أخبار عاجلةالرئيسية

محمد رضوان يكتب الأبواب التي تُغلق لنفتح نحن

هناك أبواب تُغلق في وجوهنا بقسوة تبدو في لحظتها بلا معنى، فنقف أمامها مذهولين، نحاول أن نفهم: لماذا الآن؟ ولماذا بهذه الطريقة؟ غير أننا مع مرور الوقت ندرك شيئًا لم نكن نراه حين كانت الصدمة طازجة: أن الأبواب لا تُغلق دائماً لتمنعنا، بل لتوجّهنا. وأن كثيرًا مما حسبناه خسارة لم يكن إلا حماية، وكثيرًا مما ظننّاه نهاية كان في الحقيقة انتقالًا خفيًّا نحو الطريق الذي ينتمي إلينا أكثر.

حين يُغلق باب أمامك، يداهمك سؤال القصور: هل أخطأت؟ هل كان يمكنني فعل شيء مختلف؟ هل الباب أغلق لأني غير مستحق؟ لكن الحقيقة أبسط وأعمق. للأبواب أوقات، وللفرص أعمار، وعندما ينتهي زمنها، فإنها تُغلق ولو حاولت بكل قوتك إبقاءها مفتوحة. ليس عقابًا، ولا تقليلًا من شأنك، بل لأن حياتك تحتاج إلى شيء آخر لا يتكشّف إلا حين تتوقف فجأة عن الجري في الاتجاه القديم.

الطرق المسدودة ليست إعلانًا عن فشل، بل لحظة صامتة تدعوك لإعادة ترتيب خطواتك. إنها اللحظة التي يتوقف فيها الخارج، ليبدأ الداخل في الكلام. ولأننا لا نسمع أنفسنا بوضوح إلا عندما ينقطع ضجيج الطريق، فإن توقفنا القسري يصبح نافذة نطل بها على احتمالات كنا نمر بجانبها دون التفات. أحيانًا، يكفي أن يُغلق بابٌ واحد ليكشف لك أنك كنت تسير في ممر لا يشبهك، أو تلاحق شيئًا لم يعد يناسبك، أو تظن أن مستقبلك محصور في خيار واحد فقط.

الأبواب المغلقة تنظّف القلب من التعلق بما لم يعد صالحًا، حتى لو أحببناه، وحتى لو اعتدناه. وفي اللحظة ذاتها التي تتألم فيها لإغلاق بابٍ خارجي، يبدأ بابٌ داخلي في التكوّن، باب لا يفتحه أحد لك، بل تفتحه أنت حين تبدأ في رؤية نفسك بوضوح جديد. ولهذا، فإن الطرق المسدودة تُربّي فينا قوة لا تصنعها الطرق المعبّدة. إنها تمنحنا الشجاعة: شجاعة ألّا نعود إلى ما اعتدناه خوفًا من الفراغ، وشجاعة السير في اتجاهٍ لا نعرف نهايته، وشجاعة الإيمان بأن ما ينتظرنا يستحق الصبر حتى لو لم تظهر ملامحه بعد.

وما لا ننتبه إليه هو أن الإنسان لا يكتشف قوته حين يُفتح له الباب بسهولة، بل حين يُجبر على البحث عن بابٍ آخر بنفسه. كم من بابٍ أغلق فخلق في صاحبه بصيرة جديدة، أو أعاد إليه طاقة كان يظنها انطفأت، أو قاده إلى موهبة لم يكن يقربها لولا أن الطريق القديمة انسدت. وكم من طريقٍ توقف، فإذا به يعيد توجيه صاحبه إلى ما يلائمه حقًا، حتى لو لم يدرك ذلك إلا بعد زمن.

الأبواب المغلقة رسائل مكتوبة بلغةٍ لا تُقرأ فورًا؛ نحتاج تجربة وهدوءًا ونضجًا لنفهم معناها الحقيقي. وعندما نفهمه، نكتشف أنها لم تكن لحظات قاسية كما ظننا، بل لحظات رحيمة تُعيدنا إلى أنفسنا. فليس كل إغلاق خسارة، وليس كل استمرار ربحًا. أحيانًا، ما يُغلق ينجّينا، وما يُفتح يؤذينا. والفرق بينهما هو قدرتنا على القراءة… لا قدرتنا على التمسك.

وفي النهاية، لا شيء يُغلق لأنه ليس لنا فقط، بل لأن ما هو لنا لا يحتاج إلى مطاردة. وكل بابٍ أغلق أمامك كان يدفعك نحو باب في داخلك — باب لا يفتحه إلا هذا النوع من الانقطاع، وهذا النوع من الأسئلة، وهذا النوع من الشجاعة. عندها فقط ندرك أن المسألة كلها لم تكن عن الباب، بل عنّا: عن قدرتنا على النهوض، على إعادة التشكيل، على متابعة الطريق بوعي أكبر ونضج أعمق. فالأبواب التي تُغلق ليست نهايات… بل بدايات متنكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى