أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

ماجد كامل يكتب البيدق العبقري.. الذي تمرد على قوانين رقعة الشطرنج والحياة ايضا؟!

عادة ما تكون الأفلام أكثر خيالا وجموحا من الواقع
لكن ذاك الفيلم جاء مناقضا لذلك الاعتياد..!
فقد حاول كاتب فيلم (التضحية بالبيدق) ومخرجه قدر جهدهما ترويض الجموح والتمرد لواقع حياة نجم الشطرنج الامريكي (بوب فيشر) والحد من شطحاته وجنونه، فخرج الفيلم أقل جراءة وفانتازيا من الأحداث الأصلية التي عاشها وفجرها لاعب الشطرنج الأنجح، والأكثر تهورا، وربما أيضا الأكثر عبقرية وجنونا في تاريخ اللعبة!!
فهذا البوبي فيشر فضلا عن كونه نجح في أن يصبح أصغر من أعتلى عرش الشطرنج في امريكا، فهو كذلك من أنتقل بالرقعة الخشبية من لعبة لا يهواها الأمريكان، ولا يفضلون ممارستها -فالامريكان مدمنون للبيسبول والملاكمة والرجبي- الى لعبة شعبية يشاهدها الجمهور الامريكي في كل مكان، بل ويمارسها على المقاهي وفي الحانات!
وتحول فيشر الي بطل ملهم، وزعيم قومي حتى عند من لم يمارسوا الشطرنج ابدا، بعد أن نجح في أن يفوز بأول بطولة عالم شطرنجية لصالح لامريكان بعد سنوات طويلة من غيابهم عن منافساتها النهائية، الى حد ترسخ معتقد دولي عند متابعي لعبة الشطرنج في العالم بأن الصراع حول اعتلاء عرش المربعات الأربعة والستون المزدوحة الالوان، يوشك أن يصبح صراع سوفيتي محلى، بعد أن احتكر مراكزه الاولى الابطال الروس لسنوات مديدة!
لكن هذا ليس كل ما عند بوبي فيشر؟؟!
بوبي في نسخته الحقيقية مولود لأم يهودية ولم يعرف اباه.. ثم تبرأ من عقيدته اليهودية، وكره وانتقد وسب اليهود وما فعلوه في فلسطين، بل وما فعلوه بالعالم كله
بل تجرأ وسب الولايات المتحدة نفسها، وانتقدها دوما حتى انه أبدى علانية سعادته وشماتته لما وقع بها في أحداث الحادي عشر من سبتمبر!!
أعتزل بوب الشطرنج رسميا وهو في بداية شبابه، وترك مبكرا عرش كان جميع الخبراء يؤكدون انه سيظل متربعا عليه لسنوات غير قليلة واستمر لثلاثون عاما بعدها، ينتقد الجميع ويتمرد عليهم، فقصة حياته وتفاصيلها هي حالة جراءة نادرة الحدوث من شخص وصل الى قمم المجتمع، ومحسوب من نخبته وكبغر نجومه، ضد المجتمع العالمي بأسره، أو على الأقل ضد قواه الكبرى، شرقية حامت ٱ غربية!!
الرجل هاجم اليهود ووصفهم بما يستحقوه.. وأيضا سب الروس واتهمهم بالتجسس عليه ومحاولة قتله لابعاده عن منافسات اللعبة.. وحتى من جاءوا بعده من أبطال الشطرنج مثل كاربوف وكاسباروف نعتهم بالحثالة.. وأتهمهم بأنهم يلعبون مباريات متفق علي حركاتها، ومجرياتها محددة مسبقا، والفائز بها معروف من قبل ان تبدأ..؟!
و لم يكن يفوت فرصة إلا ويمسح الارض بأمريكا وسياستها ودعمها لليهود…


