“حكاياتُ الذئب الحكيم (لوبو)” لمحمد نزير الحمصي.. حكايات وعِبَر

عمّان – متابعة أوبرا مصر
انطلاقًا من تلك المكانة المتميزة، التي تحظى بها الذئاب، في الوجدان الجمعي الإنساني بعامة، والعربي بخاصة، يقدم الكاتب والشاعر السوري محمد نزير الحمصي مجموعة من القصص، ذات البعد الرمزي، من خلال كتابه الجديد “حكاياتُ الذئب الحكيم (لوبو)”.
فالذئاب، كما يقول المؤلف في مقدمة الكتاب، “مخلوقات قويّة وشجاعة ومحاربة، لا تنتظر حربها، لأنّها تعيش في حالة قتال دائم، هي حرّة، عجزَ الإنسان عن استئناسها على مرّ العصور، رغم قربه الشديد من أماكن وجودها. 
تعيش في أسر ممتدّة، ولها أنساب وأصول وتسلسل هرميّ ضمن العائلة الواحدة، لا يمكن أن تحيد عنه. 
الجدّ والجدّة في عشائر الذئاب لهما المكانة الأبرز والأعلى، ويتمتّعان باحترام كلّ أفراد القطيع وتقديرهم، والصغير في المجموعة يحترم الكبير ولا يعصي له أمرًا”. 
ويتابع المؤلف تأمله لخصوصية الذئاب وعوالمها، والسبب الذي جعله يتخذ منها قناعا ليمرر من خلالها كلمته التي أراد إيصالها للقارئ، فهي “مخلوقات حكيمة وذكيّة، لا تهاب أحدًا على الإطلاق، لذلك تحسب لها جميع المخلوقات ألف حساب. 
من بين كلّ حواسها لديها الحدس هو الأكثر حدّة، لذلك هي لا تدخل حربًا دون نيّة الفوز بها، ولا تتذرّع بالحذر كالجبناء، بل تقف بمفردها في مواضع لا يتجاوزها مَن هم سواها إلّا في جماعة، وبما أنّ العقبات لا تسدّ طريقها، لأنّها تشكّل جزءًا من دربها، لذلك تكسب رهاناتها على الدوام. 
ليست الذئاب شياطين أبدًا، لكنّها أيضًا ليست مثل القدّيسين. إنّها ببساطة حيوانات برّيّة لاحمة كبيرة الحجم، ولأنّ لحكايات الذئب الحكيم موقفًا وكلمة، حريٌّ بنا أن نتعلّم من الذئاب حكمة”.
الكتاب نفسه، وقد صدر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون”، في الأردن، في 112 صفحة، تضمن 17 قصة، حملت العناوين الآتية:
الضبع الأمين، الخُزَز الطمّاع، وصايا الذئب الحكيم إلى ابنته السِندأوة، العُقرُبانُ والضّفدع ، الدرس الأوّل، الأبناء الثلاثة، الدّرّام الصغير، الظّليم الجاهل، ابن آوى والعكموس الكبير، تحدّي الكلاب، الفيلة عيثوم، الذئبةُ ألفا ، الصّوصُ الغبيّ ، الشِبلُ والبابون، الجحشُ والسِّرحانة، أعظمُ المخلوقاتِ، كلبُ المزرعةِ، الشادن الصغير والمنحدر الخطير.
لغة المجموعة جاءت رصينة، مليئة بالمحسنات البديعية، والأساليب اللغوية المتنوعة، ما أضفى على المجموعة رونقًا خاصًا، ومن أجوائها نقرأ واحدة من قصص الكتاب، وقد جاءت تحت عنوان “الجحشُ والسِّرحانة”:
وقف جحش سقيم، عند باب لوبو الحكيم، وبعد أن حطّ الرحال، وسمحت له الذئاب بالولوج، ألحّ وأكثر من السؤال، فهو مهذارٌ لجوج. لم يتضايق منه الحكيم ولم يتأفّف، وعلى ضياع وقته الثمين لم يتأسّف، وبعد شرحٍ وتفسير وقول، طلب ابن العُلوج الإذن بالخروج، ثمّ رفع أذنيه إلى السماء، وأخذ يلهج بالدعاء. وقبل أن يكمل طريقه نحو الحقول، ويسرح في المراعي والمروج، أطلق صوته الشنيع، نهيقًا آلم الجميع، وراح يقفز ويقول: 
– يا واسع العطاء، لا تُذِقْ هذا الحكيم مكروهاً ولا بلاء. 
على الفور خرجت الذئبة ألفا من مخدعها مزعوجة ونكِدة، وقامت بطرد هذا الجحش من بيتها شرّ طردة، ووسط استغراب الجحش ودهشته، ظهرت أسنانه وشنفت شفته، وسأل السِّرحانة عن سبب محنته، فأطلقت عواءها في خلقته:
– لأنّك أيّها الأبله دعوت على حكيم الذئاب بالموت. 
سمع لوبو هذا الحوار من داخل الوكر، وطلب من الذئبة أن تحلُم عند الغضب وتتحلّى بالصبر، فهذا الجحش عليها لن يفهم حتّى لو ماتت من القهر، ثمّ نصحها بألّا تطلب من الحمار الاعتذار، لأنّ عدم قدرته على معرفة خطاياه، هي إحدى طبائعه وسجاياه.

فما كان منها إلّا أن قالت حكمتها بعد أن هدأت ثورتها:
– ألا تعلم أيّها الأحمق؛ أنّ كلّ مخلوق يُخلق، لا بدّ أن يَرى مكروهًا طالما بقي حيًّا يرزق”.
جدير بالذكر أن محمد نزير الحمصي شاعر وكاتب ومترجم سوريّ معاصر. ولد في حيّ القنوات العريق بدمشق في 28/11/1958. تلقّى تعليمه في مدارس دمشق والقاهرة ومدريد، التحق بجامعة دمشق لدراسة الكيمياء. ثم عاد لاحقًا إلى إسبانيا لدراسة الفنون الجميلة في الكليّة الرسميّة للفنون الجميلة في مدريد. عمل في بعض القنوات التلفزيونية العربيّة والأجنبيّة. يعمل حالياً في مجال التأليف والترجمة من اللغة الاسبانيّة وإليها ويكتب الشعر.
لديه العديد من الأعمال الشعرية والمؤلفات الخاصة به، وكذلك ترجمات إلى اللغة الإسبانيّة لعدد كبير من مؤلفات صاحب السموّ حاكم الشارقة، مثل: الحقد الدفين، بيبي فاطمة وأبناء الملك، الشيخ الأبيض، الأمير الثائر، النمرود، القضية، شمشون الجبّار، وكتب تحقيقات لصاحب السموّ حاكم الشارقة مثل إنّي أدين، محاكم التفتيش.
				




