أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

محمد رضوان يكتب عندما تصبح قسوتك على نفسك أكبر من أي خطأ

 

في زحمة الأيام، وفي ضجيج السعي وراء الأفضل، يقع كثير من الناس في فخّ لا ينتبهون إليه إلا بعد أن ينهكهم تمامًا: جلد الذات. وهو جرحٌ لا تسببه الحياة بقدر ما يسببه الإنسان لنفسه، حين يبالغ في محاسبة ذاته حتى تتحول المحاسبة إلى عقاب، والعقاب إلى عادة، والعادة إلى أسلوب حياة. وجلد الذات يبدأ غالبًا بنية طيبة—الرغبة في التطور—ثم ينقلب تدريجيًا إلى عداء صامت بين الشخص ونفسه، حتى يصبح الإنسان قاضيًا قاسيًا على نفسه أكثر من أي خصم خارجي.

وما يجب أن تفهمه يا صديقي أن الخطأ جزء أصيل من التجربة البشرية، وأن القسوة المبالغ فيها لا تُصلح شيئًا بقدر ما تهدم الكثير. لا توجد حياة بلا سقوط، ولا نجاح بلا منعطفات ضيقة، لكن هناك طريقان دائمًا: إما أن تتعلم من خطئك، وإما أن تسجن نفسك فيه. والذين يختارون الطريق الثاني يعيشون أعوامًا يرثون فيها أنفسهم على أمور لا تستحق، ويحمّلون ذواتهم ما يعجز جبل عن حمله، فقط لأنهم يظنون أن العقاب الذاتي هو السبيل الوحيد للتقدم.

دعني أقولها لك بصراحة: أنت لست مجموع أخطائك، ولا تستحق أن تعيش أسيرًا لغلطة واحدة أو حتى عشر. أحكمُ الناس ليس من لم يخطئ، بل من عرف كيف يقف بعد الخطأ دون أن يجلد نفسه. والواقع يثبت أن الشخص الذي يبالغ في لوم نفسه يفقد حماسه، ثم شغفه، ثم قدرته على المحاولة، لأن جلد الذات يستهلك الروح أكثر مما يصلحها، ويدمر الثقة أكثر مما يعيد بناءها.

نصيحتي لك—نصيحة صادقة—أن تغيّر صوتك الداخلي. عامل نفسك كما تعامل صديقًا تحبه، صديقًا ستعطيه فرصة ثانية مهما تعثر. افصل بين الفعل والشخص؛ بين خطأ حدث، وإنسان يستحق أن ينهض. لا تترك الماضي يشدّك للوراء، ولا تسمح لغلطة واحدة أن تفرض عليك أحكامًا قاسية لا يشهد بها أحد غيرك. تعلّم أن تتسامح مع نفسك، لأن التسامح ليس ضعفًا، بل شجاعة تبنيك من جديد.

في النهاية، أنت تستحق أن تمنح نفسك ما تمنحه للآخرين من رحمة، وتستحق أن تنظر إلى ذاتك بعينٍ عادلة، لا بعين تغلظ الحكم وتغلق باب الرحمة. لا تجعل جلد الذات طريقك الذي تمشيه كل يوم، ولا تجعل قسوتك على نفسك أكبر من حجم أي خطأ. الحياة واسعة، وأنت أوسع من لحظة تعثر… فقط امنح نفسك فرصة، وستجد أنك قادر على أن تكمل الطريق بخطوات أكثر واثقة وأقل ألمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى