قراءة تحليلية للمجموعة القصصية ” كساء الجمر” للكاتب كرم الصباغ.
بقلم الكاتبة هالة مهدي.

استهلال:
تحتوي المجموعة القصصية ” كساء الجمر” علي قسمين فرعيين: أحداهما “صبابات الرمل” يتحدث وبدقة عن شخصية البدوي في طباعها أحلامها عاداتها.. تقاليدها مشكلاتها. وتأثرها بالبيئة.
أما القسم الآخر “متون بسيس” فتجده معبرا عن روح البدوي ومشاعره والوصف الطبوغرافي لباديته.
الغلاف:
تمازج وتدرج الألوان ما بين الأبيض الرملي والأصفر ثم البرتقالي المتوهج كضوء الشمس ثم ينتهي بالأحمر القاني فهو تدرجات الحالة النفسية وتصاعدها من الهدوء والرتابة إلى الصخب والعنف والقتل أحيانا.. تدرجات بينية معبرة عن تصاعد الأحداث حتى ذروتها..
عناوين القصص:
العناوين كلها لا تخلو من إشارة إلى البادية وتجد أن المفردات فيها تعبر عن صفة لا يستخدمها الآن سوي البدوي الأصيل.. ألا وهي التوقيت والاستدلال القمري.
كما يعبر بعض منها عن مفردات الطبيعة البدوية في الأرض والشجر والجمر والطبيعة الطبوغرافية للبادية في عمق الصحراء وذلك ما جعلني أسأل عن جنسية الكاتب.
المتن:
احتوت المجموعة على أربع عشرة كل منها تحتوي على قضية هامة وعميقة تخص قضايا مجتمعنا ككل ثم تتوغل إلى عمق تلك القضايا وتذهب بنا إلى البادية، حيث تجد أن البادية لا تنفصل عن مجتمعنا الأم؛ لها نفس الهموم ونفس الملامح لكنها تختلف في تناول البدوي لتلك القضية من منظوره الشخصي.
السرد:
تكمن قوة السرد هنا في قيمة المفردات والبنية البلاغية لها
وقد استخدم الكاتب مفردات قوية تدخلك في عالم البدو بالفعل حيث عبر بألفاظ تعتبر خاصة بالبيئة تلك فقط
(فراش من الرمل النجع- الأرض- الزيتونة- هناك علي التبة العالية- القمر حزين الليلة.. القمر الأحمر)
السرد مشهدي يدخلك في كادر الأساطير والحكايات التي تحكيها الجدات، وإلى عالم خيالي مفعم بالحميمية الصادقة نحو تلك البيئة بكل تفصيلاتها العميقة.
الحوار:
يطغي السرد علي الحوار هنا بحيث تجد أن الكاتب استخدم مفردات السرد التي جعلت الحوار في كلمات وجمل بسيطة يحتاجها السرد ومكملة لسردية القصة.
البلاغة:
مجموعة قصصية سردية سليمة بلغة شعرية، وروح شاعر في قالب قاص، هكذا أحسست. أنه ديوان قصصي.
المفردات معبره بالفعل “روحا معلقة…القمر الليلة حزين.. الخواطر خناجر تمزق رأسها.. في قلبي عينان مبصرتان.. أصوات الصفيح.. عصي الجريد…طرقات الصفيح…ظل عارف” ثم رمزية الهروب إلى الموت والمزج بين الروح والشجرة؛ ليصبح بعدها الظل ليس ظل شجرة ولكن ظل عارف، روحان في جذع واحد.
الزمكان:
تجد علاقة وثيقة ومحددة بين الزمان والمكان، حيث المكان الذي دارت فيه معظم أحداث القصص وأبطال شخوصها الذين ينتمي كل منهم إلى البادية ذاتها، والنجع ذاته، وربما الحي نفسه، وربما في شوارع قريبة في شرح واضح لتقارب الشخوص والفكر والمعتقد.
أما الزمان فقد عبر الكاتب عنه بمفردات التقويم القمري كعادة أهل البادية .
قراءة سريعة لبعض القصص:
دم القمر:
الخيال عندما يحتضنه ضوء القمر ويغلفه الأساطير الموروثة وأحلام الصبية وخوفه من المجهول؛ لينتج مخاوفا قد تكون وهما لا ينكشف الا بمرور الوقت أو حادث يكشف زيف المعتقد، وتعبيرا عن قوة الجهل بشدة الإظلام ورحيل ضوء القمر..
لقد عبر الكاتب عن كشف الحقيقة بعريها في صورة صباح وخميس عاريين؛ ليخبرنا أن كل تلك المخاوف إن أقدمتَ عليها، هزمتها وقضيت عليها.
تعبير صباح الفرسة والبغل خميس:
القاعدة اللغوية تقول أن تقديم الموصوف على الصفة هو تخصيص وانفراد وذلك في صباح الفرسة هو اختصاصها بالخصوبة وانفرادها بمقوماتها، وتعبيرًا عن كونها تستحق الأفضل، أما تقديم الصفة على الموصوف في البغل خميس فقد منحتني إيحاءً بأن كلهم بغال وخميس هذا بغل من بينهم ،.حيث الدونية والتعميم وعدم الاستحقاق الذي يشعر به الصبية نحوهما بعد انكشافهما.
مثل غيمة حانية:
انتقال المشهدية ما بين شباك غرفة الزوجة ثم داخل المنزل حيث الصمت والهدوء والرتابة، وتعبيرات دالة على الحالة الشعورية للبطلة
“دون ارتواء…تنسحب روحها…تنتظر عودته حتى تسري الروح في جنبات الدار”
وتعبر عن ارتباط وثيق وخيط رفيع ما بين الأطفال وأمنية لم تتحقق وزوجها طفلها الذي لم تلده.
تجد منطقتها الزمنية معه لا تتعدي بضع دقائق في اليوم، لكنها لا تسري فيها الروح إلا بتلك اللحظات، وشعور بالرضا عن أقل القليل واليسير منه وشعور بعدم الاستحقاقية مما جعلها تقف راضية أمام أي قرار يتخذه وتحتفل بمرور ستة أعوام على موعد قدوم أمنية لم تتحقق.
تلك القصة بالذات تعبر عن مكنون الأنثى الذي يقع في منطقة محظور الحديث فيها لأنها خاصة جدا عند المرأة. لكن تجد الكاتب وكأنه دخل بعمق الشخصية وعبر عنها تعبيرا حقيقيا .
كساء الجمر:
تجدها فى سرديتين مختلفتين أيضا إحداهما تشرح الرمز في كنه البطل كما يراه الآخرون : فهو
١-فهو نمر يقبض على سلاحه في عيون أصدقائه.
٢-وهو راعٍ يهش على غنمه في عيون أهل النجع
٣-وهو وليٌّ في عيون أهل الطريق والدراويش.
٤- وهو فارسٌ ووترٌ حزينٌ في عين رقية.

إن انتهي السرد عند جملة الأم “أراكم بعين قلبي المبصرة” تجدها قصة متكاملة الأركان
وإن أضفت الحاشية وجدتها قصة بمنظور مغاير للكاتب ..فلا تعرف إن كان قد استشهد أم تحول إلى روح أم ما زال حيا دون روح.. وأعتقد أن الكاتب ترك لنا نهايات مفتوحة ليضع كل منا ما يراه نهاية مناسبة.
قي كل قصص المجموعة تجد أن لديك عزيزي القارئ مساحةً من التخمين والقراءة والتحليل ومع مجموعة انتقى الكاتب مفرداتها بعناية؛ لتعبر عن مجتمعنا، وتجد أيضا دراسة موروثاته وقيمه بعناية، وتجد لكلّ قصة قيمة عميقة تعبر عنها وحالة شعورية مأزومة: الاغتراب، الوحدة، الحرمان من الإنجاب، الخيانة، عدم التكافؤ فى السن عند الزواج، الحرمان العاطفي، الرغبة في الانتقام و القتل، وأخيرا الحب.
لذلك قد أنصحك عند قراءتها أن تتهيأ لعالم أسطوري من الأزمنة التي تسمع عنها في تراثنا وموروثنا البدوي.





