“مرايا الأرواح”: كتاب فلسفي يروي قصة إنسان يبحث عن ذاته في زمن الضياع

عمّان- متابعة أوبرا مصر
صدر حديثاً عن “الآن ناشرون وموزعون” كتاب “مرايا الأرواح” للكاتب جريس بقاعين وهو عمل أدبي تأملي يمزج بين السرد الروائي والفلسفة الروحية، ويأخذ القارئ في رحلة عميقة داخل النفس البشرية، عبر شخصية محورية تُدعى “آريان”.
منذ السطور الأولى، يجد القارئ نفسه أمام بطل مأزوم، لا بالحياة في ظاهرها، بل بمعناها. في الفصل الأول، يعيش آريان لحظة من التأمل الصامت في قلب الفجر، يتساءل عن جدوى الحياة اليومية، رغم كل مظاهر الأمان من حوله. يقرر الانفصال عن حياة التكرار والخروج إلى المجهول، ليس بحثًا عن مكان، بل عن معنى، يحمل معه دفترًا صغيرًا وقلبًا مثقلاً بالأسئلة.
الكتاب لا يقدم رحلة خارجية تقليدية، بل سفرًا داخليًا شديد العمق والرمزي. في “وادي الصمت”، يتحول الصمت إلى معلم، وتصبح المرآة رمزًا لكشف وجوه الذات المختلفة. يلتقي آريان بحكماء ورموز ومرايا داخلية، ويتسلق جبل الذات، حيث يكتب أولى كلماته: “الصمت هو أول كلمة”. في هذا المشهد، يُعلن تحوّله من مجرد متسائل إلى إنسانٍ بدأ يُصغي لصوته الداخلي بصدق.
يتواصل السرد الفلسفي في فصول تالية مثل “وادي الأسئلة الكبرى”، حيث يصادق آريان أسئلته الوجودية ولا يبحث عن أجوبة نهائية، بل عن قدرة على العيش مع السؤال بسلام. يتأمل في كلمات حكماء مثل بوذا، وسقراط، والنبي محمد، والمسيح، ليدرك أن المعاناة ليست عدوًا، بل معلمًا ضروريًا في طريق النضج الروحي.
وفي “أبواب الذات الموصدة”، يواجه آريان ماضيه وطفولته وخوفه، ويظهر له “المرشد الرمزي” كشخصية فلسفية تمثل كل المعرفة المتراكمة التي تأهّب لتلقيها. يُطرح السؤال المحوري هنا: “من أنا؟”، وتبدأ ولادة روحية جديدة لا تقوم على النفي بل على احتضان الظل والنور معًا.
الفصول الأخيرة مثل “المرآة الكبرى” و”المحاورة الكبرى” تصل بالعمل إلى ذروته الروحية والفكرية. يواجه آريان نفسه بكل وجوهها: الخوف، الطموح، الألم، الحب، ويكتشف أن المعنى لا يُمنح من الخارج، بل يُنتزع من الداخل. الحقيقة ليست يقينًا، بل حوار دائم مع الذات والوجود.
وفي “المحاورة الكبرى”، يخوض آريان حوارًا فلسفيًا مع أصوات الحكماء عبر العصور: سقراط، سارتر، أفلاطون، بوذا… حيث لا يكون الهدف الوصول إلى إجابة، بل الاعتراف بأن الرحلة هي الحقيقة، والتغيير هو الغاية، والإنسان هو من يخلق المعنى في عالم لا يمنحه شيئًا مجانًا.
“مرايا الأرواح” ليس كتابًا تقليديًا، بل تجربة روحية وفكرية متكاملة تُخاطب الباحثين عن الوعي، أولئك الذين تعبوا من الخطابات الجاهزة، ويريدون أن يسيروا طريقهم الخاص نحو الحقيقة. بأسلوب سردي شاعري، ولغة تأملية عميقة، يُعدّ هذا العمل واحدًا من أبرز الإصدارات الفلسفية المعاصرة التي تُعيد تعريف الإنسان وعلاقته بذاته والكون من حوله.