أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

عماد خالد رحمة يكتب مدخل وسياقٍ تأصيليّ: الغوص في قراءةٍ معمّقة لقصيدة «جاثياً على شفير الدمع»

للشاعرة منال رضوان

 

بقلم : عماد خالد رحمة _ برلين.

قبل الغوص في قراءةٍ معمّقة لقصيدة «جاثياً على شفير الدمع» للدكتورة منال رضوان، من المفيد وضع شذرات عن الشاعرة ومكانتها الأدبية: منال رضوان شاعرةٌ وقاصةٌ وناقدةٌ مصرية لها حضور ثقافي وإنتاج شعري وسردي متنوع، وصدرت لها دواوين ونصوص نقدية وسردية تعكس اشتغالها على القضايا الإنسانية والفكرية. هذه المعطيات تساعد على ربط النصّ بسياقه السردي والشعري الأوسع.

الناقد عماد خالد رحمة ـ بر لين

1. قراءة هيرمينوطيقية ـ تأويلية (الغور في معنى النص)
القصيدة تبدأ بصيغة جماعية («نَسيرُ») فتُفتَحُ أمامنا حالةٌ وجوديةٌ مشتركة: مسيرٌ في «صعود أبديّ» مع رياحٍ «تعوي» بلا أمان. هذا الافتتاح يؤسس لموضوعين مركزيين: الحركة/الزمن كمسارٍ أيديولوجيّ أو وجوديّ، وثنائية الأمان/الانعدام مع تجسيده بصوت الريح. من منظور هيرمينوطيقي، نقرأ النصّ كسجلّ تأمليّ يطرح سؤالًا وجوديًّا (لماذا لا نطرح أوجاعنا؟) ثم يتسلسل إلى صورٍ استنكارية (الجبال تنادينا، الهواء خان). الأسئلة البلاغية المتكررة تعمل كآلية تأويلية: لا تهدف إلى الاستفهام السردي فحسب، بل تشكّل حضور الذات المتسائلة التي تكاد تنازع العالم لمعنى.
الجملة المحورية «كأنَّ العالمينَ على شفيرِ الدمعِ يولدونْ» تحوّل المشهد من حالِ نقصٍ إلى ولادةٍ محتملة تنبني فوق الألم. هنا الهيرمينوطيق يقترح تفسيرًا مزدوجًا: شفير الدمع هو موضع ولادةٍ وموتٍ، وهو مسافةٌ بين الوجود واللاشعور. نهاية القصيدة التي تُختم بـ«لا مكانْ / ولا سماءْ!» تقفل الدائرة بتثبيت حالة انعدام الملاذ.
_ 2. القراءة الأسلوبيّة (الأسلوب واللغة):
1. الخطاب الأسئلة المتكرِّر: الأسئلة في النص لا تُريد إجابة؛ بل تُريد تشكيل موقف شعريّ تأمليّ وتنغيضيّ. هذا الأسلوب يولّد إيقاعًا لحنيًّا يتقاطع مع تنفس القصيدة.
_ 2. اللغة التصويرية والاملائية: استخدام صورٍ مركّبة مثل «الرجفَ في صدري خواء» أو «الأحلامُ في كف، وفي الأخرى رمادُ الشوقْ» يُنتج اقتصادًا لغويًا قويًا: تضادّاتٌ تراكمية تؤكد التمزق.
_ 3. الإيقاع الحرّ: القصيدة تميل إلى الشعر الحرّ؛ ولكنها تحافظ على تكرارات لفظية وصوتية تُستعمل لإنتاج لحنٍ داخلي (مثل تكرار الفاء، والهمزات، ونغمة السكون في نهاية الأبيات).
_ 4. الاستعارات والتماثلات: «الجبال تنادينا» و«الهواء خان» استعارات مجسدة تُمنح فعلًا إنسانيًا، فتُحيل المشهد النفسيّ إلى منظومة كونية.
_ 3. القراءة الرمزية والجمالية:
القصيدة تشتغل برموزٍ بسيطة لكن فعّالة: الصعود، الريح، الجبال، الشُفير، الدمع، الرماد، النجمة. هذه الرموز تستدعي بُنى أسطورية (الولادة فوق شفير، النجمة التي كانت في الحلم ثم ابتعدت) وتنتج جمالية «الافتراق/الحزن» التي تُعدّ سمةً مركزية في القصيدة. جمال النص ليس في زينة اللغة فقط، بل في قدرة الرموز على توليد حضورٍ شعوري يشد القارئ إلى مسافة التماهي مع حالة الفقد.
_ 4. قراءة سيميائية (العلامة والدلالة):
بمقاربة سيميائية، كل رمز في القصيدة يعمل علامةً تحمل دلالةٍ ضمن منظومةٍ داخليّة:
_ الشّفير: علامة للمكان الوسطيّ بين الداخل والخارج، الحلم والواقع.

_ الدمع: علامة العاطفة المتجاوزة، وفي الوقت نفسه حدّة المأساة.
_ الرماد: علامة للاستهلاك أو لإمكانية إعادة التشكل بعد الحرق (رمزية الأمل المفقود).
التتابع الدالّي بين هذه العلامات يرسّخ قراءة تؤكد أن النصّ هو شبكة دلالات تشتغل على تداخل الحضور والغياب.
_ 5. البنى النفسية (الغوص في العمق النفسي للنص):
الضمير الجمعي («نَسيرُ») يوحّد مشاعر شعور جماعي أو ذاكرة تاريخية/عاطفية. الأسئلة المتكررة والرجفة في الصدر والرماد والشّفير علامات لحالة قلقٍ وجوديّ وإحساس بالعزلة. يمكن قراءة النصّ عبر مفاهيم نفسية (فقدان، حزن، ثُلمَة في الذات):
_الحنين/الاشتياق: النجمة التي كانت في الحلم ثم ابتعدت تشير إلى رغبة مفقودة.
_ الاغتراب: «لا مكان / لا سماء» تعبر عن انقطاعٍ عن العالم وغيابٌ للمرجعيات.
_ القلق الوجودي: الصعود الأبدي مع الريح التي تعوي دون أمان يعكس حالة رعبٍ من المستقبل أو فقدان ثبات.
_ 6. مقترحات منهجية وبحثية لتوسيع الدراسة:
1. مقارنة النص مع دواوين منال رضوان الأخرى (مثلاً: «أنا عشتار») لقراءة التكرارات الموضوعية والرمزية.
2. تطبيق منهجية علم النفس الأدبي (تحليل الشخصيّة الشعريّة-الضميرية) لربط بنى اللغة بالبنى النفسية.
3. دراسة السيميائية الصوتية (الموسيقى الداخلية والوقفات) لمعرفة كيف تُنتجُ الحزنَ إيقاعيًا.
4. قراءة نقدية نقد-فلسفية تربط بين قضايا الوجود في النصّ وفلسفات الاغتراب المعاصرة.
خاتمة :
«جاثيًا على شفير الدمع» نصٌّ يختزل حالة انقضابٍ وجدانيّ: بين صعودٍ بلا أمان وولادة محتملةٍ فوق شفير الألم. منال رضوان تستخدم أدوات الشعر الحرّ والرموز الكونية لتأسيس خطابٍ تأمليّ يتقاطع فيه الفرد مع الجماعة، والحلم مع الرماد. يمكن لهذا النصّ أن يكون نواةً لدراسة أوسع تقارب إنتاج الشاعرة من منظوماتٍ هيرمينوطيقية وأسلوبيّة ونفسيّة. للمراجع حول الشاعرة وإنتاجها انظر المصادر أعلاه.

نص القصيدة:

جاثيًا على شفير الدمع

نَسيرُ في صعودٍ أبديٍّ
والرِّيحُ تعوي في صدورِنا
بلا أمانْ

لماذا لا نَطرحُ أوجاعَنا؟
لماذا الجبالُ تنادينا؟
والهواءُ خانْ!

لماذا حين تُفتحُ الآفاقْ
يعودُ العَتمُ يجثو فوق أكتافِ الخيالْ

كأنَّ العالمينَ على شفيرِ الدمعِ يولدونْ
كأنَّ الرجفَ في صدري خواءْ

أو صدى الأيامِ يمضي في طُرُقْ
بلا هدفٍ
تنطفئُ الأماني مثل نجمٍ
كان في حُلمي يضيءْ
ثمَّ ابتعدْ

نَسيرُ على المدى يومًا ووَهْمًا
والأحلامُ في كف، وفي الأخرى رمادُ الشوقْ

والأمسُ الذي أدمى
عيونَ العمرِ…
إذ صارَ الطريقُ بلا رفيقٍ
لا مكانْ
ولا سماءْ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى