مرقص حنا باشا ( 1872- 1934 ) من كبار رجال الحركة الوطنية في مصر
وصاحب الفضل الكبير في الحفاظ على آثار توت عنخ آمون


إعداد/ ماجد كامل
ميلاده ونشأته :
ولد في 4 سبتمبر 1872 بمدينة المنصورة ،وتدرج في مراحل التعليم المختلفة ،وتعلم تعليمه الأساسي والثانوي بمدرسة التوفيقية بشبرا . ثم سافر إلى فرنسا بعدها وحصل على شهادة الحقوق من جامعة مونبليه ، ثم اكمل دراساته في العلوم الإقتصادية من جامعة باريس . وعاد بعدها إلى أرض الوطن خلال عام 1891 ليخدم بلاده .
مجالات عمله :
فور وصوله إلى مصر ، عين أولا وكيلا للنيابة بمحافظات ( أسيوط ، سوهاج ، المنيا ، الإسكندرية ) ثم أفتتح مكتبا للمحاماة بمدينة أسيوط حيث تدرب عنده محاميا تحت التمرين ” توفيق دوس باشا ” ( 1875- 1950 ) وأنتقل بعدها إلى القاهرة وافتتح مكتبه بشارع الفجالة ، وشارك معه في المكتب المجاهد الوطني الكببر ” ويصا واصف ” ( 1873- 1931 ) وفي هذا المكتب تدرب الكثير من كبار رجال القانون والسياسة وأساتذة القانون بكليات الحقوق .
دوره في إنشاء الجامعة المصرية :
كان “مرقص حنا ” من كبار المساهمين في إنشاء الجامعة المصرية ، حتى عين عضوا بأول مجلس إدارة بها . وساهم بها في تدريس القانون الدستوري ، حيث أنه كان قد سبق أن درس هذا الفرع من القانون بمدرسة الحقوق الفرنسية . وأختار هذه المادة لانه كان أول من وضع كتابا باللغة العربية عام 1898 ، ليرشد أبناء وطنه إلى ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات .
نشاطه في تقابة المحامين :
كان مرقص حنا أول عضو بمجلس نقابة المحامين بمصر ، حيث كان اول عضوا بمجلس نقابة المحامين بمصر عام 1912 ، ثم اختاره المحامين وكيلا للنقابة عام 1914 ، وظل في هذا المنصب لمدة أربع سنوات . ثم أعيد انتخابه في 18 ديسمبر 1925 ،وظل في هذا المنصب لمدة هذه المرة لمدة عام واحد فقط .

مواقفه الوطنية :
في 21 مارس 1921 ، اندلعت مظاهرة كبرى في القاهرة سار فيها علماء الأزهر وطلابه . ورجال القضاء والأطباء والمهندسون ،وطلبة المدارس والعمال ، وبينما هم في طريقهم إلى ميدان الأوبرا ، أطلق الجنود الإنجليز الرصاص عليهم فسقط عددا منهم ، وهنا قرر المتظاهرون دخول قصر عابدين لعرض الاحتجاج الرسمي على السلطان “فؤاد الأول ( 1868- 1936 ) فطلب منهم اختيار وفد يمثلهم للحديث أمام السلطان ، فاختار المتظاهرون ثلاثة هم ( مرقص حنا نقيب المحامين ، محمد زكي الابراشي من رجال النيابة ، محمد توفيق حقي من رجال القضاء ) وقابلوا السلطان أحمد فؤاد ، وهنا وقف مرقص حنا وتكلم نيابة عن المتظاهرين استنكار الشعب لارتكاب سلطات الإحتلال تلك الجرائم الوحشية ضد الآمنين . وكان مرقص حنا يرتجل الحديث والخطابة . ثم أقام المحامون مأدبة لتكريم سعد باشا ( 1859- 1927 ) وكان ذلك يوم الجمعة 15 أبريل 1921 ، فقام مرقص باشا بارتجال خطاب أشاد فيه بدور الوفد في الحركة الوطنية . كما أشاد فيه بزعامة سعد للأمة ، رد عليها سعد بكلمة شكر بليغة ، ولقد ظل مرقص حنا يرتجل خطبة بليغة للاحتفاء بزعيم الأمة . والإشادة به . نذكر منها خطبته البليغة التي ألقاها أثناء الاحتفال بعيد النيروز في 12 سبتمبر 1921 ، حيث أقيم حفل ضخم بجمعية التوفيق القبطية ، وألقى مرقص حنا خطبة سياسية حول دور الحركة الوطنية وحزب الوفد ومبادئه .وتعتبر هذه الخطبة واحدة من أهم الوثائق المهمة بالنسبة للوفد والوطن .
اختياره عضوا بلجنة الوفد المصري :
وفي أبريل 1919 ، اختير عضوا بلجنة الوفد المركزية برئاسة محمود سليمان باشا ،وفي اعقاب فشل مفاوضات “عدلي يكن ” ( 1864- 1933 ) في إنجلترا في ديسمبر 1921 . نفي الزعيم الوطني الكبير “سعد زغلول ” ( 1858- 1927 ) ورفاقه إلى جزيرة سيشل ، وأعتقل الإنجليز قيادات الوفد الجديدة بالقاهرة وهم : ( حمد الباسل ، ويصا واصف ، مرقص حنا ، واصف بطرس غالي ، علوي الجزار ، جورج خياط ،مراد الشريعي ) ،وأودعتهم ثكنات قصر النيل رهن التقديم للمحاكمة العسكرية بتهمة نشر منشورات تحض على كراهية واحتقار الحكومة المصرية . و صدر الحكم المحكمة العسكرية على سبعة منهم بالإعدام ، ثم خفف الحكم إلى السجن سبع سنوات وغرامة خمسة آلاف جنيهع ، ثم أفرجت عنهم سلطات الإحتلال الإنجليزي بعد ثمانية شهور قضوها في السجن .
أهم المناصب الوزارية التي تولاها :
1-منصب وزير الأشغال في وزارة سعد زغلول خلال الفترة من 28 يناير حتى 24 نوفمبر 1924 .
2-منصب وزير المالية في وزارة عدلي يكن الثانية خلال الفترة من ( 7 يونيو 1926- 21 أبريل 1927 ) .
2-منصب وزير الخارجية في وزارة عبد الخالق ثروت الثانية خلال الفترة من ( 25 أبريل 1927- 16 مارس 1928 ) .
دوره في المجال القبطي الكنسي :
1-أنتخب عضوا بالمجلس المللي العام أكثر من مرة . ومن خلال عضويته بالمجلس المللي ، أثيرت مشكلة النزاع بين الكنيسة القبطية والكنيسة الاثيوبية حول دير السلطان . ومن أجل هذا النزاع ، شكل قداسة البابا كيرلس الخامس وفدا للسفر إلى القدس لمحاولة حل المشكلة ، وكان أعضاء الوفد يتكونون من :
1-مرقص حنا .
2-الياس عوض .
3-سيداروس بشارة .
وبالفعل سافر الوفد إلى القدس بتاريخ 26 مارس 1908 ، يصحبهم نيافة الأنبا تيموثاوس مطران الكرسي الأورشليمي (1899- 1925 ) عن طريق البحر ، وكان مقررا أن تستقر السفينة بميناء يافا ،ولكن نظرا لهياج البحر ، أضطروا للسفر إلي بيروت حتى وصلوا إلى القدس بتاريخ 6 أبريل 1908 ، وهناك عقدت المفاوضات ،وقدم الوفد القبطي تقريرا يثبت فيه أحقية الأقباط في ملكية دير السلطان .وكان مرقص حنا هو كالتب هذا التقرير الذي كان يتكون من ستة عشر بندا سجلهم بفكر وقلم محام قدير . وبقلب كنسي مخلص . ولكن للاسف عناد الأثيوبين منع التوصل إلى حل . ( وما زالت المشكلة مثارة حتى يومنا هذا ) .
2-له جهود مخلصة في نشأة وتأسيس كلية البنات القبطية بالعباسية . ويذكر الدكتور رامي عطا صديق تفاصيل ذلك أنه في خطبة لمرقص حنا بك المحامي كان قد ألقاها عام 1908 بنادي رعمسيس ، حيذ يذكر تقرير جمعية الإخلاص القبطية المركزية بالإسكندرية ، في نشرة أصدرتها عام 1912 ، أن الأستاذ مرقص حنا قام بدعوة الأقباط إلى إنشاء معهد راق يتضمن تعليم البنت تعلميا راقيا ،يشمل مباديء التربية الصحيحة على الأسلوب الأوربي الحديث حتى تسير الفتيات مع الناشئة الجديدة من الشبان في طريق العلم والنور جنبا إلى جنب ولا يلجأ هؤلاء إلى تفضيل الأجنبيات عن بنات جنسهن لسبقهن في الحضارة والمدنية كما يفعل الآن كثير من الشبان المتعلمين .

ولم يكتفي مرقص حنا بالكتابة فقط ، بل قام بفتح اكتتاب لجمع التبرعات اللازمة لإنشاء الكلية ، ولقد تمكن من جمع ما يزيد عن الألف جنيه من أول جلسة عقدت . لقد كان مرقص حنا من مؤيدي دعوة قاسم أمين ( 1868- 1908 ) لتحرير المرأة ، ومن هنا فكر في إنشاء الكلية ، ولقد سجل الكاتب الصحفي رمزي تادرس ( 1878- 1951) في كتابه ” الأقباط في القرن العشرين حيث قال ” كان صوته أول صوت سمعته الأمة يتردد في كل مكان لمطالبتها بإنشاء كلية كبرى للبنات تسد هذا النقص العظيم في التربية والأخلاق وناهيك بذلك الخطاب النفيس الذي ألقاه بنادي رمسيس أوائل عام 1908 حيث أبان فيه ضرورة تربية المرأة تربية عالية تؤهل الأمة إلى الرقي والتمدين وحث الجميع على ضرورة التبرع للكلية ” .