أو يشير ويفضح تحكم اليهود في مقدرات بلاده.
ووصل به الأمر من اعلان معارضته للقوانين درجة انه بصق علنا على قرار حكومي بمنعه من لعب إحدى المباريات متحديا تعرضه للسجن عشر سنوات كما ينص القانون!
فيشر العبقري -الذي قال عنه واحد من أهم خبراء اللعبة:
“ان ما يعرفه فيشر عن الشطرنج يعادل مائة شهادة دكتوراه “- ورغم حبه وشغفه برقعة الشطرنج غير أنه كان شغوفا أيضا بالمال إلى حد الشره او ربما هي الحاجة، فكان يطلب أضعاف المتعارف عليه من قيمة الجوائز!
أعرف ان كثير من المشاهير والعباقرة يمحن وصفهم بالجنون على سبيل المجاز، لكن صدقوني اذا قلت: أن كلمة جنون هي تفسير منطقي واقعي ومخفف لحال هذا الفتى، الذي أصر في أول مباراة نهائية يصل اليها ببطولة العالم أن تنقل المباراة من القاعة الرئيسية إلى غرفة تشبه القبو، دون تصوير تلفزيوني!!
بحجة ان أزيز الكاميرات يزعجه!!! .. وقد أستجيب له بعد أن توقفت المباراة فترة طويلة، وبعد موافقة خصمه الروسي المخضرم الذي ظن أنه كاسب المبارة لا محالة لأنه متقدم بجولتين على فيشر.. والعجيب انه بعد أن كان قبل نزوله للقبو مهزوما بجولتين، نجح في التعادل ثم تحقيق الفوز من داخل القبو!!
إن حياة هذا الرجل مسرح للعبث والتمرد والعبقرية المهدرة في صراعات أخذت الكثير من روح العبقرية لديه، ويكفي أن أختم كلماتي عنه بحادثتين تؤكد لك ما سبق وذكرته من ان تمرد فيشر وحدته وتجرئه تخطى كل الحواجز المتعارف عليه في هذا السياق
فالحادثة الأولى هي جعله الولايات المتحدة تخرج عن رصانتها، وحرياتها وتحضرها التي تتشدق بهما دوما..
فقد استفز حكوماتها الى درجة إعلانها وقف جواز سفره، مما يعني شبه اسقاط للجنسية عنه، وبناء عليه قبضت عليه حليفتها اليابان، وأحتجزته ثمانية اشهر لأنه بلا جنسية إلى ان منحته ايسلندا حق اللجوء – ملحوظة لا اذكر ان مصر اسقطت الجنسية ذات يوم عن احد مواطنيها مهما بلغت معارضته -على الاقل في الخمسين سنة الاخيرة- والحادثة الثانية جاءت عند إصابته بالفشل الكلوى لم يأبه بالتهديد الموجه لع من المرض، و الذي يشبه المصطلح الشطرنجي الأشهر (كش ملك)، ولكن فيشر (ملك الشطرنج) المتمرد لم يكش، او حتى يبالي بالتهديد..
وأصر أن يستمر في تمرده، وبالغ في الأمر، ورفض أن يعالج، معتقدا انه يمتلك زمام المبادرة في نزاله مع الحياة، كما كان يمتلك زمام مبارياته على رقعة الشطرنج، الى أن تمكن منه المرض واستفحل و.. ومات الملك.. ملك اللعبة غير المتوج رسميا، بعد أن بات ملكها المتوج شعبيا إلى اليوم…
مات وهو يظن أنه عاش حرا فوق رقعة شطرنج لا حدود لهاولا إطار.. بينما الحقيقة تخبرنا أن الحدود موجودة وقاىمة وحتمية مهم بدت رقعة أحدنا رحبة واسعة..
والماهر من يتحرك ببراعة داخل تلك الحدود متمردا، وفي نفس الوقت محاذرا ان يكسر كل قوانين اللعبة، فطالما كانت هناك مباراة فلابد لها من قوانين، ولابد أن نحترم بعضها على الأقل، وإلا وقع الاقصاء المبكر من الملعب كعقوبة لا تقل عن الخسارة.. ولعلها أكثر قسوة…
ربما تشاهدوا الفيلم ذات يوم الذي لم يكن ممتعا مثيرا كحياة ذاك المتمرد..
تلك الحياة التي أثبتت ان هناك حيوات لأناس لا يمكن حصارها ابدا بعرضها وسبر اغوارها في مجرد فيلم قصير، خصوصا لو كانت تلك الحياة لانسان متمرد.. أو بالأصح بيدق متمرد كما أسماه الفيلم
بيدق علمنا في الشطرنج، كيفية المغامرة بصنع فخ التضحية بالبيدق ليعيش الملك
لكنه زاد من حد المغامرة الى حد المقامرة والتهور، وسعى لخوض مباراة فوق كل التوقعات بالتضحية بالملك ذاته ليخلد اسمه على عرش التمرد والتفرد اللنساني معا…
وأعتقد أنه كان مخطىء في مغامرته الأخيرة..
فربما نجحنا في الفوز على الجميع في نزالات رقعاة الشكرنج الصغرى.. لكن الفوز الدائم مستحيل على رقعة الشطرنج الكبرة
او هكذا أظن.
… وحيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى