الجميلي أحمد يكتب: الإنسان والشاعر تحليل لأبعاد الذات والواقع في شعر جمال حراجي”
الجميلي أحمد يكتب: الإنسان والشاعر تحليل لأبعاد الذات والواقع في شعر جمال حراجي”
هذه الدراسة ربما تختلف عن غيرها ففيها اتناول شاعر له ثقله ووزنه في الأوساط الثقافية شاعر ينتمي إلي جيل التسعينات
يعتبر تحقيقًا لثراء الأدب الشعبي المصري في الفترة الحديثة أنه شاعر العامية جمال حراجي، فهو يمثل صوتاً مميزاً لجنوب مصر، حيث يتجلى ذلك في لهجته وأسلوبه الشعري الفريد. يعيش حراجي في مدينة الإسماعيلية التي تضفي على قصائده طابعاً محلياً خاصاً، مع ذلك فإن رسالته الشعرية تتجاوز الحدود المكانية لتلامس قلوب القراء في جميع أنحاء مصر والعالم العربي. كشاعر من جيل التسعينيات، يعبر حراجي في قصائده عن تجارب ومشاعر جيله ويعكس تحولات المجتمع وتحدياته خلال تلك الفترة، مما يجعل دراسة أعماله مهمة لفهم الثقافة والأدب الشعبي في مصر لتكون شاهدا فيما قادم علي تلك الفترة.
تعد شخصية الشاعر جمال حراجي وأعماله الشعرية من بين الظواهر الأدبية في الأدب المصري، فهو يمتاز بموهبة وقدرة على تقديم الشعر العامي بأسلوب مبتكر وراقي يجذب القلوب ويحمل الكثير من العمق والمعاني. يتميز جمال حراجي بالتمسك بجذوره الجنوبية المصرية، حيث يعيش ويتأثر بتجارب وتقاليد المجتمع في جنوب مصر، وفي الوقت نفسه يمزج ذلك بتجاربه الشخصية ورؤيته للحياة اليومية في مدينة الإسماعيلية التي يقيم فيها.
إن أعمال جمال حراجي تتميز بجمالية لغوية متقنة، حيث يستخدم اللهجة العامية بشكل متقن ومبتكر ليصف ويوثق حياة البسطاء وتجاربهم بطريقة تتسم بالواقعية والصدق. يعكس حراجي في قصائده صوراً حية وواقعية للحياة اليومية، حيث يستخدم التشبيهات والمقارنات ببراعة ليوصل رسالته ويعبر عن مشاعره وأفكاره بطريقة تلامس وتتفاعل مع جمهور الشعر.
تتسم قصائد جمال حراجي بالرمزية والعمق، حيث يختار بعناية الكلمات والصور التي تحمل معاني متعددة وترمز إلى واقع معين أو تعبر عن فكرة معينة. يتميز الشاعر بقدرته على استخدام الرموز بشكل مبتكر ليعطي أبعاداً إضافية لقصائده ويثري مفهومها، مما يجعل قراءتها تجربة ثرية وممتعة.
وجمال حراجي شاعر ينتمي إلي جيل التسعينات يتجلي لنا كشخصية متعددة المواهب والأدوار في عالم الأدب والثقافة المصرية، فهو شاعر يتميز بقدرته على التعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال قصيدته الذي يصل إلى بها القلوب ويترجم تجارب الحياة بصدق.
بجانب كونه شاعرًا مبدعًا، يتخذ حراجي مكانًا مهمًا في المجتمع الثقافي المصري كعضو فعّال في نوادي الأدب والفعاليات الثقافية. حيث يشغل رئيس نادي الأدب بفرع ثقافة الإسماعيلية ورئيس نادي الأدب المركزي على مستوى المحافظة، وهذا يدل على دوره البارز في تواجده التنظيمي للأنشطة الثقافية ودعم الأدباء والشعراء في منطقته.
ومن خلال مساهمته في تحرير وإدارة المجلات الثقافية، يبرز حراجي كشخصية ذات تأثير واضح في نشر الثقافة والأدب في إقليم القناة وسيناء، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في تشكيل المشهد الثقافي في تلك المناطق.
يظهر جمال حراجي من خلال الدوائر الثقافية شخصيته تجمع بين الإبداع الأدبي والنشاط الثقافي، ويعبر عن تفانيه وتفرده في خدمة الثقافة وتنميتها في مجتمعه.
جمال حراجي، قدم مجموعة من الأعمال الشعرية المميزة التي أثرت في الساحة الأدبية المصرية، حيث أبدع في عدة دواوين شعرية وأعمال أدبية أخرى. من بين أعماله:
دمع النواصي (1989): صدرت هذه الديوان بتكلفة حراجي الخاصة، وكانت طبعة محدودة، إلا أنها حملت في طياتها مجموعة من القصائد التي تعبر عن مشاعر عميقة وتجارب حياتية مؤثرة.
إزاى باخاف (1995): صدر هذا الديوان من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة، وقدم حراجي فيه مزيجاً مميزاً من الشعر العامي والفلسفة الشخصية، مما جعله يحظى بانتباه القراء.
زى ما أكون بتكلم جد (2000): يعد هذا الديوان جزءًا من سلسلة إبداعات حراجي، وقدم فيه مجموعة من القصائد التي تعبر عن الوجدان والتجربة الإنسانية بأسلوبه المميز.
مجرد تخيل (2010): صدر هذا الديوان عن دار المحروسة للنشر بالقاهرة، وقدم حراجي فيه قصائد تعكس تفكيره وتأملاته في الحياة والوجود.
وبالإضافة إلى الدواوين الشعرية، فقد نشر جمال حراجي قصائد ودراسات أدبية في عدة صحف ودوريات أدبية، مثل أخبار الأدب والجمهورية والأهرام والأخبار والأهرام المسائي، كما نُشِرت عنه دراسات نقدية في العديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية، مما يؤكد تأثيره وتقديره في الساحة الأدبية المصرية.
جمال حراجي، ليس فقط شاعراً متميزا بل أيضاً إنساناً طيب القلب وهادئ الطباع، يتسم بالعقلانية والحكمة في تعامله مع الحياة ومع الآخرين. يتمتع بشخصية نقية تنبعث منها روح الصدق والطيبة، مما يجعله محبوباً وموثوقاً به من قبل أصدقائه ومحيطه الاجتماعي.
يتميز حراجي بقدرته على فهم الناس والتعامل معهم باحترام، مما يجعله يكسب ثقة واحترام من حوله. تتجلى هذه الشخصية الطيبة والهادئة في كتاباته الشعرية التي تعكس رؤيته الإيجابية للحياة وتعبيره عن قيم الحب والسلام والتسامح.
ومن خلال معرفتي بحراجي وصداقتي له منذ أكثر من ثلاثين عام فإن حراجي يتمتع بشخصية محبوبة يبعد نفسه عن الصراعات وخلافات الوسط الثقافي
أيضًا عمل جمال حراجي كصحفي، حيث قام بتأسيس مسيرة ناجحة في مجال الصحافة. بدأ مساره الصحفي كرئيس قسم الثقافة والفن في جريدة القناة منذ عام 1989، ويعمل بها حتى الآن، مما يعكس تفانيه واستمراريته في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك، عمل كمدير لمكتب جريدة الأهالي بالإسماعيلية منذ عام 1991 حتى 2005، وقام بتقديم أعمال صحفية مميزة تشمل تغطية شاملة للأحداث والفعاليات المحلية.
استمرت مسيرته الصحفية حيث عمل في جريدة المصري اليوم خلال الفترة من 2006 إلى 2007، ثم انتقل إلى جريدة البديل من 2007 إلى 2009، وبعد ذلك انتقل إلى جريدة اليوم السابع منذ عام 2009 حتى عام 2022، وأخيرًا عمل في جريدة الوطن من عام 2022 إلى عام 2023.
تميزت مسيرته الصحفية بالاحترافية، مما جعله محل تقدير وتكريم من الهيئة العامة لقصور الثقافة وزارة الثقافة في عدة مناسبات، بالإضافة إلى تكريمه من النقابة الفرعية لإتحاد كتاب الشرقية والقناة وسيناء عام 2018 وفي مؤتمر شعر العامية ببورسعيد عام 2013.
وبعد هذه الإطلالة عن الشاعر والصديق جمال حراجي فتعالوا معي نبحر في قصائده لعلنا نستطيع أن ندخل إلي عالم حراجي الشعري ففي قصيدة صمت المباني والتي يقول فيها
سطرين بيبدلوا شكل الحياة
ويغيروا فى صمت المبانى
ووحشة الغربا
ومرورك الخاطف فى الثواني
أكتب لها يمكن ترد ؟
تغير طبيعة صمتها
وتحن للهفة فى أيديك
سيب حروفك حبل ع الغارب
ح ترد ع الحيلة بحيلة
وتقولك الدفا بيحن للمسة أيديك
طب يروح البرد منك فين
وقسوة الجدران
والحياة نقصاها المعانى
كنت أنتظر
لما العتمة تقايض دموعها بالأفراح
لما تشرب الشوارع ميتها المالحة
وترق الأرصفة لحضن المشاة
أكتب لها : عن الحلم اللى شاب
وعن سر الغياب
وسحر الأغانى القديمة فى الفراق
والذكريات المنسية تحت أعقاب البيبان
عن غفلة الحراس لما يحل القضا
ويسرق أخر ضى فى شروق الصباح
أكتب لها ….
القصيدة تأخذنا إلي عدة مفاهيم حيث
يتناول الشاعر فكرة الصمت في المباني كرمز للثبات والوحدة، ومع ذلك، يظهر كيف يمكن للتفاعل الإنساني أن يغير هذا الصمت ويعطيه معنى جديدًا.
يستعرض حراجي الشوق والوحدة والحاجة إلى الاتصال الإنساني. يظهر كيف يمكن للحب والتفاعل الإنساني أن يجلب الدفء والحنان إلى حياة الفرد.
ويعبر الشاعر عن انتظاره للحظة تحول الظلمة إلى نور، وهذا يمثل الأمل في تحول الأوضاع السيئة إلى أفضل.
كما يستعرض الشاعر قوة الذكريات وأثرها في الشوق والحنين، مما يبرز أهمية الحاضر والتفاعل الإنساني في التغلب على الغياب والفراغ.
هذه القصيدة دراسة عميقة للعواطف الإنسانية وتأثير التفاعل الإنساني على الصمت والوحدة، مع تركيز على الأمل والحنان كطرق للتغلب على الصعوبات والغياب في الحياة.
أما في قصيدة وكأن الصبح ما جاش
في الحصة الأولى
كان مدرس جغرافيا
بيشاور للطلبة
على أسماء بلا د نا المحروسة
المملوكة لملوك (التبغ)
والمدهوسة تحت سنابك خيل المماليك
المتروكة سداح مداح
لكل من هب ودب
وحط عزالة وريح للصبح
خرمت ودنه عبارات التقسيم
وعزل الناس العزل تحت التهديد
وشارات الغزو بتملي شاشات العالم
تحت القبة ملوك خايفين
على كرسي إيجار بالشهر
والملك اتباع للي بيملك حق الفيتو
ولا أنة مالك أختام المماليك
مدعو كل صباح يتصدر
إعلان الفرجة على اللحم الحي
والتعليق على لون الدم
وحيثيات الموتى في فرق الأطفال
وعددالاحجار المرية في الثانية الواحدة
على كتايب سرقة قوت الشعب
وهواة الشجب العربي
المتأصل في مضابط برلمانات الجاز
كان فاصل من لحظة يومي بيتكرر
ومصاحب لموكب زفة أهل الجنة لمثواهم
فى بلاد الله
وكأن الزغاريد أتبدلت بدموع
صامتة وهتاف للثورة
وللفساتين البيضا والطرح الدنتيللا
والورد البلدي
للطفل الفاتح صدرة بلاد للموت
الواقف بالمرصاد على وشة
وكأن الصبح ماجا ش
الشمس بتخل بالضى
لكن فرحان
وسايب كل خرايط الدنيا وراه
وسايب غصب عنه
مدرس جغرافيا مازال
بيشاور للطلبة عن أسماء
بلادنا المحروسة
قصيدة “وكأن الصبح ما جاش” لجمال حراجي تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي في مصر خلال فترة معينة، وتقدم نقداً للحكم السائد والتهميش الذي يعاني منه الشعب. القصيدة تستخدم لغة شاعرية قوية ورمزية للتعبير عن الظلم والفساد والقهر.
تجسيد للسلطة الفاسدة: يتناول الشاعر دور المدرس الجغرافي في تحريف الحقائق وتزيين صورة الحكم، حيث يشير إلى استخدامه للسلطة لصالح الحاكمين على حساب الشعب.
التضليل والقهر: يظهر الشاعر كيف أن المدرس يقوم بتزييف الحقائق وإخفاء الحقيقة عن الشعب، مما يؤدي إلى تعزيز القهر والظلم.
الثورة والأمل: يعبر الشاعر عن الأمل في الثورة والتغيير، ويصف اللحظات التي تظهر فيها علامات الثورة والتحرر من القيود والتهميش.
المقاومة والتحدي: يظهر الشاعر تصميم الشعب على المقاومة والتحدي، حيث يصف الشعب بالفاتح لصدره بلاده، وبالواقف بالمرصاد على وشك لمواجهة القهر والظلم.
بشكل عام، تعتبر هذه القصيدة استنكارًا للفساد والظلم ودعوة للتغيير والثورة، مع التأكيد على قوة الشعب في مواجهة الظروف الصعبة والمقاومة ضد الظلم.
أما في قصيدة
“صمت المبانى” والتي يقول فيها
صمت المبانى
سطرين بيبدلوا شكل الحياة
ويغيروا فى صمت المبانى
ووحشة الغربا
ومرورك الخاطف فى الثواني
أكتب لها يمكن ترد ؟
تغير طبيعة صمتها
وتحن للهفة فى أيديك
سيب حروفك حبل ع الغارب
ح ترد ع الحيلة بحيلة
وتقولك الدفا بيحن للمسة أيديك
طب يروح البرد منك فين
وقسوة الجدران
والحياة نقصاها المعانى
كنت أنتظر
لما العتمة تقايض دموعها بالأفراح
لما تشرب الشوارع ميتها المالحة
وترق الأرصفة لحضن المشاة
أكتب لها : عن الحلم اللى شاب
وعن سر الغياب
وسحر الأغانى القديمة فى الفراق
والذكريات المنسية تحت أعقاب البيبان
عن غفلة الحراس لما يحل القضا
ويسرق أخر ضى فى شروق الصباح
أكتب لها ….
حيث يعبر حراجي عن مشاعر الوحدة والانعزالية في وسط الحياة الحضرية. يتم استخدام صور الصمت والوحدة في المباني للتعبير عن الشعور بالغربة والفقدان. يعبر الشاعر عن رغبته في التواصل مع الشخص المفقود أو المبتعد، ويتساءل عن إمكانية استعادة الاتصال والتواصل مرة أخرى.
تظهر في القصيدة تناقضات الحياة الحضرية وتأثيرها على العواطف الإنسانية، حيث يتم تصوير الشوارع الخالية والحياة الناشطة بشكل متناقض. تتنوع الصور المستخدمة في القصيدة بين الحزن والأمل، مما يجعلها تعكس الصراع الداخلي للشاعر وتعقيدات الحياة الحديثة وخاصة أن جمال حراجي ابن البيئة الجنوبية الخضراء.
يتميز أسلوب الشاعر بالرمزية واللغة الشاعرية ، التي تساعد على نقل المشاعر والأفكار بطريقة عميقة ومعبرة. تعتبر القصيدة لوحة شعرية متكاملة تدعو للتأمل والتفكير في معانيها العميقة.
أما في قصيدة يمكن تكون البقعة دم والتي يقول فيها
طالع من الزهرة
ولا كنت في السيما
الموت ما لوش قيمه
لو ح تهتف
وتكسر إشارة
تحت الممر وتعدي
وسط اندهاش العسكري
واللخبطه في اللون
الأحمر الدموي
فيلفك الصمت القديم
ويهددك بصوتك الممنوع
وينزعك م الملعب الأموي
فتقعد على الدكه احتياطي
وتكتم الضحكة
أو تدوب تحت الرصيف
فتكسر إشارة من تاني
“وتطرطق” ودانك
لصفارة العسكري
وتعمل مش مهتم
وتعدي م الألوفات
تقف مبهور على
طرف حبل المشنقة
وتشد روحك
من كتاب المدرسة
ومن نشيد أتمنع من الحفظ
فتغافل العسكري
وترمي نفسك من جديد
تحت الممر
نفس العيوب والوسوسه
يمكن تكون البقعة دم
أو تكون هلوسة
طالع من الزهرة
ولا كنت في الكتاب
حاولت تهرب من دوار البحر
وتخلص حروفك م الهجايه
ومن بدايه بترسمك
خريطه ع الورق
دلتا ونهر
وبحر مزوغ من حصص
التاريخ
ومن الوصايا العشر
طالع من المنفى
ولا بتخاف من المطرا
الموت في جلدك بيعيد
تفاصيل المداين
والقبل ع الشفاه
وبيغافل الحراس
طالع من الزهره
ولا من قلوب الناس.
تُظهر قصيدة “يمكن تكون البقعة دم” للشاعر جمال حراجي صورة غنية وعميقة للواقع الاجتماعي والسياسي. يقدم الشاعر صورًا تعبر عن التضحية والصراع من خلال استخدام اللغة الشعرية والصور البارزة.
“طالع من الزهرة”: هذه الصورة تُعكِس الجمال الطبيعي والهادئ، حيث يتم استخدام الزهور كرمز للجمال والسعادة.
“بداية بترسمك خريطة ع الورق”: تعكس هذه الصورة الإبداع والتفكير للشاعر، حيث يُمثّل الورق الأبيض مساحة فارغة يمكن ملؤها بالأفكار والأحلام.
“دلتا ونهر وبحر مزوغ من حصص التاريخ”: تُظهر هذه الصورة الجمال الطبيعي للمناظر الطبيعية، مع استخدام النهر والبحر كرمز للثراء والحياة.
“ومن الوصايا العشر”: هذه الصورة تُظهر الجمال الديني والروحي، حيث تُشير إلى الوصايا الإلهية والقيم الأخلاقية.
تستخدم هذه الصور الجمالية في القصيدة لإضفاء جو من الرومانسية والجمالية على النص، ولتجسيد الأفكار والمشاعر بشكل أكثر تعبيرًا وجاذبية.
تعبر القصيدة عن الصراع الدائم الذي يمر به الانسان في مواجهة الظلم والقهر، حيث يُظهر الشاعر معاناة الأنسان وتحديه للنظام السياسي والقوى الحاكمة. تُجسّد الصور المستخدمة في القصيدة واقع الفرد الذي يجد نفسه في مواجهة الظلم والقمع، ويحاول بشتى الطرق الممكنة التغلب على هذا الواقع القاسي.
الشاعر يستخدم لغة قوية ومباشرة لتنقل مشاعر الاستياء والغضب، ويعبر عن رغبته في التمرد والتحرر من القيود والقيم الاجتماعية المفروضة. تتراوح المشاعر التي تُعبّر عنها القصيدة بين الإحباط واليأس، وبين الأمل والتحدي في التغيير والثورة.
بشكل عام، تُعتبر قصيدة “يمكن تكون البقعة دم” لجمال حراجي عملًا شعريًا مؤثرًا ينطلق من الواقع الاجتماعي والسياسي، ويعبر عن تجارب ومعاناة الفرد في مواجهة الظلم والقهر.
مفرد تموت
مفرد تعود تانى للدايرة الغلط
تركب حصان من خشب
وتبادل الأغوات ع السرج والنبوت
مفرد بترميك الشوارع للعفار والناس
ولا كنت تعرف فى التعب
ولا كنت ترضى بالنصيب
قاسمك الأسفلت مشوار انتظارك
وشتت على صدرك رخات مطر الجروح
عودت قلبك ع البكا والبوح
من كام سنة وأنت المرابط ع الحدود
من كام سنة وأنت جريح القلب والجته
ساير خطاوى الأرصفة
وألعن زمان الموت بالحته
لساك بترمح ف الوريد
يتشد من ننى حجابك الحاجز
خالفت ظنى المستحيل وخرجت بيك
تاريخ مشوش بالبدايات القديمة والسكوت
مفرد .. تموت
تطلع مع الطالعين للتين والزيتون
ولبوابات القاهرة المسكوكة فيك
ولا عاديات الفاتحين تقدر تحازيك
كل السكك خليت من الفرسان
ألاك بتفضل على الرمال
مفرد تجيهم كل يوم حته
وانت المهىء للأسر والعته
لو تتصلب على ليل حروفك
ينفتح لك باب زويلة
تتبخر الأرض اللي دايسة ف معدتك
ينبش الصبار ضلوعك
يحاسبك الملكان
على مر السؤال والمعجزة
تطلع مخالف للصفوف
ولا عاد لسانك ينقطم
ولا عاد يكف عن الغنا
ولا عدت ترض بالسراق والعزا
قصيدة “مفرد تموت” للشاعر جمال حراجي تعبر عن تجربة الإنسان في مواجهة التحديات والصعوبات في الحياة، وتسلط الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية التي يمر بها المبدع. يتميز الشاعر في هذه القصيدة بأسلوب شعري مبتكر ومشوّق يعكس الواقعية.
تبدأ القصيدة بصورة للشخصية المركزية التي تواجه العديد من التحديات والمشاكل، حيث تعود مرة أخرى إلى دائرة الخطأ وتجد نفسها في وسط العثرات والصعوبات. تُظهر الصورة البارعة لـ للمخاطب وهو يركب حصانًا من خشب، مما يعكس الفقر والعجز والتشتت الذي يعاني منه.
تتوالى الصور في القصيدة لتصف واقع الحياة الصعب والتحديات التي يواجهها الفرد، حيث تظهر صور الشوارع المليئة بالفقر والبؤس والعوز، والمعاناة التي تلازم “مفرد” في كل خطوة يخطوها.
تتجلى رمزية القصيدة في استخدام الصور والمفردات التي تعبر عن الصراع الداخلي للإنسان وقت اليأس والضياع، وتعكس الحرب الدائرة داخل النفس بين الأمل واليأس، وبين البحث عن الحلول والتفكير في الاستسلام.
في خضم تحليل أعمال الشاعر جمال حراجي، نجد أنه يقف كرمز للإبداع في شعر العامية المصري. تتجلى جمالية الصور في قصائده بشكل واضح، حيث يستخدم حراجي اللغة ببراعة ومهارة ليخلق صوراً جميلة تترك انطباعاً عميقاً لدي القارئ. ومع ذلك، فإن الجمالية في أعماله ليست مجرد جمالية سطحية، بل تحمل أبعاداً عميقة من الرمزية والتعبير عن المعاني العميقة للحياة والإنسانية.
يبرز استخدام حراجي للرموز بحرفية عالية، حيث يمكن رؤية تنوعاً وغزارة في الرموز التي يستخدمها لنقل رسالته وإيصال معانيه. يعتمد الشاعر على التشبيهات والمقارنات والصور الشعرية لترسيخ أفكاره وتعبيره عن تجارب الحياة والمشاعر الإنسانية بشكل عميق ومؤثر.
وبهذا، نجد أن دراسة أعمال جمال حراجي تكتمل كمرآة تعكس تجربة الإنسان وتحليلًا للواقع بكل ما فيه من تفاصيل ومعانٍ. إنها دعوة للاستمتاع بجمالية اللغة وعمق الفكر في قصائده، وفي الوقت نفسه، دعوة للتأمل في الرمزية والتعبير الشعري الراقي الذي يتقنه حراجي ببراعة وإتقان.
الجميلي أحمد