أخبار ثقافيةأخبار عاجلةالرئيسية

“خَلَل في الـمشهد السَّابع”.. شجون الذات وشؤون القلب بحُلّة شعريّة مبتكرة

إصدارات

عمّان – متابعة أوبرا مصر

على الرغم من اشتباكه مع التراث تارة، والراهن والعيش تارة أخرى، غير أن شجون الذات، وشؤون القلب، تظلّ الفضاء الرئيس، الذي يتحرّك في الشاعر الأردني الدكتور خلدون امنيعم، في مجموعته الشعريّة الجديدة “خَلَل في الـمشهد السَّابع”.
في المجموعة نفسها، وقد صدرت حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون”، الأردن (2025)، يترك الشاعر امنيعم الأبواب المطلة على ذاته مشرعة أمام القارئ، الذي لن يجد صعوبة في اكتشاف تلك الذات، وعوالمها، بخاصة إذا كان التأويل رفيقا له وهو يتنقل بين قصائد المجموعة.
ولعل عناوين المجموعة تختزل الكثير مما يريد أن يقوله الشاعر في هذه المجموعة، وبعضها يكاد يكون قصيدة بحدّ ذاتها، وهي عناوين تدور في فلك الذات، والحب، ومنها: “دَمي غَيْمةٌ والمَدى جَسَدي”، “لماذا يَبْتلُّ العالمُ، كلّما رأيتُ غيمةً في سريري؟”، “كلّما حلمتُ بفراشةٍ احْترقَ جناحاها”، “روحي جَدْول صَغيرٌ يَسْقي سِنديانةً عَطْشى”، “غَدي ذاهبٌ إلى خصلةِ شعرِكِ البَيضاء”، “كَبُرْتُ، خُذي فَرسي واذْبحيها على مدخلِ البيت”، “سأفسحُ مكانًا لقبّرةٍ صغيرةٍ في صَدري”، “لُغمٌ تحتَ قَدمي، قَبِّليني، وَامْضِي”، “سأسرقُ من عينيك جذوةً، الصّقيعُ يُداهمُني”…
يستهلّ امنيعم المجموعة بـ”بيتُ الأنفاسِ الأخيرة”، وهي قصيدة تتكون من 33 مقطعا شعريا، لكل مقطع منها كينونته، وهي بمجملها تشكّل كينونة واحدة، كينونة الشاعر، ومنها نقرأ تحت عنوان “القَصيدةُ تَنْحرُ شاعرَها عَلى مَذْبَحِ امْرأةٍ مُكابِرةٍ”: “هكذا، إذن، يقولُ المُصابُ بالمجاز، تُباغِتُني المُفارقاتُ في رِحلةِ المَعنى، تَصطادُني كَصدّ عَيْنَي امْرأةٍ مُكابرةٍ، تَغوي قصيدةَ الشّاعرِ المُصابِ، الذي يَقولُ: القَصيدةُ تَنْحرُ شاعرَها عَلى مَذْبَحِ امْرأةٍ مُكابِرةٍ”.
ونظلّ في فضاء القصيدة نفسه، حيث يختمها امنيعم بمقطع بعنوان “عندَما أموتُ، سأترُكُ جثّتي للنّسورِ، علّني أصيرُ طيرًا!”، وفيه يقول: “هكذا، إذنْ، يقولُ المصابُ بالندم، الندم الأكيد، علّقتني امرأةٌ على مسمارٍ في جدارٍ مهجورٍ، بوسمٍ أسودَ مائلٍ، لكنّها عادت لتلقي في وادٍ بعيدٍ صورةَ الرّجلِ المُصابِ بالندم، الذي يقولُ: عندَما أموتُ، سأترُكُ جثّتي للنّسورِ، علّني أصيرُ طيرًا!”.
