أخبار عاجلةالرئيسيةملفات وحوارات

رواية «أنيموس: روح الأسر في الظلال» ‎ ‎تبارك الياسين تحاور صفاء ابو خضرة



‎ تقدّم صفاء أبو خضرة تجربة سردية تفتح بابًا على العتمة الداخلية للأسرى، حيث يتحوّل السجن من مكان مادي إلى متاهة نفسية تتصارع فيها الهوية مع الغياب. بأسلوب يمزج الفلسفة بالخيال الرمزي، تكشف الرواية هشاشة الروح حين تُحتجز خلف القضبان، وتطرح سؤالًا مريرًا: ماذا يبقى من الإنسان إذا فُقد صوته في الظل؟

 

حاورتها تبارك الياسين


‎1-رواية أنيموس: كيف تصفين التحديات الشخصية
‎والوجدانية التي واجهتك أثناء كتابتها؟

‎-لأنني منذُ الطفولة أتحدّث مع الأشياء من حولي، حتى الجمادات أحدّثٌها كأنها حية بالفعل، ولأنّني مع ذلك خضتُ عِراكاً طويلاً عبر مسيرتي، لكنّ في حالة “أنيموس” واجهتُ تحدّياً صعباً مع نفسي، هذه المرة أردتُ كتابتها كي أنسى وجه (تيم) الطفل الذي كان بعمر الرابعة عندما حدث معه ما حدث، لطالما لاحقني وجهه، ونظراتهُ، كلّما أغمضتُ طالبني بالحرية، أو على الأقل هكذا اعتقدت، فقررت بعد أربع سنوات من مخاضي العسير مع حكايته أن أكتب، كي أحرّر نفسي قبل أن أحرره، أردتُ أن أكتبهُ، كي أنساه..

‎2. يحمل العنوان “أنيموس” بعدًا نفسيًا مستمدًا من
‎ نظرية كارل يونغ، فما الذي دفعكِ إلى تحويل هذا المفهوم الفلسفي إلى مادة سردية نابضة بالحياة؟


‎-قرأتُ كارل يونغ في مجمل أعماله، وتأثرتُ بطريقة عرضه للـ (أنيما والأنيموس)، وهي نظريات تتوافق تماماً مع حالة بطل الرواية، في ضياعه وبحثه عن هويته، وتشظيه النفسي، في التناقضات النفسية والاصطدام مع الواقع المعيش، والصراع في محاولة إثبات ذاته، في متاهة اسمها (الحياة)، كانَ لا بدّ من المواجهة، في الوقت الذي تمرّد عليه جسده، وتاهت روحه بينَ الأنوثة والذكورة، ونبذته العائلة والمجتمع، من هنا تقاطع المفهوم الفلسفي مع التركيبة العجيبة التي خاضها (تيم).



‎3. هل وجدتِ نفسكِ في صراع بين مشاعركِ الخاصة والتعبير عنها عبر شخصيات الرواية، خصوصًا من خلال شخصية “تيم”؟


‎-لا أنكر أبداً أن الكاتب يكرر نفسه، بطريقة أو بأخرى في كتاباته، قد يعكس صراعاته النفسية وإن ادّعى غير ذلك، لأن الكتابة بحدّ ذاتها صِراع، صراع مع الشخصية والحدث والفكرة صراع مع الزمان والمكان، قد يعكس أحلامه وهواجسه وأفكاره، استطعت من خلال (تيم) وبقية الشخصيات، أن أكون أكثر من شخصية، أكثر من أنثى وأكثر من ذكر، لكني تحدثت بصوتهم لا بصوتي، واعترضت من وجهة نظرهم لا من وجهة نظري، هذا كان التحدي الكبير، أن أكون أحداً غيري في النص المطروح، لكنّ مع كل ذلك، فالمعاناة كانت حاضرة، ومشاعري كانت جيّاشة لدرجة الكوابيس التي رادوتني كل ليلة، والدموع التي لم تنفكّ تجفّ كلّما تذكرت وجه البطل، هذا الطفل الذي فقد ذكورته بعمر الرابعة، وكان لا بدّ له من أن يعيش دون وجهة معلومة.. دائماً ما تخيّلته قبل بدئي بالكتابة كيف سيكبر، كيف سيشعر، بماذا يا ترى سيحلم، وأي مستقبل بانتظاره، هل سيعرف طعم الحب، وهنا ستكون المرارة الحقيقية.. كلّ تلك الأسئلة التي نهشت عقلي وجسدي، وتآمرت على راحتي، كانت تحدّياً كبيراً بالنسبة لي.


4. تتناول الرواية موضوعات جريئة مثل الهوية والتمرد على الأعراف الاجتماعية. كيف تعاملتِ مع الخوف من ردود فعل القرّاء تجاه هذه المساحات الحساسة؟

‎-لا أنكر أنني خفتُ قبل طرح الرواية، لأنني أعرفُ تماماً نظرات الآخرين وأفكارهم، لكني بالعادة أتجاوز كلّ ذلك.. من باب إيماني بأن الكتابة هي مبدأ وأداة دفاع ومقاومة، ولأنني منذ الطفولة عندما اكتشفتُ موهبتي في الكتابة، عرفتُ أنّ هذا الطريق شاقّ، ولا بدّ من أن تواجهني الأشواك والمطبات والحُفر، ولا بدّ بالمقابل من أن يكون إيماني هذا يقيني وليس إيماناً شاذاً.. حتى وإن تفتّقت الجدران من حولي وتصدّعت، من منبع استنطاق البعد الإنساني والفكري والحسّي، وفق ما تطلبتهُ المساحة النفسية للرواية، كما أنّ إرضاء الناس غاية لا تدرك، كانَ من القراء من أحب الرواية ومنهم من كرهها وكرهني معها، ولكن هذا لم يردع روح الكاتب داخلي، فالكاتب إن لم يتمرّد لن يستطيع الخروج من خلف القضبان سيبقى سجيناً للأبد.

‎5. كتابة رواية تحمل صراعات داخلية وفلسفية عميقة ليست مهمة سهلة. هل مررتِ بلحظات ضغط نفسي أو إرهاق وجودي أثناء العمل على النص؟ وكيف تجاوزتِها؟


‎-بكلّ تأكيد، لكن ما عانيتهُ أكثر، كانَ في مرحلة دراسة الفكرة، وتطويرها داخل عقلي، كنتُ كلما أبدأ الكتابة أتراجع، تبقى الصفحات بيضاء، وكلما دوّنتُ مشهداً على الحاسوب حذفته، الضغط النفسي في الرواية عالٍ جداً، أرق، وألم وخوف، وذعر وكوابيس كلّ ذلك شكّل لي حالة من التوتر الدائم، لكنّه توتّر صحي.. أخذتُ وقتي الطويل ما بينَ دراسة وبحث، لأنّ الموضوع احتاج معرفة كبيرة في العمليات التجميلية مثلاً والجراحية التي استدعت حالة بطل الرواية اضطررت لقراءة كتب طبية واستشارات أيضاً من متخصصين، ومشاهدة أفلام خاصة عن تلك العمليات شكّلت لديّ ألماً لم أشعر به من قبل.. لكن كانَ لا بدّ من ذلك ليخرج العمل متكاملاً ومستنداً في حقيقته إلى أسس مدروسة.



‎6. أنتِ معروفة بشاعريتكِ في اللغة، فإلى أي مدى أثرت خلفيتكِ كشاعرة على أسلوبكِ الروائي، وهل شكّل الانتقال من القصيدة إلى الرواية تحديًا لكِ؟


‎-اللغة عنصر أساسي في الكتابة، وسلاح ذو حدّين، تمنح النصّ عمقاً جمالياً ونفسياً، فما بالك عندما يكون لها إيقاع شعري إذا ما تم استخدامها باعتدال طبعاً حتى لا أربك النصّ وأخسر إيقاعه السردي، اللغة الشعرية تنقل القارىء إلى عالم مدهش جاذب ومتخيّل وعميق، لكنّي أكتب بها لأنّها لغتي الأساس التي بدأتُ بها أول خطواتي نحو الكتابة..
‎ أما توجهي إلى كتابة الرواية انتقالاً من الشعر لم يكن بجديد، خاصة وإنني منذ الطفولة كنت مهووسة بتدوين الحكايات من الجدات والنساء كبيرات السن في الحيّ، دوّنت صوت العصافير، صوت المطر، ورائحة الموسيقى، ودونت ملامح الوطن الذي لم أره إلا في أحلامي.. كلّ ما كنت أسمعه أدوّنه، ولم يكن تدويني بشكل عادي إنما فيه حسّ روائي وسردي، بالاضافة إلى هوسي بكتابة الرسائل، لكني لم أنشر الرواية إلا متأخراً، فالرواية الأولى (أنيموس) عام 2018، علماً أنني أنجزتُ ثلاث روايات قبلها ولم أنشر أياً منها حتى اليوم، ثمّ تبعها روايتي الثانية (اليركون) طبعت في 2024.


‎7. في رحلة الكتابة الطويلة، هل ساورتكِ لحظات شك أو تردد؟ وكيف واجهتِها لتصلي إلى النقطة الأخيرة في الرواية؟


‎-كتابة الرواية أمرٌ شاق جداً، والوصول إلى النهاية يشبه حالة النزاع، أصدقك القول ولا أبالغ، النهاية تشبه خروج الروح من الجسد، تبدأ بفقدان الإحساس بالأشياء، والتوتر الخفيّ، على الأقل أتحدث عن نفسي وما يحدث بالفعل، وعندما تحين اللحظة في كلمة (تمّت) يخرج النفس الأخير.. يساورني الشك والتردد بالطبع وهذا أمر صحي، من أجل نهاية صحيحة ومتينة، لكنها أصعب اللحظات، والوصول إليها يحتاج وقتاً وجهداً كبيرين ومراجعات.. وقد يحدث أن تكون النقطة الأخيرة حضرت نفسَها بنفسِها، كأن يغلق الباب فجأة ولا تستطيع فتحهُ بعد ذلك أبداً.

‎8. جاءت “أنيموس” بحبكة غير خطيّة تتوزع عبر “شظايا” من السرد والذاكرة. ما الصعوبات التي واجهتكِ في بناء هذا الشكل، وكيف أثّر على حالتكِ النفسية أثناء الكتابة؟

‎-الحبكة غير الخطية مثيرة، وتعد بالنسبة لي تحدياً كبيراً، هي بالفعل شظايا، هي أيضاً مدّ وجزر، ذهاب وعودة، سفر عبر الزمن، عبر الماضي والحاضر، هي جسور متشابكة، لكنّها تصل بعضها ببعض، ولا يمكن تخطّي أي من تلك الجسور، كتابتها تحتاج دقة ومتانة في الطرح حتى لا تحدث الفجوات، تكون الأعصاب مشدودة طيلة فترة الكتابة، تحتاج إلى قراءة مرات عدة وتدوين الملاحظات، وإلى حواس متفتحة وذاكرة خصبة وحاضرة، لكني استمتع بهذا الأسلوب، أستمتع بالتحديات، لا توقفني العثرات بل تشدّ من أزري وتخلق لديّ دافعاً قوياً لأكمل المسيرة.

‎9. الرواية تلامس ثيمات التمرد والبحث عن التوازن بين الذكورة والأنوثة. هل ترين أن هذا الصراع يعكس واقعًا اجتماعيًا عربيًا معاصرًا؟

‎ـ هذا النوع من الصراع يعكس أزمة وعي حضاري بأكمله، أعمق من مجرّد علاقة بين رجل وامرأة، أرى أن الكون بحدّ ذاته قائم على هذا الشكل من التوازن وأيّ خلل فيه سيكون شاملاً وعابراً للأزمنة حتى، في الرواية كان الصراع بين نظام رمزي يقدّس السلطة والأدوار الثابتة وبين وعي يبحث عن التوازن، أما التمرّد فكان عبارة عن صرخة وجودية تسعى إلى إعادة تعريف الذات خارج القوالب الخشبية المتهالكة، هي تمثيل لتجربة الإنسان العربي الذي يعيش في قيود سواء تلك التي فُُرضت عليه أو خلقها لنفسه دون أن يحاول الخروج من قالبها الذي ترك فيه شرخاً كبيراً يحتاج إلى صرخة ومقاومة ونظرة شمولية حقيقية نحو الحرية ليجفّ مكانه ويختفي.

‎10. تضم الرواية إشارات فكرية إلى فرويد ويونغ وغيرهما. كيف وازنتِ بين العمق الفلسفي في الطرح وسلاسة القراءة حتى لا يشعر القارئ بثقل المفاهيم؟

‎-المفاهيم إذا ما أخذناها كما هي بقالبها الخارجي فهي بطبيعتها معقدة، لذلك طرحتها في الرواية بطريقة متحركة، ليّنة، داخل النص وعبره، من خلال لغة الشخصيات، تعبيرهم عن مشاعرهم وهواجسهم وتحرّكاتهم، فلم أشرح الانتظار مثلاً بشكله الذي نعرف، بل عرّفته بلغة شاعرية محسوسة، متخيّلة ومصوّرة، كذلك الأحلام والهواجس لم أطرحها بصبغتها الفلسفية بل بشكلها المحسوس، الأفكار الفلسفية تصبح سهلة حين تتجسّد، وتعكس الصراع النفسي أو حتى الرغبة، كما أنني لجأت إلى لغة شفافة لكن عميقة تشبه التيار بظاهره الشفاف قويّ ومخيف لكنّهُ باردٌ ولطيف.. ابتعدتُ عن نبرة المحلل والواعظ والآمر وانتهجتُ الكتابة من قلب التجربة، والمشاعر السائلة التي تمثل كلّ واحد فينا.. وتعبر عن مكنوناتنا جميعاً كبشر مع اختلاف أفكارنا وتوجهاتنا.

سيرة ذاتية
صفاء ابو خضرة/ كاتبة اردنية مقيمة في اربد موظفة في وزارة العدل الأردنية حاصلة على دبلوم برمجة حاسوب.
-عضو رابطة الكتاب الاردنيين.
-عضو هيئة ادارية في رابطة الكتاب الاردنيين فرع إربد للعامين ٢٠٢٠_٢٠٢٢
-عضو اتحاد الادباء والكتاب العرب
-عضو ملتقى اربد الثقافي.
-الاصدارات الأدبية والمشاركات:
-نصوص شعرية بعنوان (ليس بعد) صدر عام 2002 بدعم أمانة عمان الكبرى- عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
-نصوص شعرية بعنوان (كأنه هو) عام 2008 بدعم وزارة الثقافة- عن عالم الكتب الحديث.
-مجموعة قصصية بعنوان (فلامنكو) صدرت عام 2017 طباعة شخصية.
-أنيموس- رواية عن دار فضاءات للدراسات والنشر صدرت عام 2019
-(اليركون) رواية صدرت في ٢٠٢٤ عن دار الفينيق.
_مخطوط نصوص عن تجربتي مع مرض السرطان
_مخطوط مجموعة قصصية قيد الطبع
_شاركت في العديد من الأمسيات الأدبية والندوات الشعرية في مختلف مناطق المملكة. ونشرت العديد من المقالات والقراءات في الصحف المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى