قراءة بقلم د. سامية توفيق في رواية ” أحزان الربيع” للكاتب أحمد محمود

أتطرق في هذه السطور القليلة إلى الحديث عن رواية “أحزان الربيع” للكاتب المرموق أحمد محمود. تاريخ النشر عام 2023. الطباعة: مكتبة السكرية للطباعة والتوزيع. تقع الرواية في 95 صفحة.
المتعارف عليه أن فصل الربيع من الفصول المبهجة البراقة، فيه تتفتح الزهور والورود، وفيه صفاء الجو والحالات الإجتماعية الجيدة للبشر من السرور السعادة والإنشراح، دون الصيف وحره والشتاء وبرده والخريف وتقلب الجو فيه.
نحن هنا أمام ظاهرة تناولها الكاتب أحمد محمود في روايته هذه وبها مغزى سنحاول الوصول إليه والتعرف على أسباب هذا المسمى “أحزان الربيع”.
الكاتب في مقدمة كتابه ينوه إلى أن الإنسان لا يفقد ثقته في ذاته مهما ثقلت الهموم والأوجاع وأهل الشر في الحياة، لأنها هى الدواء والشفاء.
وفي التنويه أشار الكاتب أحمد محمود إلى أن هذا العمل من وحي خياله ولا يمت بالواقع بشيء. يتحاور مع أشخاص في العمل وبطل الرواية قد خُدع في أناس إعتقد أنهم أصدقاء مشوار العمر. وهم تنازلوا عنه وتركوه وحيدًا مع همومه وأحزانه.
يستهل الكاتب بالحياة والأمنيات والآمال وهل يمكن أن تتحقق في ظروف الحياة الصعبة، وهل تجد من يساعدك في تحقيق ذلك.
البطل في الرواية عصام سليم – شخصية حالمة في ربيع العمر يتمنى لنفسه أن يكون كاتبًا مشهورًا في مختلف المجالات، ولديه من المؤهلات ما تمكنه من ذلك. وقد عانى الكثيرفي فترة دراسته الثانوية والجامعية في كلية الحقوق. وكان يشعر في فترة دراسته في هذه الكلية بالغربة والشعور أنه وحيد في هذا العالم. وقد كسر هذا الشعور بقراءة الصحف والفنون والآداب. وإهتم بها كثيرًا دون الكتب الدراسية كمعالجة لحالة الغربة، التي يشعر بها. وإهتم كثيرًا بسماع الراديو وبرامجه المختلفة، وإبتعد تمامًا عن دراسة القانون في الجامعة حتى أصبح ضحية بين الإثنين: الإطلاع أم الدراسة، مما دفعه إلى التغيير والذهاب إلى أكاديمية الفنون والدراسة بها.
كانت صعبة الحصول عليها وهو شاب يعيش في القرية والأسرة تعتمد عليه، لكنه تقدم للإمتحان ورسب. شعر بالحزن أكثر وأكثر. كانت حياته في تلك الفترة مليئة بالأحزان. وهو أيضًا لم يستطع الإقتران بالفتاة، التي أعجب بها. فأخذ يكنب خواطر وأبيات شعر حزينة يتنفس بها عن نفسه.
ألهى نفسه بالسهر ولقاء أصدقاءه وزملائه وروايته لهم عن معرفته بالأعمال الفنية من قصة وسيناريو وحوار، ووجدوا فيه الملائمة في دراسة الفنون دون القانون. كانت له شخصية إنطوائية خاصة. وهم لا يدركون كم الإنفجارات اليومية، التي بداخله والأحزان.
وفي حواره مع أحد الأصدقاء عن السياسة والحياة بين الشعوب، فكانت إجابته، أن الإمبراطوريات التي قامت على الإستبداد والإستعمار زالت، وأن ما قامت على القيم والمعاني الإنسانية بقيت ودامت مثل الحضارات الإسلامية والقبطية.
إلتحق بإحدى الصحف الإقليمية الموجودة في المديتة والقريبة من الكلية. ولمع صيته فيها. تقدم لمسابقة حول أدب الأديب الكبير نجيب محفوظ وحصل على الجائزة. وإستمرت حياته بين الصعود والهبوط والبحث عن الرزق في مجالات مختلفة.
إستمر في القراءة والإطلاع وحضور الندوات لكبار المفكرين والكتاب والأدباء. وتطرق إلى أبواب كثيرة لتدعمه وتعينه وتخرجه من أحزانه المتراكمة بالإلتحاق بإحدى المؤسسات الصحفية. وهناك إستطاع أن يثبت ذاته فيها. ونشرت بعض من أعماله في الصحف. بعدها ترك العمل في تلك الصحيفة لمعرفته عدم الجدية في الوقوف بجانب البسطاء والمهمشين.
يصف الكاتب كيف يعيش بطل الرواية عصام في حوارات قاسية مع نفسه وزمنه وحياته. يشعر فيها بالحزن الشديد ويبحث عن ما ينقذه من هذا الجحيم، الذي يعيش فيه. وكان يهون عليه هذه المأساه هي وجوده بين الأسرة والأم حيث الدفء والحنان.
يعيش البطل تأملات الليل والنهار وما يصدر منهما من ألحان ونغمات تشدو في وجدانه ويتأمل قدرة الخالق العلي القدير.
وبعد عناء شديد عاد إلى القاهرة وإلتحق بإحدى الصحف ذات الترخيص الأجنبي. وزادت شهرته وما يقدمه من أعمال فنية ذات قيمة تخدم قضايا المجتمع. قام بتقديم برنامج في إحدى المحطات الفضائية. وكان هذا حلم حياته وتحقق. نال برنامجه نجاحًا باهرًا، وذلك بإستضافة شخصيات بارزة في الأوساط المجتمعية. وحبه لأمه وعشقه لها ودعواتها له بالتوفيق والنجاح الدائم والمستمر. لكنه بعد فترة من العمل ضاق صدرة من المجاملات والمحسوبيات للأقارب والمعارف وتعيينهم في المراكز مع عدم الكفاءات المهنية.
يشيرالكاتب أحمد محمود هنا أيضًا إلى أن البطل عصام قد فكر في نقل برنامجه الناجح إلى البلاد العربية وتناول القضايا الإقتصادية ومخاطبة شرائح من المثقفين والمهتمين بقضايا الإقتصاد والإستثمار في المنطقة العربية. لكن هناك معوقات لتنفيذ الفكرة من عدم وجود إمكانات مالية لازمة لإنشاء قناة فضائية تحقق أهدافها ورسالتها الإعلامية.
قام بزيارة السفارات العربية المعتمدة في القاهرة والحديث مع المستشار الإعلامي بها حول أهداف البرنامج والقضايا، التي يتناولها. وكانت هذه الزيارات ناجحة لدرجة دعوة البرنامج زيارة سفارات بعض الدول العربية منها الجزائر والبحرين والأردن. وذلك بجهد وإجتهاد منه دون الحصول على اي شيء مادي أو حتى كلمة شكر. وهنا يسأل نفسه: لماذا لا يحترم البشرالمجتهدين والمبدعين والمطورين والمنتجين، وإنهم من يصنعون الأقضل للمجتمع. والذي يجني ثمار هذا الأفضل هم فقط أصحاب المال والمؤسسات والشركات والقنوات.
وبفضل نجاح برنامجه دعيى للسفر إلى البلاد العربية. وقام بتسجيل حلقات، وزيارة الأماكن والمشروعات التي تعطي الفرص الإستثمارية الجيدة هناك.
وفي مشوار حياته الحزينة مر بظروف قاسية في عمله بين الصعود والهبوط والحسد والنفاق من كبار المسئولين، للأسف لم تنطفئ شعلة اللهب في داخله، وتمزقه. يظل وحيدًا يعاني كل هذا العذاب في نفسه دون رفيقة درب ترفع من معنوياته. ورغم كفاءته، فإنه لم يعجب الرؤساءه الأفاقين المنافقين.
طرق أبوابًا كثيرة لإختيار شريكة الحياة. وعانى الكثير من الصعوبات لتحقيق هذا، والفوز بما يتناسب معه وحياته وعاداته مع شريكة الحياة وتكوين بيت عامر بالحب والمودة والسكينة.
وحزن شديدًا لوفاة أمه، التي كانت تمنحه الأمن والأمان والطمأنينة. وساعده الله في نسيان أحزانه بأن قام بتقديم برنامجه الناجح في قنوات عربية. وبعد العمل بها لأكثر من عامين دون الحصول على راتب، أغلقت القناة الفضائية. وهكذا عاش حياته في صراعات مع الزمن
.
ونحن القراء عشنا ونعيش مع الكاتب القدير أحمد محمود وروايته “أحزان الربيع”، وكأننا نعيش واقعنا. يربط الأحزان المتراكمة في صدور البشرية، والتي تتلائم مع خريف العمر وتقلباته، والشباب والحيوية وربيع العمر.البطل فيها ليس صلاح، بل هو أنا وأنت وصراعات الحياة الحلوة والمرة.
الرواية واقعية تلامس البشر داخل المجتمع. وتنظر إلى الربيع حيث المرح والفرح والسعادة، إلى الحزن. الرواية جيدة الأحداث والتسلسل الدرامي متوافق. وتعطي تحذيرًا من الوقوع في عالم الأوهان والحزن، مشيرة بطريقة إستنباطية إلى عالم التفاؤل والمرح والسعادة.