جهوده في الحفاظ على ملكية مصر لكنوز مقبرة توت عنخ آمون
في فجر يوم 4 نوفمبر 1922 ، أعلن العالم الإنجليزي هوارد كارتر Howard Cater ( 1874- 1939 ) عن إكتشاف مقبرة توت عنخ آمون . حدث بعدها نزاع بين الحكومة المصرية برئاسة “سعد باشا زغلول ” وبين كل من كارتر واللورد كارنوفون ( 1866- 1923 ) من جهة أخرى ، وسبب هذا النزاع هو الصراع على ملكية هذا الكنز الكبير تؤؤل إلى من ؟؟؟ . لجأ اللورد “كارنافون ” إلى المحاكم المصرية المختلطة ، وهنا وقفت الحكومة المصرية موقفا حاسما أنه من حق كارتر أن يستكمل عمله ولكن تحت الإشراف الكامل للحكومة المصرية . فرفض كارتر هذا الأمر ، فما كان من سعد إلا أن أمر الشرطة المصرية بالسيطرة على الموقع وتغيير الأقفال . وهو ما حدث فعلا ،وكان ذلك بالتعاون مع مرقص باشا حنا وزير الأشغال . أمر مرقص باشا حنا بفرض حراسة مشددة فور ا على المقبرة ،وخصص قوة من الضباط المصريين يفتشون بكل دقة شديد أي أحد يدخل المقبرة أو يخرج منها ، حتى هوارد كارتر نفسه ،ولا يتم الدخول إلا بتصريح خاص مختوم من الحكومة المصرية .
ولحفظ ملكية المصريين في ذلك الكنز النفيس . أمر بتسجيل كل أثر وكل مجموعة أثرية يتم تسجيلها لتنقل تحت حراسة مشددة إلى المتحف المصري لضمان تأمينها وسلامتها .
وفي مارس 1924 حكمت المحكمة المختلطة لصالح اللورد كارنوفون ، وكان قد توفى قبلها في 5 ابريل 1923 . ولكن الحكومة المصرية رفضت تنفيذ ذلك الحكم . وقامت بنقضه في محكمة استئناف الإسكندرية ، التي حكمت أنه ليس من حق المحاكم المختلطة التدخل في قرارات الحكومة المصرية . تطبيقا لمبدأ سيادة الدولة على قوانينها ومؤسساتها الإدارية . واعتبار عقد امتياز الحفر من العقود الإدارية التي تكون الدولة فيها الددولة طرفا بصفتها السيادية . وتم عرض القضية أمام اللجنة الإنجليزية ، فأصدرت قرارها أن كارتر يمثل نفسه باعتباره شخص واحد ولا يمثل الحكومة البريطانية .
تاريخ وفاته :
توفى مرقص باشا حنا في 18 يونيو 1934 عن عمر يناهز 62 عاما .
مراجع مختارة :
1-زكي فهمي : صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر ، مؤسسة هنداوي ،موقع على شبكة الأنترنت .
2-لمعي المطيعي : نساء ورجال من مصر ، دار الشروق ، الطبعة الأولى ، 2003 ، الصفحات من 751- 758 .
3-مينا بديع عبد الملك : أعلام مضيئة ( السيرة الذاتية لمائة شخصية مصرية ) ، بيت مدارس الأحد ، الطبعة الأولى ،نوفمبر 2002 ، الصفحات من 489- 493 .
4-ماجد عزت إسرائيل : بطاركة ونوابغ الأقباط في مصر من الحكم العثماني إلى الحكم الوطني ،مركز التاريخ العربي للنشر ،الطبعة الأولى ، 2025 ، الصفحات من 207 – 211 .
5-مينا بديع عبد الملك وآخرون : قاموس التراجم القبطية ، جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ، الطبعة الأولى ، 1995 ، الصفحات من 216- 217 .
6-رامي عطا صديق ، رامي جمال صموئيل : كلية البنات القبطية ، مائة عام في خدمة التعليم ، جذور عميقة …. ورؤية حديثة ، الجمعية القبطية للنشاط الخيري والتعليمي والاجتماعي ، 2025 ، الصفحات من 40- 41 .
7- محمود شاكر : القصة الكاملة لبطل مقبرة توت عنخ آمون مرقص باشا حنا ، بوابة الدولة الأخبارية ، الخميس 3 نوفمبر 2022 .
:



