أوبرا مصر تَنشُر نص الحوار مع الشاعر القدير ماهر حسن الذي أجرته صحيفة الزمان

ماهر حسن صحفي وشاعر يرأس قسم الثقافة والتراث بجريدة المصري اليوم منذ أكثر من سبع عشرة سنة أجرى على مدار مسيرته المهنية العديد من الحوارات الصحفية مع عمالقة الآداب والثقافة والسياسة منهم على سبيل المثال أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، المهندس حسن فتحي الصحفي القدير كامل زهيري فضلا عن العديد من حوارات مع جميع الأطياف السياسية المصرية، ولماهر حسن ستة دواوين شعرية أحدثها كل عشق وأنت بخير الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فضلا عن إصدارات أخرى تناولت تاريخ مصر الحديث لعل أبرزها كتابه حكايات الدساتير المصرية في مائتي عام والصادر قبل بضع سنوات، كما له إسهامات بارزة في مجالات التأريخ للفن التشكيلي؛ حيث قدم عدة ملفات عن حركة الفن التشكيلي لفنانين كمحمود مختار وجاذبية سري ومحمود سعيد ومن أحدث إصداراته في مجال التأريخ للفن التشكيلي كتابه الأحدث الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن إصدارات سلسلة ذاكرة الفنون والذي تناول خلاله مسيرة النحات المصري العظيم محمود مختار.. وأوبرا مصر ينقل لجمهور القراء هذا الحوار نقلا عن صحيفة الزمان إيمانا في حق الأجيال الجديدة أن تقرأ عن أساتذة أثروا الحياة الثقافية وما زالوا يمدون يد العون لأجيال واعدة في وطننا العزيز وهذا نص الحوار الذي أجرته الصحفية المبدعة أ. سميحة رشدي في جريدة الزمان:
يؤرقه غياب نموذج المثقف الفاعل في المجتمع بخطابه التنويري والتوعوي والثوري
قصائدي عن فلسطين أعمق وأجمل ماكتبت وإحداها أزدانت برسمة لناجي العلي
ماهر حسن: القصيدة عندي مراجعات للذات ولكل منها حالة وفكرة

حاورته : سميحة رشدي
شاعر وصحفي وباحث في التاريخ وناقد في مجالات الأدب والمسرح والفن التشكيلي، ، رحلته مع الشعر بدأت بديوان “شروخ الوقت ومفترق العشق” 1997م، واتبعه بخمسة دواوين، وتحت الطبع ديوان “صور العائلة” ديوان “مشاهد يعقوبية” وكتابين، وبدأ مسيرته الصحفية عام 1985م، كتب في العديد من الصحف العربية والمصرية، أبرزها جرائد: “الشرق الأوسط” و”الحياة” و”القدس” بلندن، “الخليج” الإماراتية، “القبس” و”الأنباء” بالكويت، ومجلات: “الوطن العربي” و”الشاهد” اللبنانية، واليوم السابع” بباريس، إلى جانب صحف مصر: “الدستور” في أول إصداراتها و”الشعب” و”العربي” الناصرية ومجلات: “إبداع”، “الثقافة الجديدة”، “الهلال”، “أدب ونقد”، و”سطور”، ويعمل حاليًا بجريدة “المصري اليوم”، وأسس وترأس فيها قسمي التراث والثقافة، ونُشرت قصائده في عديد من المجلات داخل مصر وخارجها، وأدرج اسمه ونماذج من شعره في أكثر من موسوعة وأهمها موسوعة البابطين للشعراء العرب المعاصرين، كما حصل على جائزة التفوق الصحفي في فرع الحوار مرتين من نقابة الصحفيين بمصر، وأنجز من 300 حوار مع رموز إبداعية وثقافية، منها: نجيب محفوظ، وأحمد زويل، وعبدالوهاب المسيري وآخرين وهو بصدد الإعداد لإصدارها في كتب.
حدثنا عن البدايات وكيفية اكتشاف موهبتكم ؟
وجدت لدي ميلًا تجاه إبداعين هما الرسم والكتابة، أما الرسم فقد بدأته مبكرا منذ الدراسة الإعدادية، وتأثرت في ذلك بعمي، الذي كان طبيبًا جراحًا ورسامًا أيضًا من الرعيل الأول، رسم أغلفة مجلة “صباح الخير” في حياة روز اليوسف، ورسم الأعمال الأدبية ليوسف السباعي، وكان الرسام الأول لثلاثية نجيب محفوظ قبل جمال قطب، أما الشعر فبدأ ميلي له في المرحلة الثانوية فكنت أجتمع مع أصدقاء يكتبونه في بيت العائلة، ونسمع بعضنا بعضًا، وحببنا في الشعر أسلوب مدرس العربي، وناظر للمدرسة اسمه الخدرجي كان يدخل الفصل بديلا لأستاذ اللغة العربية إذا غاب أو مرض، فكان يلقي علينا أشعارًا من خارج المنهج الدراسي، لشعراء قدامي ومعاصرين، وأذكر أنني حين كنت في الثانوية حصلت علي المركز الأول في الشعر علي في مسابقة كانت تنظمها المدرسة، والمدهش أنني بدأت النشر بالقصة، فنشرت قصة قصيرة في الأعداد الأولي من جريدة “الوفد” في بداياتها، لكنني لم أنقطع عن الشعر ثم انطلقت منه كمنصة صحافية، واحترفت العمل الصحفي بدءًا من منتصف الثمانينات حيث استقريت بالقاهرة.
أي الشعراء ترك تأثيره فيك أكثر من غيره؟
أي شاعر له مدرسته ومنابعه الإبداعية المفضلة، ودائمُا ماتكون ميوله واختياراته محكومة بعدة ملامح، وأميل للشعراء الذين تتوفر لهم ملامح معينة، ومنها تعبيرهم عن هموم ذاتية وإنسانية، وقناعات وجودية وفلسفية ومذاقات إبداعي، تمثل منهجًا ابداعيًا يفضله، ومن هؤلاء الشعراء الذين ما أزال أقرأ لهم الشاعر التركي ناظم حكمت والمبدعين الفرنسيين بول إيلوار، أراجون، بودلير ورامبو، والبريطاني ت. س. إليوت، والإسباني لوركا والإيطالي لويجي بيرانديللو ومن ألمانيا ريلكه وجوته، ومن اليونان ريتسوس وكفافيس، ومن العرب بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش.
استوقفتني قصيدتكم “نهج آخر للعشاق” أحس فيها تجربة شعورية عميقة، فهل هي تجربة عشتها أم عايشتها؟
لكل قصيدة حالة وفكرة وطرقة وصيغة وإلا تشابهت القصائد، وهذه القصيدة اعتبرها مراجعات للذات والقناعات، في عبر رحلة بين زمانين وأناسًا عايشناهم وعاشرناهم وصاحبناهم، تقلبوا بين القناعات، ولم يفعلوا سوي رفع الشعارات، فلما بلغ بي النضج راجعت انسياقي معهم لفترة، ولاحقًا عدت لقناعاتي وراجعت دوري وخطأي في الحياة فكان اكتشاف الخيبة الكبري
ما مدى تواجد الكتاب والمبدعين على الساحة وكيف يؤثر الأديب في مجتمعه؟
هذا سؤال يقودنا لمراجعة دور المثقف العضوي في المجتمع، أعني فقد غاب هذا النموذج تمامًا من المشهد الثقافي والحياتي، وساد الخطاب النخبوي المقتصر علي فئة بعينها وتقطعت جسور التواصل بين النخبة والشارع، ربما لغياب الخطاب النقدي المنتمي لمدارس غربية وشامية ومغربية، والممعن في التقعير والحزلقة، وغاب نموذج المثقف الفاعل في مجتمعه بخطابه التنويري والتوعوي والثوري واختفي تمامُا، وهو أمر يثير دهشتي لأن منصات التواصل تشهد تعددًا ونقلة نوعية، تمثل جسرًا سريعًا للوصول والتواصل مع عموم التلقي، فإذا أضفنا إلى ذلك تقاعس الإعلام عن تقديم الخطاب الثقافي علي نحو جاذب ومتطور ويتوافق مع طبيعة العصر، لأدركنا لماذا أصبحت النخبة نخبة صالونات مغلقة، في حين كانت الصالونات الثقافية والأدبية قديمًا تصل لكافة الناس، وكل هذا يحزنني لأن الشارع في أمس الحاجة للمثقف الفاعل صاحب التأثير وصاحب الدور.
نلمح في دواوينك قصائد حول القضية الفلسطينية وصراحة أراها من أعمق قصائدك.
