أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

الصّدق مع النّفس علاء العلاف

 

الصّدق مع النّفس هو الجمال الخفيّ الذي لا يراه إلا من امتلك روحًا شفّافة قادرة على مواجهة ذاتها دون تزييف، إنه جمال روحي يعلو على المظاهر، يهب صاحبه سلامًا داخليًّا لا يشبه أي سكينة أخرى، غير أن ما يؤلم في زمننا أن نكتشف في وجوه الناس تلوّنًا غريبًا وأقنعة تتبدّل مع المواقف كما تتبدّل الفصول كانوا يقولون إن الإنسان البعيد عن الالتزامات يكون أكثر صفاءً، يحمل شخصيته الواحدة دون أقنعة، لكن المعايير تغيّرت؛ فقد صار الانقسام الدّاخلي سِمة، والتّناقض طبعًا، مشكلتهم ليست في ضعفهم، بل في غياب القناعة التي تمنح الحياة معناها، وهكذا تراهم يلهثون خلف صور زائفة، يعيشون بأفكار متسلّطة، تمامًا كما وصف فرويد النفس المرهقة: وعيٌ تائه بين ما يريد وما يخشى أن يكون … حتى الضحك لم يسلم من هذا الاضطراب، فكما لمّح دوستويفسكي، الضحك ليس دومًا علامة الفرح؛ إنه في أحيان كثيرة ردّ فعل يائس أمام الفراغ، المضحك يغيب عن المضحك ذاته، ويغدو الضحك محاولة للهروب من صمت الداخل… أتذكّر حكاية بسيطة: خرجت مجموعة من الشّبّان في نزهة ريفية وبينهم ثلاث فتيات كنّ يضحكن بانسجامٍ لافت، لم يكن “يفغيني يشاركهنّ الضّحك، بل راح يشكّ في أنّهن لم يعدن يسمعن ما يقول وكأنّ الضّحك قطع خيط التّواصل بينه وبينهنّ. تسلّل الشّكّ إلى نفسه، فانفجر بالضّحك هو أيضًا، ثم سرت العدوى وارتفع الضّحك حتى نسيَ الجميع سببه، ضحك دون معنى، لكنّه نادر وثمين لأنه حرّرهم مؤقّتًا من ثقل وعيهم… حين انتهى كلّ شيء، أدرك أن هذا الضّحك لم يكن إلاّ مرآة صغيرة لفراغ كبير، ضحك دون سبب لكنّه أصدق من ألف اعتراف.

الأديب العراقي علاء العلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى