حسن غريب يكتب قراءة نقدية في “راهبة الريح” لمنال رضوان

تعتبر قصيدة “راهبة الريح” نصاً مكثفاً من شعر النثر، يتسم بالعمق الفلسفي والجرأة في استخدام اللغة والتصوير. النص يدور في فلك مفاهيم العزلة، الانتظار، البحث عن المركز، الهوية، والزمن.
الجانب الفني واللغوي:
الكثافة والتكثيف: يتميز النص بإيجازه الشديد وعمق دلالاته، حيث كل جملة تقريباً تحمل معنى متراكماً.
اللغة الشعرية: تعتمد الشاعرة على لغة فخمة لكنها غير تقليدية، تبتعد عن التقريرية وتتجه نحو الرمزية والإيحاء (“نفضت الشمس برعونة”، “جبينُ انتظاري ترصعه نقراتُ أنامل من لهب”).
التصوير المكثف: الصور الشعرية حية ومبتكرة، مثل تجسيد الريح كـ “راهبة متعبة” التي تمر على “أطلالِ ما بيننا”، وتصوير العزلة كـ “مرآة تكسوها البقعات”.
الإيقاع الداخلي: على الرغم من كونه شعر نثر، إلا أن هناك إيقاعاً داخلياً خفياً ينبع من توازن الجمل وتقسيم الفقرات، واستخدام بعض الجناس الخفيف (“الخواء مركزًا”).
الجانب الدلالي والموضوعي
ثيمة “الأنا” والعزلة:
يُفتتح النص بعبارة قوية: “لم تُصدّق الأنا عزلتها”. هذا يشير إلى أن العزلة ليست مجرد واقع، بل حالة وعي غير مكتملة أو مرفوضة من الذات، مما يضع القارئ في مواجهة صراع داخلي وجودي.
تحوّل مفهوم العزلة من “قيد” إلى “مرآة تكسوها البقعات”؛ المرآة تعكس الذات، والبقعات تشير إلى الشوائب، الذكريات، أو خيبات الأمل التي علقت بالذات نتيجة التجربة.
الانتظار والعبث:
”جبينُ انتظاري ترصعه / نقراتُ أنامل من لهب”: تصوير مُؤلم للانتظار كعملية حارقة ومُجهدة، تترك علاماتها على الذات.
الالتفات إلى “الجهات الأربع / كمن سئم أن يكون الخواء مركزًا” يُعبّر عن سأم البحث عن معنى أو اتجاه ثابت في عالم يسوده العدم أو الفراغ (“الخواء”).
رمزية “راهبة الريح”:
الريح رمز للتغيير، الحركة، العبور، والزمن الفائت. وصفها بـ “الراهبة المتعبة” يمنحها بعداً روحياً لكنه مرهق وفاشل (“ولم تصل”).
فعلها “نثرت نخالتها في دروب رطبة” يوحي بعملية تبذير أو ترك مخلفات (النخالة) في أماكن غير مناسبة (الدروب الرطبة)، مما يعكس عقم السعي وضياع الجهد.
نهاية التحول والشك:
الاعتذار عن “الارتباك” هو اعتراف بصراع الوعي بين الحقيقة (“الضوء”) والأوهام أو المعتقدات السابقة (“هذه الخرافات”).
الخاتمة تقدم صورة ظلية معقدة: “ظلها المراوغ / لم يعد يتبعها… / إنما يختلس النظر إليها، / كلصٍ أتعبه الصقيع!” الظل هو جزء من الهوية، وعدم تباعيته يدل على انفصال الذات عن ماضيها أو صورتها المعتادة. تشبيه الظل بـ “لصٍ أتعبه الصقيع” يمنحه إحساساً إنسانياً باليأس والقنوط، وكأن الماضي/الظل نفسه منهك وفاقد للقدرة على الملاحقة.
رؤيتي ووجهة نظري:
تنجح منال رضوان في تقديم تجربة شعرية ذاتية عميقة، تتشابك فيها مفاهيم العزلة والبحث عن الذات مع التعبير عن خيبة أمل وجودية تجاه الزمن الفائت والمستقبل المجهول (“حين لا يعود في الغد ما يُرتجى”). قوة النص تكمن في إدارتها البارعة للصورة المكثفة والمفارقة الدلالية (راهبة/متعبة، عزلة/مرآة، ظل/لص).





