فاطمة البسريني تكتب عملية نسخ
ــ كم كنت من قبل ؟ كم ؟ أراهن أنك نسخا متعددة منك !
كل نسخة تمحو وتفني النسخة السابقة منك ..
ـــ كيف ذلك ؟
ــ لا شيء، إنني فقط أبحث عن النسخة الأصلية منك .
ــ ماذا تفعل في حياتك ؟
ــ أقتل النساء…
أصدر قهقهة صغيرة متهكمة، ليغطي ما أحدثه كلامه من دهشة على صفحة وجهها،
وبلامبالاة وليصبغ على كلامه صورة مجازية أكد لها بنظرات مطمئنة:
ـــ أنا مصور ..
وأنت ماذا تفعلين بأيامك ؟
أجابت بغموض :
ــ أنا عابرة سبيل فقط .
قال وقد استفزه جوابها :
ــ هناك أيام هكذا ، أريد أن آتي إلى هنا باكرا ، أستعد أمام فنجان قهوتي ، أشعر بالمكان ، أحاول أن أقابل الذين يعبرون فقط وأحتك بهم أقوم بتصويرهن وبعد ذلك ..
صمت قليلا ،
ــ ماذا بعد ذلك ؟
أجابها من خلال قهقهة صغيرة مرة أخرى وكأنه يتحداها :
ــ أقتلهن ..
جحظت عيناها من الخوف والدهشة من صراحته ، فأسرع يطمئنها:
ــ لا تخافي، أنا مصور محترف فقط.
واستمرت قهقهته قليلا إلى أن غابت داخل حنجرته.
كان بقهقهته الصاخبة تلك يحاول أن يخفي ما يدور في رأسه من عواصف وصراخ ، صراخ لا يكاد يسمع معه شيئا .
هناك أصوات غريبة تصرخ في دماغه ليصل الصراخ إلى حلقه ويكاد يخنقه عندما يستوعب ما يأمره به ذلك الصراخ : ( اقتلها ..اقتلها ) .
يحاول أن يهرب من أفكاره التي تحيط بعنقه في محاولة خنقه من جراء نظره إلى السماء وتفكيره القوي، يتبادر إلى ذهنه ( إن لونها الأزرق الشفاف اليوم، ليس كلونها الرمادي بالأمس ..) .
وأخيرا عندما هدأت العواصف الصارخة في ذهنه ، نظر إليها بحنو وقال في نفسه ( سأقتلها في الدقائق المقبلة دون شفقة وبعدها سيأتي الليل ويصبح الجو دافئا والجدران قد تشبعت بحرارة روحها كأنها حرارة شمس النهار ..) .
هذه الفكرة جعلته يهدأ ذلك الهدوء الذي يحسه عندما يتخذ قراره النهائي بالنسبة لأي شيء هام كان يقظ مضجعه .
قال لها وقد علت شفتيه ابتسامة ساحرة:
ـ احكي عما يوجد في دماغك خلف ابتسامتك الجميلة ونظراتك الساحرة التي توزعين طول النهار وكأنها ورودا حمراء يانعة ..
لديك الكثير لتحكيه أليس كذلك ، وأنا لدي الكثير لأتعلمه منك .
وانتابته أفكار مفزعة عما سيحدث لها بعد قليل ،
(لإنك تلهمينني كيف سأقتلك وتجعلينني أضحك من ثقتك بي وأشعر أن الحياة جميلة جدا ، عندما أصادف شخصا مثلك .. وعندما يكون المشروب الذي أشربه بجانبك لذيذا وعندما يبتسم ا لنا س .)
وكانت هي مازالت تبتسم له ببلاهة أيضا وتنظر إليه وكأنها مسحورة، لم يخطر على بالها أبدا أنه فعلا سيقتلها بعد قليل، فنظراته إليها تحتوي على الكثير من الحنو واللطف والسحر أيضا.
طافت بشفتيه ابتسامة خلابة، لا توحي أبدا بهول ما سينطق به قال لها بود ومحبة:
ـ أنت لا تصدقين حقا أنني سأقتلك أليس كذلك وتفهمين جيدا مغزى كلامي..
أجابت بصدق وبراءة :
ــ لماذا أشك أنك ستقتلني، وليس بيننا شيء ولا سبب يدعوك إلى ذلك؟
أنا لا أعرفك، وأنت جلست دون سبب إلي في هذا الركن الهادئ المنعزل من هذا المقهى دون أن أطلب منك ذلك ..
على كل حال، أرجو أن تتركني لحالي، أشرب قهوتي في سلام ،
عادت إليه قهقهته المغرية بالأمان والسكينة وكأنه يسخر من كل العالم أو بالأحرى من كل نساء الأرض .
رد عليها والابتسامة لا تفارقه :
ــ طبعا سيكون لك ذلك ، سأتركك ، لكن هناك سبب قوي لجلوسي إليك دون دعوتي، لقد أخبرتك في بداية حديثنا أنني مصور محترف ،
هل تسمحين بأن آخذ لك صورة .
وبينه وبين نفسه تابع الحديث ( لأن صنفك والنساء كلهن نسخ لبعضهن من صورة واحدة وهذا يؤلمني جدا، لكنني لا أحقد عليك أبدا فروحك ستكون لي بعد دقائق قليلة وكما يقال الحياة قصيرة جدا لنبكي حيا ميتا ولنشرب قهوة سوداء مرة دائما بسبب نساء مثلك )
نهض من مكانه واقترب منها وأخذ كتفيها بين يديه وقد فاجأها بتصرفه.
ظلت تنظر إليه مشدوهة، وقد أصابها رعب شديد أوقف كل الكلمات في حلقها فلم تستطع أن تصدر صوتا لطلب النجدة.
قال لها وقد ضغط بكل قواه عليها لتظل مسمرة في مكانها لا تستطيع حراكا وقال لها بصوت خشن خافت بالكاد استطاعت سماعه:
ــ ما كان عليك أن تصدقي نفسك وتثقي فيها كثيرا ، أنت لست سوى نسخة لصورة ، صورتها ، وأنا بارع في عملي .
مرت يداه بسرعة البرق إلى حنجرتها ولم يتركها إلا عندما سمع طقطقة الموت وحشرجته تنبعث منها وعظامها التي تتكسر في صوت متناغم يحبه كثيرا.
تركها وقد اختنقت بعظامها على ذلك الكرسي في ذلك المقهى الخالي من الناس في هذا الوقت من النهار، وانسحب في هدوء مبتعدا وقد عمه فرح ما وهو يمني نفسه ببعض الراحة ( لقد حان الوقت لأرتاح قليلا ،
أما هي قد أصبحت الآن مجرد نيجاتيف فقط من صورة وذكرى ورقم يضاف إلى نسخ قديمة من صوري الأخرى .
أصبحت ذكرى وغياب يملأ وقتي لكن الحضور هو ما ينقص حياتي ،)
التفت وراءه قليلا ( أعدك أن أجد صورة أخرى حية كما كنت قبل قليل ، وأعدك أن أقتلها . )
فاطمة البسريني _ المغرب