ليس من أعمق فقط وإنما من أجمل ماكتبت، وقد كتبت الكثير من القصائد عن القضية الفلسطينية والطفل الفلسطيني وانتفاضة الإطفال، ومنها قصيدة مطولة اسمها “سيناريو العصيان الأبكم” وقد نشرها لي الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في مجلة “اليوم السابع” التي كانت تصدر في باريس ولم يكن درويش يعرفني حينها إلي أن قابلته في معرض الكتاب، وكانت بداية تعارف على المستوى الشخصي، وأهداني ديوانه “هي أغنية”، والقصيدة الثانية عن طفل الانتفاضة وعنوانها “أسميك ماذا” أرسلتها لمجلة “البيان” التابعة لرابطة كتاب الكويت، وكانت مفاجأة كبيرة لي أن نشرتها المجلة مرفقة برسم لناجي العلي، وتصادف أن أجريت حوارًا بعدها بسنوات مع الفنان نور الشريف وأهديته عددًا من هذه المجلة، وحين فوجئ أن الرسمة لناجي العلي ظل يصفق للأمرين، للقصيدة ولرسمة ناجي العلي المرفقة بها، فنور الشريف جسد شخصية العلي في فيلم جلب له المتاعب، أما النص الفلسطيني الثالث لي فكان ديوان صادر عن الهيئة العامة للكتاب، فيه قصيدة تفعيلة مطولة واحدة والديوان اسمه “لاجديد”، وبالطبع فإن القصائد الثلاث لم يغب عنها مراجعة الموقف العربي المخزي من القضية الفلسطينية.
نلحظ في قصائدكم تنقلًا بين العام والخاص والسياسي والاجتماعي والعاطفي، مما يمثل حالة نادرة فهلا توضح ذلك؟
من المفترض أن يكون هذا ناموسًا للمبدع ونهجًا له، لكي يفيض نصه بالهم الإنساني والاجتماعي والوطني والذاتي، فهذه هي التوليفة التي يتعين أن يكون عليها النص الإبداعي، فهو ليس همًا شخصيًا أو ذاتيًا، وإنما هو إنسان في العموم بداخله هذا “الكوكتيل”.
كيف تفسر تراجع صناعة النشر الورقي مع بروز منصات النشر الألكتروني؟
هناك عدة عوامل مجتمعة أثرت بالسلب علي صناعة النشر، ومنها منصات النشر الإليكتروني، حتي أننا نلاحظ تزايد عدد هذه المنصات، وتزايد الأعمال الأدبية والمطبوعات الدورية الثقافية التي تنشرها، رغم أن هناك جانبًا سلبيًا في هذه المنصات، وهي أن كثير من هذه الأعمال لاتخضع لمراجعة مدققة، قبل النشر مثل المطبوعات الورقية هذا أولًا، أما ثاني الأمور فتتمثل في غلاء مواد الطباعة من الورق إلي الأحبار إلي نسبة التوزيع، مما أنعكس علي أسعار الكتب المطبوعة، وهناك أيضًا مشاكل متعلقة برقم الإيداع وحقوق الملكية الفكرية، وبناء علي هذا، نجد الناشرين يقبلون علي نشر أعمال كتاب يمثلون نجوم شباك، أو أعمالهم الروائية تتسم بالإثارة، مما أدي بالسلب علي عدم إقبال معظم الناشرين علي نشر المجموعات الشعرية، والمنصات المتاحة حاليًا للشعراء منصات رسمية، مثل هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب، الحل في مواجهة المؤسسات المعنية بالأمر هذا الضرر، بالسعي لوضع ضوابط للنشر الإليكتروني.
نستشعر في بعض قصائدك غربة الإنسان في وطنه ما مبعث هذه الغربة وكيف تصفها ؟
هذه غربة مؤلمة رغم إيجابيتها علي المبدع فهي رغم سلبيتها تمثل طاقة إبداعية إيجابية فهي ضمن مكونات مشاعره الإنسانية مابين الفرح والحزن والاغتراب والعشق لكن بين وقت وآخر يستشعر المبدع الغربة وبخاصة في عالم متوحش أو تغلب عليه الأمية الثقافية وغياب من يثمنون قيمة المشاعر الصادقة أو من يبخسون عشقه أو حينما يكون في وطن آخر مايهمه هو تقدير آدمية الإنسان وكأنه مجرد رقم بين ملايين البشر والغربة في نصوصي احتماء بالذات وأشبه بالمونولوج الشعري القريب الشبه من الفضفضة مع النفس، في غياب إحساس الآخرين بها.
أوبرا مصر ، دراسات ومقالات