لغوية تعكس عمق الإحساس والتأمل.
حيث استخدم الشاعر صورًا حسية قوية مثل “شغل ابويا لما يكتر كان بيخلص بالطريحة” و”صوره عايشه جوه فينا مهما تكبر ليها عمر” لنقل الإحساس بالتغيير والفقدان.
تظهر الصور الذاكرية التي تصف ذكريات الطفولة والأيام السعيدة، مما يعزز المأساة والحنين إلى الماضي.
يتميز طلعت بتوظيف لغة حسية وملموسة، مثل “خليك فاكرهم زينا” و”أمي سابت ليا ريحة”، ليعزز الاتصال العاطفي والشعور بالواقعية.
تعبر القصيدة عن تأملات الشاعر في تغيرات الحياة وفقدان الأشياء العزيزة، وكيف أن الأحلام قد تتحول إلى واقع مؤلم.
يظهر التفكير والتأمل في الحياة والموت، وكيف أن كل شيء في النهاية ينتهي ويتغير.
يعبر الشاعر عن انكساره وإحباطه من خلال الصور المؤلمة والمؤثرة التي تصف الفقدان والتغيير الذي يحدث في الحياة.
في المجمل نجد الشاعر محمد طلعت، أنه شاعر يتميز بقدرته على تصوير الحياة والإنسان. تتميز قصائده بالعمق رغم معجمه العامي والتأمل في مفاهيم الوجود والفقدان والحب والألم. يستخدم طلعت تراكيب فنية متنوعة وصورًا جمالية لنقل المشاعر والأفكار بشكل قوي. كما يعكس في قصائده تجارب الحياة والتحديات التي يواجهها الإنسان، مما سيجعل قصائده محط اهتمام القراء والباحثين على حد سواء. اذا اخلص لمشروعه الشعري بشكل اوسع، ليظل محمد طلعت شاعرًا مميزًا في المشهد الأدبي والثقافي وكل التمنيات له بالتوفيق.
الجميلي أحمد يكتب: تجليات محمد طلعت الشعرية