محمد رضوان يكتب قبس من أيام النور

يطلُّ علينا كل عامٍ يومٌ تتجدد فيه أنفاس الروح، يوم المولد النبوي الشريف؛ اليوم الذي أشرق فيه نور سيد الخلق محمد فبدّد ظلمات الجاهلية وزرع الرحمة في القلوب. المولد ليس تاريخًا نُسطره في كتب السيرة فحسب، بل هو طقس حيّ يتجدد في مشاعر الأمة، يحمل معاني القداسة والمحبة، ويتجلى في مصر خاصة بملامح روحانية وشعبية فريدة.
ومن بين أبرز مظاهره تبقى “حلاوة المولد”، تلك الحلوى التي بدأت مع العصر الفاطمي وتحوّلت إلى جزء أصيل من وجدان الناس. ليست مجرد طعام، بل ذاكرة جمعية تنسج صورها من عرائس السكر وحصان المولد وقطع السمسمية والحمصية والفولية، حيث يلتف البيت حول طبقها الصغير في لحظة تفيض دفئًا، ويتبادلها الناس كهدايا توثق المودة.
في هذه الحلوى رموز ومعانٍ: العروسة البيضاء للطهر والفرح، والحصان رمز القوة والشجاعة، وفي الأسواق التي تمتلئ بها كل عام تتجلى الثقافة الشعبية كلغة كاملة تعبّر عن الفرح والهوية في آن واحد. ومع تغيّر الزمن وغياب المواكب القديمة، يبقى المولد حاضرًا بزينة المحال، وأنوار الشوارع، وأحاديث المحبة التي تستحضر الرحمة المهداة إلى العالمين.
إنه لقاء بين الذاكرة والروح، بين الدين والثقافة، حيث تذوب الحلوى في الفم وتترك مذاقًا جميلاً، فيما يذوب ذكر النبي في القلب ويترك نورًا لا ينطفئ.