“كلاب تنبح خارج النافذة”.. رواية صبحى موسى تعالج الآثار النفسية لثورة يناير
صدرت حديثا عن دار صفصافة للنشر رواية “كلاب تنبح خارج النافذة” للكاتب صبحي موسى.
تنطلق الرواية من تساؤل بسيط مفاده: ما الذي حدث للمصريين بعد الثورة التي جاءت على جزأين، الأول كان في يناير من عام 2011، أما الثاني فكان في يونيو 2013، وكلا الجزأين حمل توجها مختلفا عن الآخر، مما تسبب في هزة وارتباك لكثير من المصريين الذين نزلوا سواء في الأولى أو الثانية، وهو ما حاول الكاتب أن يرصده على مدار الرواية، التي جاءت على جزأين أيضا، حمل الأول عنوان “أنجريتا”، و الثاني عنوان “فئران بدينة”.
اختار الكاتب صبحى موسى لروايته بطلا يعاني من عجز ذهني، حيث يعمل في مؤسسة حكومية قريبة من الميدان الذي شهد أحداث الثورة، وهو ابن عالم وعالمة كيمياء ماتا في حادث سير، وتركاه هو شقيقه المصاب بنفس العجز الذهني في رعاية عمته التي تعمل مدرسة تربية فنية في إحدى المدارس، لكنها كانت متزوجة من رجل ينتمي إلى جماعة الإخوان، وبعد وفاته اعتبرها صديقه ومحاميه المنتمي للجماعة في رعايته هي وابنها ياسر.
وتنطلق الرواية من نقطة مثيرة لفضول القارئ، حيث يجلس السارد أمام شاشة الكمبيوتر، ويجد رسالة الكترونية تخبره بأنه تم تكليفه بمراقبة هشام، وسرعان ما يجد في الصباح من يسلمه شيكا بعشرين ألف جنيه، وتأتيه رسالة أخرى بأن هكذا بدأت المهمة، لنجد أنفسنا مع السارد أمام رحلة البحث عن هشام، والتعرف على عمله في هذه المؤسسة الحكومية، وعلى زميلته جيهان التي يحبها ويعتبرها أجمل من ليلى علوى، فيتعرف عليهما، ويمنحه القدر فرصة العمل معهما حين يرى أن الكثيرين يقدمون على وظائف للعمل في هذه المؤسسة بعد الثورة، ويقع بدوره في حب جيهان، لكنه عينه ظلت على رعاية هشام حسبما تقتضي مهمته.
ليس عالم المؤسسة الحكومية ولا أحداث الثورة التي تندلع في الميدان من جديد، هي كل ما تعرض له المؤلف بالرصد، فهناك عالم “أنجريتا العظمى” تلك التي تحولت من قرية ريفية إلى مدينة، لكنها لم تفلح في أن تكون هذا ولا ذاك، إلا أنها مكان مليء بالمشاعر والأحداث الإنسانية، فهناك بار لامبو العجوز الذي يعتبر مركز أحداث رئيسي في النص، حيث تتجمع الشخوص وتدور الحوارات، وهم جميعا شخوص فاعلون في رواية “كلاب تنبح خارج النافذة” بأحداثها وتفاعلاتها وتحولاتها الكثيرة.
عمد الكاتب صبحى موسى إلى تقديم أغلب الشخوص إن لم يكن جميعهم ذوي عجز أو ضعف ما، فجميعهم مصابون بأمراض متباينة، في الغالب أمراض نفسية جراء عدم القدرة على التوازن مع الهزات والتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، لكن بعضهم أيضا مصاب بعجز جسدي واضح مثل رزق الله الذي يعاني من قصر إحدى ساقيه عن الأخرى، ولامبو الذي مر القطار على جسده، فعاش ما بقي من حياته بساق واحدة وذراع وحيدة، وهشام وأخيه الذين يعانيان من عجز ذهني واضح، لكن المرض النفسي كان الأمر الغالب على كل شخوص الرواية. وكأن الكاتب أراد أن يخبرنا بأن الثورات لها تأثيراتها النفسية التي لا ينتبه إليها الجميع، لكنها يستسلمون لضرورة الحياة ويكملون طريقهم بكل ما أصيبوا به من جروح سواء في الجسد أو الروح.
وجاء في كلمة الناشر على غلاف الرواية: إن الحكاية تدور في سرد دائري، وبناء متداخل ينمو كلما أوغلنا في التفاصيل، وهي كتابة بإيقاع لاهث متصاعد، تمكن فيها الكاتب من جذبنا إلي عمله عبرها منذ السطور الأولى، ليجعلنا متورطين معه ومع أبطال العمل ذهابا وغيابا، من وسط العاصمة إلى تخوم المدينة، في رحلة ثقافية عبر المدينة قبل أن تكون مكانية.
الكاتب والروائي صبحي موسى بدأ حياته الإبداعية شاعر قصيدة نثر، أصدر خمس مجموعات شعرية هي “يرفرف بجانبها وحده”، و”قصائد الغرفة المغلقة”، “هانيبال”، “لهذا أرحل”، “في وداع المحبة”. وقد صدرت له ثماني روايات من قبل، هي: “صمت الكهنة”، “المؤلف”، “حمامة بيضاء”، “أساطير رجل الثلاثاء”، “الموريسكي الأخير”، “نقطة نظام”، “صلاة خاصة”، “نادي المحبين”.
حصل صبحى موسى على جائزة نجيب محفوظ من المجلس الأعلى للثقافة عام 2018، وجائزة أفضل عمل روائي من معرض القاهرة للكتاب عام 2013.