أخبار ثقافيةأخبار عاجلةالرئيسية

مصر ولادة بقلم : د. إنجي فايد كبير الباحثين بوزارة الآثار

 

في ظل الأعاصير السياسية التي تحيط بالعالم والتحديات العنيفة التي تواجه مصر منذ ٢٠١١ وحتى وقتنا الراهن..بل وتزيد يوما بعد يوم، إلا إننا أمام واقع جميل نخشى أن نُحسد عليه، فما بين أحداث غزة التي توقف دقات القلب، وبين تداعيات تطورات دول الجوار والإقليم من انقسامات وثورات، وفي ظل تيارات متقلبة وتوجهات وملل متغيرة، أصبح فيها الصديق غير معلوم والعدو مستتر.. تقف مصر بحمد الله موقف “الصقر” بأبنائها وبناتها، وتحافظ على السلام الداخلي العام من حيث استمرار مشروعات البنية التحتية القوية، من بينها تأسيس شبكة طرق ضخمة، وبناء متين للعامل الإنساني ودعم وترسيخ لعلاقات دولية متعددة المصالح بعيدة المدى ومتشابكة الأهداف. تعيد مصر بكل هذا البناء، رسم صورة الحضارة المصرية الحديثة، فهي تحقق بجدارة نصرا كبيرا يتزامن مع احتفالاتنا بنصر أكتوبر المجيد.
فحينما ذكر الزعيم أنور السادات، أن نصر أكتوبر وخططه سيدرس ، كذلك سيذكر التاريخ دوما كيف تم إنقاذ مصر رغم كل ما مرت به خلال الفترة (٢٠١١-٢٠١٣) وصمودها بقوة ووحدتها والرؤي المرسومة المنفذة بدقة، وسيعي كل منتقد يوما ما، كل ما ما حققته مصر على أرضها من ازدهار في مجالات عدة، وإن كان باهظ الثمن.
ونحن نعيش في ظل الاحتفال بنصر أكتوبر العظيم، نحقق انتصارا أخر بشكل مختلف، انتصارا عظيما في ظل تحديات لم يسبق لها مثيل، نصرا للإرادة السياسية، يتمثل باكتساح المرشح المصري د. خالد العناني أغلبية أصوات المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية للعلوم والثقافة ” اليونسكو” (٢/٥٥).. وبهذا الانتصار الكبير تكتب مصر درسا جديدا في التاريخ الحديث عن قوة ووحدة الإرادة السياسية والعراقة الممنهجة للدبلوماسية، وتعلن بقوة عن تعاون وتضافر مصري اقليمي دولي تحت الراية المصرية.
إنه انتصار عظيم نستحق نحن المصريين أن نفتخر به جميعا، فهذا النصر شرف لكل مصري وكل من ينتمي لترابها وتاريخها، نحن أمام استحقاق تاريخي عنوانه بـ”البنط العريض”: “مصر ولادة لعناصر بشرية متميزة إذا تم إعدادها وصقلها ودعمها..وإنها قادرة علي تحقيق أهدافها”.
ففي خضم هذا الإنجاز الدبلوماسي العالمي، يتضح بجلاء اجتماع أبناء مصر على قلب واحد لتحقيق هدف لطالما سعينا له.. هذا النجاح يسجل أن الإرادة السياسية المصرية قادرة على الاختيار والدعم والتخطيط العلمي الاستراتيجي، ما يؤكد نزاهة الاختيار ونقاء ووحدة المجهود.. لتكون النتيجة تحقيق الدرجة النهائية، وليكتب المولى عز وجل النجاح لهذا الحشد المتعاون المحب لوطنه .
حاضرنا المبهر الذي نشهده من نجاحات وانتصارات، يرتبط بتاريخنا العريق، فما كتبه الفلاسفة والأدباء القدامى عن مصر، منذ قديم الزمان، ووصفهم “مصر بلاد العجائب”، لم يتغير حتى وقتنا الراهن، وخير مثال أو شاهد ما جاء في الفقرة ٣٥ من الكتاب الثاني لهيرودوت، المؤرخ اليوناني الذي يرجع للقرن الرابع ق.م، قوله : والآن ها أنذا في مصر، ولسوف يطول حديثي عنها ، ذلك لأنها إذا ما قورنت بغيرها فهي صاحبة القدر الأعظم من العجائب ولها من عظيم الأعمال ما لا يستطيع اللسان أن يصفه “.
لم يتوقف هيرودوت عن تعظيم شأن مصر، ويواصل في الفقرة ٧٧ من نفس الكتاب “المصريون هم أكثر الشعوب التي عرفها علما ومعرفة، ويصرفون -دون غيرهم – جل جهدهم لتذكر الماضي، وهم أكثر الشعوب التي عرفتها علما”.
ولذلك لم يكن أمرا عجيبا أن تسيطر على عقلية العالم القديم عن مصر بعد زيارة هيرودوت بأنها “أرض الآلهة الخالدة.. وأرض الخصب والنماء والوفرة”. لقد رأي الفيلسوف الإغريقي الشهير أفلاطون مصر، إنها أرض صامدة تمكنت من احتواء أحداث جسام لم يستطع غيرها الصمود لها، وأنها دولة النظام والقانون والسجلات التي يكتبها الكهنة المبجلين العاكفين علي العلم وتسجيل نظرياتهم وملاحظاتهم ونتائجها.
إنها أرض الحكمة والحكماء الذين يحققون الاستقرار والسلام الدائمين. ثم يأتي المؤرخ بلوتارخوس الخيروني ليقدم عمله الشهير “أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية”، والتي تمثل جوهر العقائد المصرية، و تترسخ من خلالها فكرة أن مصر هي بلد التبجيل والتعظيم للعقيدة والدين، والحكام الذين يضبطون إيقاع الحياة ويديرون دفة السلوك في اتجاه الصواب والحكمة.
ستظل مصر محط أنظار الجميع وموطن الإبهار، فعلينا أن نعي ونتذكر دائما انتصاراتنا وندرسها في مناهج التعليم الأساسي بمختلف اللغات، لاستدامة الفخر بإرثنا الثقافي، ويدعم الانتماء لمصرنا الغالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى