الجميلي أحمد يكتب: المثقف المزيّف: حين يصبح الإبداع سلعةً في سوق الوجاهة

الجميلي أحمد يكتب: المثقف المزيّف: حين يصبح الإبداع سلعةً في سوق الوجاهة
في مشهدٍ ثقافيٍّ مأزوم، يظهر المثقف الحقيقي بوصفه صوتًا للوجدان الجمعي، لكنه يجد نفسه أحيانًا محاصرًا بمن دخلوا هذا الوسط لا حبًّا في الفكر ولا شغفًا بالإبداع، بل بحثًا عن وجاهة اجتماعية أو ترفٍ فكريٍّ مدفوع الثمن. هؤلاء لا ينتمون إلى الثقافة بروحها العميقة، بل يتعاملون معها كسلعة يمكن شراؤها، مثلما يشترون التحف النادرة أو اللوحات الفنية التي لا يدركون قيمتها الحقيقية.
الإبداع ليس سلعة للبيع
الموهبة لا تُشترى، والإبداع ليس شيئًا يُنقل عبر عقود البيع والشراء. فمن يكتب نصًا أدبيًا أو قصيدةً أو روايةً لشخصٍ آخر مقابل المال، لا يترك أثرًا حقيقيًا في ذاكرة الأدب. قد تُطبع الكتب وتوزّع، وقد يحتفي بها الإعلام، لكن التاريخ لا يعترف إلا بالمبدع الحقيقي، ذلك الذي يسكب ذاته في كلماته، ويترك أثرًا يُقرأ عبر الأجيال. أما من استعان بغيره ليرتدي ثوب المبدعين، فلن يكون سوى صورة زائفة، مهما أغدق على اسمه بالجوائز والفعاليات المصطنعة.
مديرو المؤسسات الثقافية بين الإغراء والضمير
في هذه السوق المتحولة، يبرز دور المؤسسات الثقافية والمجتمعية التي يُفترض أن تكون حاميةً للإبداع، لكنها للأسف تقع أحيانًا في قبضة المال. بعض مديري هذه المؤسسات، ضعاف النفوس، يتحولون إلى سماسرة ثقافة، يبيعون الجوائز، ويفتحون الأبواب لمن يدفع، ويغلقونها في وجه أصحاب الموهبة الحقيقية الذين لا يملكون سوى أقلامهم.
هكذا، تتشوه معايير التقييم، ويصبح “الأديب المزوّر” نجمًا، بينما يبقى الكاتب الحقيقي في الظل. غير أن هذا البريق المصطنع لا يدوم، فكما أن الذهب يظل ذهبًا، يظل الزيف هشًّا لا يصمد أمام اختبارات الزمن.
الإبداع كهوية لا تُزيَّف
الأدب الحقيقي ليس مجرد تراصٍّ للكلمات، بل هو انعكاسٌ صادقٌ لروح كاتبه، وتجسيدٌ لتجربته الوجودية. كل نصٍّ يحمل بصمات صاحبه، يفضح روحه، ويكشف أسلوبه، فلا يمكن لأحد أن يكتب للآخرين دون أن تبدو الفجوة واضحة بين الاسم المطبوعة عليه الرواية، وبين الروح الغائبة عن سطورها.
لذلك، فإن من يبيعون إبداعهم للآخرين، أو يستأجرون أقلامًا لكتابة سيرهم الذاتية وأعمالهم الروائية، هم في الحقيقة عابرون في مشهد الثقافة، لا أثر لهم في ذاكرة الأدب، ولا مكان لهم في وجدان القارئ. أما الكاتب الحقيقي، فيبقى، حتى لو تأخر الاعتراف به، لأن الكلمة الصادقة وحدها هي التي تعيش.
قد يستطيع المال شراء الألقاب، لكنه لا يستطيع شراء الإبداع الحقيقي. قد تروج الأسماء المصطنعة، لكنها سرعان ما تبهت حين توضع أمام اختبارات الزمن والنقد العميق. فالكاتب الذي يكتب بروحه، لا بماله، هو وحده الذي يسكن ذاكرة الأدب. أما من اشترى نصوصه كما يُشترى أثاثا فاخرا، فسرعان ما يجد نفسه مجرد ديكورٍ تافه، في مشهد ثقافي عابر.