ساحة الإبداع

أوبرا مصر تَنشُر “كَانُوا عَلَى عَجَلٍ” للْأَدِيب عَبْدُ اَلرَّحْمَنْ اَلرَّاوِي

يَفْتَحَ نَافِذَتَهُ اَلْمُطِلَّةَ عَلَى اَلْعَاصِمَةِ اَلْمُكْتَظَّةِ ، تَسْبَحَ عَيْنَاهُ فِي اَلْفَضَاءِ اَلْمُتَرَامِي ، يُبْهِجُهُ ذَلِكَ اَلشَّفَقِ اَلْأَحْمَرِ اَلشَّاعِرِيّ يُلَازِم اِنْبِلَاجُ ضَوْءِ اَلْفَجْرِ ، يَمْلَأَ صَدْرُهُ بِالْهَوَاءِ اَلنَّقِيِّ ، يَتَحَسَّسَ اَلنَّدَى عَلَى أَوْرَاقِ شَجَرَةٍ لِلْفِيكَسْ ، يَبْدَأَ طُقُوسَهُ اَلصَّبَاحِيَّةَ كَعَادَتِهِ ، تَمَارِين اَللِّيَاقَةِ اَلْبَدَنِيَّةِ فِي غُضُونِ خَمْسِ دَقَائِقَ ، حَمَّامُهُ اَلدَّافِئُ ، إِفْطَارٌ خَفِيفٌ عَلَى مَا تَيَسَّرَ لَدَيْهِ مِنْ مَخْزُونِ اَلطَّعَامِ بِالثَّلَّاجَةِ ، اَلْمِيَاهُ اَلْمَعْدِنِيَّةُ اَلَّتِي يَشْتَرِيهَا كُلُّ يَوْمٍ مَعَ مُتَطَلَّبَاتِهِ ، فَهُوَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مِيَاهٍ عَادِيَّةٍ أَبَدًا ، سِيجَارَتُهُ مِنْ اَلنَّوْعِ اَلْأَجْنَبِيِّ اَلْمَارْلْبُورُو اَلْأَبْيَضَ ، يَعْتَقِدَ أَنَّهَا اَلْأَفْضَلُ لِصِحَّتِهِ لِأَنَّهَا خَفِيفَةٌ ، فِنْجَانُ اَلْقَهْوَةِ اَلَّذِي يَصْنَعُهُ كَقَهْوَجِيٍّ مُحْتَرِفٍ بِإِتْقَانٍ ، يَتَأَنَّقَ مَلَابِسَهُ اَلْفَاخِرَةَ ، دَوْمًا بِهَا يُكَوِّنُ مَحَطَّ اَلْأَنْظَارِ وَمَثَارِ اَلدَّهْشَةِ وَالْإِعْجَابِ ، اَلْجَمِيعَ يَغْبِطُهُ عَلَيْهَا ، يَتَنَاوَلَ مِسْبَحَتَهُ وَنَظَّارَتَهُ اَلشَّمْسِيَّةَ اَلْبِرَانْدِي ، هُوَ لَا يَخْتَارُ أَوْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ أَشْيَاءَهُ أَبَدًا فَكُلُّ مَا يَقْتَنِيهُ مِنْ اِخْتِيَارِ عُمَلَائِهِ اَلصَّفْوَةَ اَللَّذَيْنِ يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ يَوْمِيًّا ، فَهُوَ يُفَوِّضُهُمْ فِي اَلشِّرَاءِ وَيَثِقُ بِذَوْقِهِمْ تَمَامًا ، يَهْبِطَ مِنْ قِمَّتِهِ اَلَّتِي يَسْكُنُهَا إِلَى حَيْثُ مَحَطَّةُ اَلْأُتُوبِيسَاتِ ، حَانَ وَقْتُ ذَهَابِهِ لِلْعَمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اَلذَّهَابِ لِلْعَمَلِ اَلْيَوْمِيِّ ، اَلْمُعْتَرَكُ اَلَّذِي يُبْغِضُهُ لَكِنَّهُ مُضْطَرٌّ لِخَوْضِهِ يَوْمِيًّا لَا مَنَاصَ مِنْ هَذَا ، بَعْضٌ مِنْ اَلرُّكَّابِ مُحْتَشِدِينَ يَنْتَظِرُونَ عَلَى اَلْمَحَطَّةِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ وُجْهَتِهِ ، لَكِنَّ اَلْمُؤَكَّدَ أَنَّ تِلْكَ اَلْوُجْهَةِ يَقْصِدُهَا اَلْكَثِيرُ مَثَلَهُ ، يَاحِذْ مَكَانُهُ اَلْمُعْتَادُ وَاقِفًا تَدُورُ عَيْنَاهُ فِي كُلِّ اَلْاَتْجِهَاتْ كَأَنَّمَا يَتَفَقَّد اَلْوُجُوهَ مِنْ حَوْلِهِ ، تَتَوَقَّفَ عَيْنَاهُ عَلَى يَسَارِهِ حَيْثُ يَرْمُقُ بِنَظْرَةٍ فِيهَا مِنْ اَلْإِعْجَابِ وَالْوِدِّ تِلْكَ اَلْفَتَاةِ ذَاتِ اَلْجَمَالِ اَلْأَخَّاذِ ، يَجِدُهَا دَوْمًا فِي مِيعَادِ نُزُولِهِ تَمَامًا كَأَنَّمَا عَلَى مَوْعِدِ مَعَهُ ، أَصْبَحَ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهَا تَنْتَظِرُهُ كُلُّ يَوْمٍ وَلَمٍّ لَا وَهُوَ عَلَى وَسَامَتِهِ تِلْكَ ، يَقْتَرِبَ مِنْهَا حَتَّى لَا يَفْصِلُهُ عَنْهَا سِوَى خُطْوَتَيْنِ ، يَا اَللَّهُ ، صَاحِبَةُ زُوقْ رَفِيعٌ فِي اِخْتِيَارِ اَلْعِطْرِ ، يَتَخَلَّلَ أَنْفُهُ أَرِيجُ عِطْرَهَا اَلْمُثِيرَ ، تُدَاعِبَ اَلنَّسَمَاتُ شِعْرَهَا اَلنَّاعِمَ اَلطَّوِيلَ ، فَيَتَطَايَرُ اَلْبَعْضُ مِنْهُ ثُمَّ يَعُودُ مَعَ لَمْمَلَهْ كَفِّ يَدُهَا لَهُ لِيتْمُوضَعْ فِي مَكَانِهِ ، تَنُّورَتُهَا اَلْمَحْبُوكَةُ عَلَيْهَا تَشُفُّ تَضَارِيسُهَا ، تَمَامًا كَمَا تَفْعَلُ تِلْكَ اَلْبِلُوزَةِ اَلْوَرْدِيَّةِ اَللَّوْنَ اَلْمُخْمَلِيَّةَ اَلْمَلْمَسَ اَلَّتِي تَرْتَدِيهَا ، تَزَاحُمٌ شَدِيدٌ عَلَى اَلْمَحَطَّةِ وَتَكَدُّسٍ لَيْسَ كَالْعَادَةِ ، فِي بِدَايَةِ اَلشَّهْرِ اَلْجَدِيدِ يَكُونُ مُنْقَطِع اَلنَّظِيرِ ، كُلُّ مُوَظَّفِي اَلدَّوْلَةِ بِجَمِيعِ أَعْمَارِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ وَنَوْعِهِمْ رِجَالَ نِسَاءِ شَبَابِ شَابَّاتٍ ، تِلْكَ سَاعَاتُ اَلذُّرْوَةِ مِنْ اَلسَّابِعَةِ حَتَّى اَلتَّاسِعَةِ صَبَاحًا ، وَمِنْ اَلثَّانِيَةِ حَتَّى اَلرَّابِعَةِ مَسَاءً يَنْتَظِرُ . . . وَلَا يَمَلُّ ، لَا بَأْسَ مَا دَامَتْ تِلْكَ اَلْفَتَاةِ تَقِفُ بِجَانِبِهِ ، يَشْعُرَ أَنَّ يَوْمَهُ بَدَأَ فِعْلاً فَقَطْ حِينَ يَرَاهَا رَغْمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِكَلِمَةٍ مَعَهَا ، فَقَطْ تِلْكَ اَلنَّظَرَاتِ وَالِابْتِسَامَةِ اَلرَّقِيقَةِ اَلَّتِي يُرْسِلُهَا إِلَيْهَا تِبَاعًا كَلَقَطَاتٍ مُقْتَضَبَةٍ مِنْ فِيلْمٍ سِينَمَائِيٍّ كُلَّمَا يُسْعِدْهُ اَلْحَظُّ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَتَبْتَسِمُ فِي صَمْتٍ ، عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا يَقِفُ ذَلِكَ اَلْكَهْلِ اَلْمُتَعَافِي وَكَأَنَّهُ بَطَلُ حَلْبَةِ مُصَارَعَةٍ ، كَتِفَيْهِ اَلْعَرِيضَتَانِ ، عَضَلَاتُهُ اَلْبَارِزَةُ ، يَدُهُ اَلْعَفِيَّةُ ، لِحْيَتُهُ اَلْكَثَّةُ تَخَلَّلَتْهَا طَلَائِعُ اَلشَّيْبِ فِي وَقَارٍ ، يَنْظُرَ _ إِلَيْهَا مِنْ اَلْخَلْفِ فِي وَرَعِ عِنْدَمَا تَقَعُ عَيْنَاهُ عَلَيْهَا ، يَغُضَّ بَصَرُهُ سَرِيعًا مُشِيحًا بِهِ إِلَى ذَلِكَ اَلْأَنِيقِ اَلَّذِي بِجِوَارِهَا فَيَصْرِف اَلْآخَرُ نَظَرَهُ عَنْهَا وَعَنْهُ تَارِكًا نَظْرَةَ وِدِّ وَابْتِسَامَةِ صَفْرَاءَ بَارِدَةٍ مُصْطَنَعَةٍ ، بَيْنَ اَلرَّجُلَيْنِ دُونَمَا كَلِمَةٍ ، رَغْمَ اَلزِّحَامِ اَلشَّدِيدِ وَإِعْدَادِ سَيَّارَاتِ اَلتَّاكْسِي اَلْفَارِغَةِ أَكْثَرَ مِنْهَا مَمْلُوءَةً ، لَا _ يُشِيرُ أَيَّ مِنْهُمْ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِيَسْتَقِلَّهَا لِيَصِل أَسْرَع ، لَا يَقْتَصِرُ اَلزِّحَامُ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي اَلِاتِّجَاهَيْنِ ، اَلْبُطْءُ سِمَةَ اَلْمَدِينَةِ اَلْغَالِبَةِ وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ اَلسَّاعَاتِ مِنْ اَلنَّهَارِ ، كُلُّ مَا يَتَحَرَّكُ فِيهَا يَمْضِي إِلَى بُغْيَتِهِ كَسُلَحْفَاةٍ هَرِمَةٍ ، يَكَاد _ اَلْمُتَرَجِّلُ يَصِلُ أَسْرَعَ لَوْلَا اِمْتِدَادُ اَلْمَسَافَاتِ وَبَعْدَ اَلْهَدَفِ ، تَصِلَ اَلْحَافِلَةُ اَلَّتِي تَمُرُّ فِي طَرِيقِهَا عَلَى اَلْعَدِيدِ مِنْ اَلْمَصَالِحِ اَلْحُكُومِيَّةِ ، يَرْتَادُهَا عَدَدٌ لَابَاسْ بِهِ مِنْ مُوَظَّفِي اَلدَّوْلَةِ بِمُخْتَلِفِ مَرَاكِزِهِمْ ، يُصَعِّدَ اَلْوُقُوفُ فِي تَهَافَتَ لَا يُلْقُونَ بَالاً وَلَا شَاغِلاً لَشْىَءْ سِوَى صُعُودِ اَلْحَافِلَةِ ، وُجُودُ مَوْطِئٍ قَدَّمَ يَظَلُّ اَلْأَمْنِيَّة وَالْجَائِزَةِ اَلْكُبْرَى ، يَتَجَلَّى صِدْقُ اَلْفِرَاسَةِ وَالتَّوَقُّعِ بِالْخِبْرَةِ ، خَيْثْ يَكُون بِالْوُقُوفِ إِلَى جَانِبِ رَاكِبِ وَالْفَوْزِ بِمَقْعَدِهِ رَيْثَمَا يُفَرِّعُ بَعْد فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ ، تَتَلَاحَمَ اَلْأَجْسَادُ تَخْتَلِطُ اَلرَّوَائِحُ ، تَتَشَابَكَ اَلْمَلَابِسُ فِي فَوْضًى عَارِمَةٍ ، تَغَلَّبَ رَائِحَةَ اَلْعِرْقِ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهَا ، تَعْلُو اَلْأَصْوَاتُ ضَجَرًا مُتَأَفِّفَةً ، مِسْكِينَةً تِلْكَ اَلْفَتَاةِ اَلرَّقِيقَةِ اَلْمُثِيرَةِ فِي هَذَا اَلزِّحَامِ ، حَتَّى أَنَّهَا لَا تَرُوقُ لِبَعْضِ اَلسَّيِّدَاتِ اَلْأَقَلِّ جَمَالاً فَيَبْدِينَ اِنْزِعَاجُهُنَّ بِطَرِيقَتِهِنَّ اَلْغَيْرَ مُبَاشِرَةٌ مِنْ شَزْر نَظَرَات وَمَصْمَصَةِ شِفَاهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، تَشْعُرَ هِيَ بِهِ وِتْلِمِتْمِسْ لَهُنَّ اَلْعُذْرُ لِغَيْرَتِهِنَّ ، لَا زَالَ يُرَاقِبُهَا اَلْأَنِيقُ ، يَحُولَ اَلزِّحَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْوُقُوفِ بِجَانِبِهَا مُبَاشَرَةٍ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَسَافَةُ وَقْفَةِ رَجُلِ دَوْمًا ، مِنْ حَوْلِهَا فَقَطْ هُمْ اَلسُّعَدَاءُ ، هَوْلَاءْ اَللَّذَيْنِ يُدْرِكُونَ أَنَّ اَلزِّحَامَ يَغْفِرُ لَهُمْ اِلْتِصَاقِهِمْ بِجَسَدِهَا وَلِثُمَّ شِعْرُهَا اَلْمُتَطَايِرُ وَاسْتِنْشَاقٌ # أَرِيجِهَا _ اَلْمُثِيرِ ، يُخَيَّل إِلَيَّ اَلْمُتَحَلِّقِينَ حَوْلَهَا أَنَّهَا تَسْتَمْتِعُ بِهَذَا اَلْوَضْعِ اَلْأَقْرَبِ إِلَى اَلْإِبَاحِيَّةِ ، ، وَهَذَا اَلْعَبَثُ بِإِرْجَاءِ جَسَدِهَا اَلْغَضِّ فِي تَحَفُّظٍ ، تُغْلَى اَلْأَجْسَادُ مِنْ حَوْلِهَا ، وَلَا أَحَدَ يَتَكَلَّمُ ، وَصَاحِبُنَا يُلَاحِظُ وَلَا يُدَافِعُ عَنْهَا بَلْ يَغُضُّ بَصَرُهُ عَنْ اَلْجَمِيعِ عَمْدًا ، فَلَدَيْهِ مَا يَشْغَلُهُ يُفَكِّرُ فِي عَمَلِهِ ، فَقَطْ يَرْمُقُ اَلْمُحَصِّلُ اَلْجَالِسُ عَلَى كُرْسِيِّهِ يُؤَدِّي عَمَلُهُ بِنَظْرَةٍ تَحْذِيرِيَّةٍ سَاخِطَةٍ ، فَيَتَظَاهَرُ اَلْآخَرُ _ بِالِانْشِغَالِ بِعَمَلِهِ دُونَمَا اَلتَّدَخُّلِ لُحْلَحْلَة اَلْوَضْعِ ، وَأَيْضًا ذَلِكَ اَلْكَهْلِ اَلْمُتَعَافِي اَلَّذِي يَرَى اَلْوَضْعُ أَمَامَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ ، كَأَنَّمَا يَسْرِي فِي دَمِهِ مَاءً وَلَيْسَ دَمٌ ، مَا بَالُهُ يُرَاقِبُ فِي صَمْتٍ لَا يُعَبِّرُ عَنْ هَيْبَةِ وَضَخَامَةِ جِسْمِهِ ، وَلَا يَتَدَخَّلُ كَجَبَانٍ ، نِعْمَ بَعْضَ اَلْأَجْسَادِ تُعْطِي اِنْطِبَاعًا مُزَيَّفًا أَحْيَانًا ،..بِجَسَدِهَا وَلَا يَتَدَخَّلُ كَجَبَانٍ ، نِعْمَ بَعْضَ اَلْأَجْسَادِ تُعْطِي اِنْطِبَاعًا مُزَيَّفًا أَحْيَانًا ، كَأَنَّمَا يَتَلَذَّذ اَلرَّجُلُ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَهَذَا اَلْأَرْعَنُ اَلَّذِي يَظُنُّ نَفْسَهُ قَائِدًا لِمَرْكَبَةٍ فَضَائِيَّةٍ كُلُّ فَيْنَةٍ يَسْتَخْدِمُ اَلْمَكَابِحَ بِدَاعِي وَدُون دَاعِي أَيْضًا ، لَا لِشَيْءٍ سَوَّى أَنْ يَشْعُرَ اَلْجَمِيعُ بِقِيمَتِهِ ، مُعَلِّلاً أَنَّهُ مُضْطَرًّا لِتَفَادِي إِلَّا صِدَامٌ ، وَمَا بَيْنَ اِنْدِفَاعَةِ اَلسَّيْرِ وَكلَّابِشَة اَلْإِطَارَاتُ بِالْأَرْضِ لِلْوُقُوفِ يَرُجُّ اَلسَّيَّارَةَ رَجَا ، يَحْدُثَ ذَلِكَ كُلُّ بِضْعَةِ أَمْتَارٍ تَجْعَلُ اَلْوَضْعَ مُبَرِّرًا لِلضَّغْطِ وَالتَّلَامُسِ حَدَّ اَلِامْتِزَاجِ ، أَشْبَهَ بِعُلْبَةِ طَعَامٍ مَحْفُوظَةٍ ، كُلُّ فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ تَتَحَرَّكُ اَلْفَتَاةُ فِي أَرْجَاءِ اَلْحَافِلَةِ بِخُطُوَاتٍ مَحْسُوبَةٍ ، لِتَغِيظَ كُل مِنْ بِالْحَافِلَةِ وَكَأَنَّهَا فِي رِهَانٍ عَلَى إِثْبَاتِ أُنُوثَتِهَا لَدَى اَلْجَمِيعِ ، تَهَرُّبُ مِنْ مَكَانِهَا كُلَّ فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ وَتَغَيُّرَ اَلْمُتَحَلِّقِينَ حَوْلَهَا كُلُّ بُرْهَةٍ بَعْدَ أَنْ تُرْهِقَهُمْ وَرُبَّمَا هُمْ مِنْ أُرْهِقُوهَا ، بِلَا طَائِلٍ سِوَى عَبَثٍ مُرَاهِقِينَ _ وَإِنَّ تَبَايَنَتْ اَلْأَعْمَارُ ، وَمِنْ اَلْبَابِ اَلْأَمَامِيِّ يُصَعِّدُ جُنْدِي ، مُخَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ ، حَيْثُ اَلصُّعُودُ مِنْ اَلْخَلْفِ وَالنُّزُولُ مِنْ اَلْأَمَامِ ، وَهُوَ مَا فَعَلَ عَكْسُهُ ، يَمُرَّ خَلْفَ اَلْفَتَاةِ إِلَى اَلدَّاخِلِ تَصْرُخُ فِي وُجْهَةٍ بِقُوَّةِ بَعْدَ أَنْ اِحْتَكَّ بِجَسَدِهَا ، نَظَرُ إِلَيْهَا بِحَنَقِ وَضْعَ يَدِهِ فِي جَيْبِهِ اَلْخَلْفِيِّ ، لِيَخْرُج ثَمَنَ نِصْفِ تَذْكِرَةِ اَلرُّكُوبِ كَمَا قَرَّرَهَا اَلْقَانُونُ ، لَمْ يَجِدْ حَافِظَةَ نُقُودِهِ كَادَ يَجْنِ يَلْتَفِتُ فِي دَهْشَةٍ إِلَى كُلٍّ مِنْ حَوْلِهِ صَارِخًا نُقُودِي نُقُودِي أَنَا سُرِقَتْ اَلْآنِ ، ، يَنْظُرَ بِارْتِيَابِ إِلَى ذَلِكَ اَلْأَنِيقِ صَاحِبُنَا اَلَّذِي يَقِفُ خَلْفَهُ عَلَى بَعْدَ خُطْوَتَيْنِ مِنْ اَلْفَتَاةِ ، يَجْذِبُهُ بِقُوَّةٍ مِنْ مَلَابِسِهِ اَلْفَاخِرَةِ ( هَاتِ فَلُوسِي ، هَاتِ مَحْفَظَتِي يَا حَرَامِيٌّ ) ، تَتَفَاقَمَ اَلْأُمُورُ ، # تَخْرُجَ _ عَنْ اَلسَّيْطَرَةِ ، يَتَدَخَّلَ ذَلِكَ اَلرَّجُلِ اَلضَّخْمِ اَلْكَثِّ اَللِّحْيَةِ قَائِلاً ( يَا اِبْنِي حَرَام عَلَيْكَ لَا تَظَلُّمَ اَلرَّجُلِ أَنَا أَرَاهُ مُنْذُ صُعُودِهِ إِنَّهُ رَجُلُ مَبْرُووكْ بِتَاعْ رَبُّنَا شَايِلْ سُبْحَتُهُ وَيَسْبَحُ اَللَّهُ ، نَعِمَ مُنْذُ صُعُودِهِ يُذْكَرُ وَيَسْبَحُ اَللَّهُ عَلَى مِسْبَحَتِهِ ، أَنَا رَأَيْتُ أَحَدُهُمْ نَزَلَ وَأَنْتَ تُصَعِّدُ وَأَخْذَ مَحْفَظَتِكَ أَنَا رَأَيْتُهَا بِيَدِهِ بِأُمِّ عَيْنِي ) ، سَكَتَ اَلْجَمِيعَ بَعْدَ أَنْ حَالَ اَلرَّجُلُ اَلْعِمْلَاقُ بَيْنَ اَلْجُنْدِيِّ وَخَصْمِهِ بِيَدَيْهِ وَحَدِيثِهِ اَلْمُقَنَّعِ ، أَسْقَطَ فِي يَدِ اَلْجُنْدِيِّ لَمْ يَدْرِيَ مَاذَا يَفْعَلُ ، بَعْدُ هَذَا اَلتَّدَخُّلِ اَلْمُفْحِمِ اَلَّذِي أَلْجَمَ اَلرُّكَّابُ جَمِيعًا بَعْدَمَا كَانُوا تَعَاطَفُوا مَعَ اَلْجُنْدِيِّ ، تَقَدَّمَتْ اَلْفَتَاةُ نَحْوَ اَلْبَابِ ، مِنْ فَضْلِكَ يَا اَسْطِىْ اِفْتَحْ اَلْبَابَ . . . أُرِيدُ اَلنُّزُولُ ، تَسْحَبَ جَسَدَهَا مِنْ بَيْنِ اَلرُّكَّابِ وَيَنْزِلُ اَلرَّجُلُ اَلْأَنِيقُ ذُو اَلْمِسْبَحَةِ هَاتِفًا رَبَّنَا يُعَوِّضُ عَلَيْكَ يَا اِبْنِي ، يَصْرُخَ آخِر مِنْ دَاخِلِ اَلْحَافِلَةِ أَنَا سُرِقَتْ أَيْضًا وَآخَر وَأَنَا أَيْضًا . . . وَآخَرِينَ ، وَيَتَعَالَى اَلضَّجِيجُ ، يَنْزِلَ اَلرَّجُلُ اَلضَّخْمُ ذُو اَللِّحْيَةِ اَلْكَثَّةِ وَمَا أَنْ يَضَعَ رِجْلَيْهِ عَلَى اَلْأَرْضِ إِلَّا وَيُشِيرُ إِلَى اَلسَّائِقِ بِأَنَّ هَيَّا اِنْطَلَقَ ، يَنْطَلِقَ اَلسَّائِقُ ، تَبْتَلِعَ اَلْبِنَايَاتُ ثَلَاثَتَهُمْ مِنْ عَلَى اَلطَّرِيقِ ، فِي إِحْدَى اَلْأَزِقَّةِ عَلَى اَلْمَقْهَى دَاخِلَ اَلْبِنَايَاتِ تَجْلِسُ اَلْفَتَاةُ وَمَعَهَا اَلْأَنِيقُ وَذُو اَللِّحْيَةِ جَلْسَةَ عَمَلٍ لِتَصْفِيَةِ اَلْحِسَابَاتِ ، وَحَالَةٌ مِنْ اَلشُّعُورِ بِالنَّشْوَةِ لِنَجَاحِ كُلِّ مِنْهُمْ فِي اَلْقِيَامِ بِدَوْرِهِ وَتَنْفِيذِ مُهِمَّتِهِ ، عَلَى أَكْمَلَ وَجْهٌ ، يَشْرَعُوا فِي اِقْتِسَامِ اَلْمَسْرُوقَاتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِجَوْلَةٍ قَادِمَةٍ .

 

 

 

 

 

 

 

 

أوبرا مصر ، ساحة الإبداع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى