أحمد بيضون يكتب لأني أحبك

لأنِّي أحبُّكِ…
زممتُ شراعاتي وأسكنتُ أشعاري يبَاب الرّحيل…
بحثت عن وطنٍ بديل…
وجادَت لحاظي رصيفَ الذكريات…
وتهمسُ ليرَاعي همساً ثَقيل…
أجوبُ مداراتِ المستحيل…
أهَمهِم كلماتٍ لنسيمٍ عليل…
غزتْ شطآنيَ بيادراً قد وطأتَها قدميْكِ..
فكانت خسارتي ونُلتِ من الانتصاراتِ إكليل…
هجعتُ من حُلمي بالمدى الطويل…
وأخذَت رياحُ اليأس تجذُّنِي بمِعوَل أصيل…
صحوتُ من شرنقات الوجود وكاد فِراشِي يميل…
أغمضت عيناي المُغرورقَتان بالدموع
فلمْ تعد تُبصر جفناَ كَحيل…
ومازالَ قيظي يغلِي بنار العاشقين
واحدوْدبَت خاصراتي من آهاتٍ؛ فأنا بالأسفَار نزِيل…
يا رياحي!…
لم أعد أرى شَارات النّصر تعلو الهامَات أو لحبّي مُستَقيل…
ألوذ بعوسجٍ وتلوكني الأشواك
ومازال الأراكُ بباحك يفوحُ القَبيل…
مازلتِ تسرقين أضوائي الخافتات
حتى ادلهمَّ رضابي ولم يبقَ إلا القَليل…
لأجلُكِ ..أوشوش أصداف البحر…
لا يُضنِيها تقلّب الأجواء والأنواء وتحتمي في صخرْ
لها مطلق العنَان تسري براً تمورُ أمْ بحر
تحوي دُرّاً بأحشائها لا تخشى الدهر…
يرمُقها العاشقون فيزدادون جمالا بلا عُذر…
تخاطبُ كل سائلٍ يدنو ليقطفها كالزَهر
فأيّما رفيق تأمّلها؛ تُناجيه بلا ضجر
تُسائلهُ :رويْدك يا خليلي هنالك بين الشجر
خُلقت لكي أعاهدكَ بميثاقٍ طوال العمر
أصاحب كلّ ملتاعٍ إن كان كبيرا أو صَغُر
أعانق ودْعَ العرافاتِ وتوثقُ رِبْقي لتكوني القَدَر
يغمرُني رمضاء الشمس ويلحفني ضياء القمَر
فيسبح سنا نوري فيصبح العرجون كالبَدر
أنا هنا في مَرقَدي ثاوٍ على جلمود بجانب النهر
أنا هنا بلا مشاحنات أوغلَبة من عشقت أو قهر
أنشد أهازيجي مع الطبيعة فتتخلّل موسيقاي الغَمر
فإن فنى وجودي؛ فستسقين المُرّ.
وفي غربة الأيام.. فُلكِيَ المشحون دلف
يشد الرّحال لأرض شطآنها من الغرف
ليس هناك من يحمل كرهاً لي أو ألف ..
أنا هنا في شتات أحلامي ألتحف بالصدَف
سأنتظر الحياة كما أراها بلا زيفٍ أو تَرَف.
أنايَ أنتِ.. ولم يعُد بوسعي!..
أن أطلقَ سراحَ وُحيّ أقلامي
لكنّي أوصدتُ أبوابي…
مازلت أنبش الذكريات بحثاً عن روائي
عاهدتُ أربابي أن أكتب رواياتي…
في محراب العاشقين..
نزواتي في محيّاكي لا تزال تكتوي…
انبهاري بخيالاتي الساميات لا يكتفى…
لوعة انكفاءاتي لا تنجلي…
انبعاثاتي.. انطفاءاتي لا ترتوي…
فابعثي يمامك بالرسالات واوقدي هدأة عتمتي…
لترفُلَ لواعجَ الصمت ببوْحٍ ينبري…
هاكِ رياحي مغلولة الأعناق لا تشتهي
مآرب عشق وكبرياءٍ ينزوي…
هاكِ صراعاتي كما قيل عنها كمعولِ
ونواقيس النُّذر ليست بمبشِّر …
مفاتيح الغيب لستُ لها بعالِمِ …
خُصُلات المشيب برأسي تبكي خيبَتي…
في دجنة ليلي الكالح.. وعيناي
لا تهتدي…
شتانَ بين أمسي وغدي…
سِيّانَ كان يأسي ومطلبي…
حيرانا كنت أنا..
بلا كونٍ يحرسني.. تداعبيه، يا أنتِ، من يدِ
بلا أرض تؤويني.. تفهمني ولا تعتدي
بلا قلبٍ أكله الدود ولا ينمحي
سأتوضأ بقدسية أمطار السماء.. فهي مسلَكي
سأسرق بيدراً من الأضواء هناك ..
بين الأقمار والنجوم وأسري بمصعدي
سأترك رصيف الذكريات خاويةً بلا مرجع
سأصنع تاريخاً من الحروف وأرسم سجالا
بأناملي…
ألاَ فاسمعِ، رعدي هناك يخاطبكِ لتقتدي …
هاكم المزهريات يا أنتِ.. تعج السرائر وتتّقِ
شُروراً قد تنامت بلا قصدٍ أو تعنّتِ.
خارت قوايَ ..ونَفْسي أخالُها كمَن كاء الوعود
وقد طفق الكيلُ من سؤددٍ بلا حدود…
ارتديتُهكِ تميمةًٌفي صدري كيما تعودي
واستمر الضوء شاخصاً أمام لحاظي في قعودِ
عبَثاً تراءى من سرابٍ غير مقصود
لن تعود…
فقد اقترفتُ آثاماً.. ولم يزلْ قلبكِ في جمودِ
سقيْتُكِ سمّاً بلا سلامٍ.. محوتُ لحنَ الخلود
واصعّدت نغمات الخصام في صعودِ
لن تعود ..
وستقبع أنتَ في شتاتٍ.. في شرود
مهما بلغتُ من صمود
ستتجرّع علقَماً من جحود..
فاثوِ هنالك بجانب الجلمود..
واحشد من الأضواء وانسج من حشودِ..
لملم جراحاتك وامضي في كنود..
فلم يعد هنالك مثيلاتٍ كالورود..
صنيع المرء ما يجود به ..
أما أنتِ فقد كبّلت من قيود.
فأَرْثي لحاليَ الآن فلا أرضاً أطيق ولا من النجوى سماه…
أراك بين التخوم والأفلاج ولما بلغ البدر منتهاه..
أراك في انشطاراتي وأهوائي وفي مُحياكِ تحنو الجباه..
سأمكثُ في ضباب السراب وأمشي كالحُفاه..
سواكي لا معنى لحياه..
رسائلكِ إليّ بعثُ الوحاه..
فعُمري لم يعد فيه..
بقيةٌ تكفيكي صبحاً أم مَساه
رويدك ورفقاً بحالي.. هائنذا أثوي هائماً بسكَراتي
أمازلتِ تصهلين في صهوة الضمير تتلذذين فناه..
أحبّي إليك كأني ذو جاه؟!
أمْ تبغينَ مداهنةً من وسَطاء الوشاه
فقسماً بمَن رفعَ السما..
لن أخورَ أم أكن كمن تدهورت قواه
دلفت المشاعر زلفى في دروب العاشقين ..
إلى قَضَاه
فبئس المسعى وتباً لمُناجاه
كَفى وحسبكِ يا من لمراقد أحزاني شكواه
سأنسى طيفك وأنت من ستخسرين مُوالاه
نضبَ الجمال الآن!
فلا جدوى منكِ؛ فمَن لمغارات ثغائي سلواه؟!
كفاني ازدهاء، سأحيا بفَخرٍ.. جُلُّ ما أتمناه
فلستُ شامتاً ولكنّي بصيْرُورتي كما في صِباه
وأنتِ في كوَّة الطامحين تنطُرين صولجان الطغاه
لأنِّي أدركت مَعنى الحَياه
ففي فرادس العشاق طوق النجاه!!…