د. صبري زمزم الشيطان سيدة رواية باللغة العامية
تجربة عادل إدريس المثيرة للجدل

اللغة : أول ما يلفت النظر في هذه الرواية هو استخدام عادل إدريس اللغة العامية المصرية لغة للسرد والحوار معا، رغم أن هناك اتجاهات فى الرواية العربية أحدها يمثله – نجیب محفوظ وهو جعل اللغة العربية الأدبية لغة للسرد، واللغة ما العربية المطعمة أحيانا ببعض الكلمات التي تقف في مرحلة وسطى بين العربية والعامية الدارجة. علما بأن معظم شخصياته من الطبقات الشعبية الدنيا في الحارات والأزقة والمقاهي، و نجح في توصيل ما يريد بذكاء.
وهناك اتجاه مثله توفيق الحكيم الذي جعل اللغة العربية الفصحى لغة السرد واللغة العامية المصرية لغة الحوار، بدعوى مناسبة الحوار مستوى الشخصيات، وهو اتجاه شائع وله جمهوره من الكتاب والقراء . واليوم نحن في هذه الرواية أمام اتجاه ثالث، حيث اتخذ عادل إدريس اللغة العامية المصرية لغة السرد والحوار معا وعن عمد وقصد.
و بعيدا عن الشخصنة أوصرف الكلام الذي أقوله إلى شخص بعينه، فإن الدافع لهذا الاتجاه هو الاستهال والتبسيط أو قصد جمهور بعينه وهو الجمهور المصري وهنا قد يصطدم بمحدودية التأثير على المدى البعيد سواء في الزمان أو المكان، فكم من كتاب باللغة العربية الفصحى عاش أكثر من ألف سنة، وما زال له جمهوره حتى اليوم منها كتاب الف ليلة وليلة، وكتاب كليلة ودمنة الذي ترجم قصصه ابن المقفع من الفارسية إلى العربية الفصحى ومازال يجد شغفا من القراء من المحيط إلى الخليج عبر عشرة قرون أو أكثر. فهل خشي المؤلف أن يكتب باللغة العربية الفصحى لعدم امتلاكه أدواتها، أم ظنا منه أن القراء سيصعب عليهم فهم الرواية لوكتبها بالفصحى؟
*العنوان
ما يلفت فى العنوان كتابته على الغلاف “الشيطان سيده” بالهاء بدون تاء لتكون ضميرا أى الشيطان سيده فيكون الضمير يعود إلى رجل، ولكن عندما وصلنا إلى آخر كلمة في الرواية اكتشفنا أنه يقصد “الشيطان سيدة” بالتاء المربوطة فهل أراد وصم الشيطان بأنه سيدة لا رجل؟ أم أراد هجاء المرأة بحصر الشيطنة فيها دون الرجل؟ .
* الأبطال
لهذه الرواية أبطال مرحليون حسب فصولها ففى البداية نجد سيد الزوج وسيدة زوجته التي تمارس شيطنتها متدثرة بالاضطرار لتجد لنفسها المبرر لسقوطها الأخلاقي المتكرر
فتحت وطأة عقم زوجها مع حرصها على استمرار زواجها تخفى عنه حقيقة علمه وتلجأ لإلقاء شباكها على سامح صاحب محل الملابس الحريمي الذي تحكم نسج خيوطها العنكبوتية حوله ليقع فريسة لأغراضها من أجل أن تنجب منه، في الوقت الذي مثلت عليه دور الضحية، ثم قطعت علاقتها به تماما بمجرد تأكدها من الحمل وتحقق هدفها، لتلد سفاحا وتلحق الطفلة هناء بسيد الذي عاش ومات في غفلة مما حاكته الشيطانة.
و بعد وفاة الزوج وترمل سيدة
يبدأ المؤلف مرحلة جديدة وفصلا آخر من السقوط أبطاله سيدة والدكتورة نجاة وزوجها الذي أقام علاقة مع سيدة تحت اسم ((ملك اليمين )) ليبرر زورا أن ما يفعله حلال وإن لم يكن زواجا، وفى مقابل ذلك أغدق عليها بالمال والهدايا فترضى، ليعوض هيمنة زوجته المتسلطة بنت الأكابر، ويعوض النقص والدونية والتلاشى أمام شخصية زوجته وسطوة أهلها.
وبوفاة سيدة المفاجئة يبدأ فصل جديد بطلته ابنتها هناء التي عاشت في حياة أمها تجربة مريبة وشاذة مع مروة هانم إلى أن استطاعت بالعمل والاستقلال التخلص من هيمنتها عليها رغم إنفاقها عليها ببذخ فى المأكل والملبس والإقامة. و يظهر حسين ابن الباشا الوزير الذي يوقع هناء فى شباكه وتحمل منه ثم يهرب منها ويساعده أبوه الباشا الوزير،أن ليقوم الحاج سمير بدور المنقذ لهناء الذي يقبل أن يتزوجها، ويكتب ابن السفاح باسمه، ولكن لأن العرق دساس تتعرف إلى عامل الدليفري على وبعد وفاة زوجها، ويعاشرها معاشرة الأزواج ليوهمها أن مانع زواجها ذلك الطفل الذي أصبح عبئا عليها، إذ يذكرها بتجربتها المريرة مع أبيه فيقنعها بقتله والتخلص منه ليخلو لهما الجو، لنصل إلى النهاية بإعدامهما، تحقيقا لقوله تعالى “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا”.
تأتي العبارة الأخيرة من الرواية تعقيبا من السارد العليم الذي هو مؤلف الرواية فى جمل وعظية مباشرة لا داعى لها فكان ينبغى أن يترك القارئ ليستخلصها من الأحداث لتكون أوقع، ولكن يبدو أن المؤلف يسيء الظن بعقلية القارئ.
*ولكن لنا وقفة مع العنوان مرة أخرى هل كان الشيطان سيدة أي امرأة متمثلة في كل من سيدة وابنتها هناء ومروة هانم المرأة المريبة الشاذة .
و في حين كان هناك شخصيات نسوية سوية مثل الطبيبة الطيبة التي أجزلت العطاء لسيدة الشغالة فوق ما تتصور ولكنها خانتها مع زوجها واستغلته.
وهناك ثريا صاحبة الكافيتريا التي اختارت هناء وجعلتها نائبة لها ومديرة مكانها، وحاولت حل أزمتها معها فى مواجهة الوزير وابنه.
فهل كان العنوان يقصر الشر على سيدة وابنتها هناء، أم كان يحصرها في النساء عموما رغم أن هناك شخصيات رجال شيطانية، مثل سامح وشخصية حسين ابن الباشا الوزير وأصدقائه وعلى عشيق هناء التى حرضها على قتل ابنها.
فالعنوان ربما كان بقصد الإثارة مثل أفيشات الأفلام سينمائية، مثل فيلم الشيطان امرأة وغيره.
المؤلف كان ينسى أسماء شخصياته فيذكرهم بأسماء أخرى، فسامح هو حسام ومروة هي رباب.