وتحت عنوان “لَوْ كُنْتُ اخْتَرْتُ صَديقًا لي”، يقدم الشاعر مجموعة من الحالات الوجدانية، والإنسانية، منها قوله:
“لَوْ كُنْتُ اخْتَرْتُ صَديقًا لي:
أَختارُ الموتَ بِلا وَزْنٍ، بِيَدي يَدُهُ، نَمْشي في حَقْلٍ يُشْبِهُنا، وَنُرَتِّبُ سَهْرَةَ لَيْلَتِنا. قَمَرٌ في الشّرْفَةِ نَرْسُمُهُ، يَغوي امْرَأَةً في لَيْلاه، نَتَزَوَّجُ من ذاتِ المَرْأَةِ، نُنْجِبُ صِبيانًا وَبناتْ، إِنْ ماتُوا حَنُّوا لِصَديقٍ أَوْ عاشُوا حَنُّوا لِلأَمواتْ”.
وفي حالة أخرى يجسد الشاعر ارتباطه بالطبيعة، ومفرداتها..
“لَوْ كُنْتُ اخْتَرْتُ صَديقًا لي،
أَختارُ حَصاةً في نَهْرٍ، مَلساءَ كَقلبي حافِيَةً، لا سِرٌّ يَخفى بينَ خُطانا في الجَريان، تُخْفيني يَوْمًا في صَدَفٍ، إنْ مالَتْ سَهْوًا لِلأَحزانْ، أَوْ نَهْبِطُ يَوْمًا إِنْ شِئْنا بِمَصَبِّ الحِيْرَةِ وَالنّسيانْ”.
ليختتم القصيدة نفيها بخاتمة ذات طابع تراجيدي، فيقول:
“لَوْ كُنْتُ اخْتَرْتُ صَديقًا لي، لاخْتَرْت بدايات الأَشْياءْ، أو كُنْتُ اخْترتُ… نهايَتَها”.
أما “خَلَلٌ في الـمَشْهدِ السّابع”، فجاءت بمشابة (فرجة شعرية)، عبر عدد من المشاهد، في كل مشهد ثمة عنوان، وقصيدة قصيرة، مكثّفة، وجارحة في الوقت نفسه، فهذا المشهد الأول يأتي تحت عنوان “امْرأةٌ عَتيقةٌ تَسْتندُ على شجرةٍ وحيدةٍ”، وتحته نقرأ:
“لماذا يُخيّلُ إِليَّ أنَّ الـمَرْأَةَ شَجرةٌ،
والشّجرةَ
جَمْهَرَةُ رِجالٍ”.
أما المشهد السادس، وهو الخير، فجاء تحت عنوان “نَعْشٌ ضَئيلٌ عَلى أَكْتافٍ في بلدةٍ صَغيرَةٍ”، وتهته نقرأ:
“لِـماذا يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ النَّعشَ بَلْدَةٌ،
والبَلْدَةَ
مَأْتَمٌ كَبيرٌ”.
ويختتم امنيعم المجموعة نفيها بقصيدة بعنوان “رؤى نهرية”، وقد جاءت في مقطعين، على النحو الآتي:
“ممّا رأتْ في الحلمِ أمّي أنّي
مزجْتُ في نهرٍ دَمي،
قالتْ: رأيْتُ.
وما رأتْ إلّا دَمي
ينزُّ من رِئتي إِلى أَعلى فَمي!”
***
“أمّي رأتْ
أنّي على جمرٍ أسيرْ
قالتْ: رأيتُ.
وما درتْ أنّي كَما بَلدي
يُشَيُّعُنا ضَرير!”.
وأصدر امنيعم في النقد: “مرايا ونوافذ: قراءة في كتب التجارب الشعرية”، و”دوائر الخفاء: سيميائية الإشارة الصوفية في الخطاب الشعري الحديث”، و”خِزانة المعنى: الخطاب السردي في الأردن”، وفي الشعر: “أرني أنظر إليك”، و”هسيس الرغبة”، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى