رواية “الحلم الأخير”.. رؤية سردية في واقع الإنسان العربي المعاصر
عمّان
يسلط محمد زعاترة في روايته “الحلم الأخير” الضوء على مجموعة من القضايا اليومية التي يعيشها الإنسان العربي في واقعه المعاصر، والتي تختص بشكل رئيسي بعلاقته مع محيطه، والشروخ الاجتماعية والطبقية التي تحول بينه وبين أحلامه، وقضية الإرهاب التي امتدت آثارها في أكثر من اتجاه.
وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 184 صفحة من القطع المتوسط، ومهَّد المؤلف لتشابكاته التي تمتد من أوله إلى آخره بمقدمة تخاطب العقل الباطن من خلال نصٍ يعتمد في تفسيره على خبرة القارئ و رؤيته الشخصية للأحداث وذلك بقوله:
أَطَلَّ من نافذةِ سماءٍ مكسورة، مُحاولًا نثرَ ضوئهِ على مفازةٍ جرداءَ لا أصلَ لها ولا قعرَ تُعرفُ لَهُ نهايةٌ بين أخاديدِ تلك اللَّئيمة، كَراعٍ حبسَ أغنامهُ عن الماءِ وجلسَ مُنتَظرًا لِيَسمعَ صوت سُقوطِ حَجَرٍ أُلقيَ في بئرٍ قبلَ أن يصِلَ إليهِ فمات، حَركَةٌ ما أخذت مكانها في ساعتهِ الزَّمنية، ولكنَّه عجِزَ عنْ تعريف ماهيَّتها؛ أكانت شروعًا في نومٍ أم رغبةً في صحوٍ لم يحدث مذْ كان في هذه الدُّنيا وحيدًا؟
أين أنا؟
وبيَّن فيه ملامح الشخصية الرئيسية فيه بعزوها إلى صميم الواقع الذي تعالجه الرواية؛ فمحمد البطل: “هو الشَّابُّ العربي الطَّامح للتَّغيير، غيرُ راضٍ عنْ واقعه وواقع أمَّته، إذ تنحرفُ بوصلتهُ عن العملِ والبناء عندما يصطدمُ بأمراض المجتمع من كِبْرٍ وحسدٍ وغيرةٍ ضارَّة”.
وحرص الزعاترة على تنويع تكنيكات السرد خلال مسار الرواية؛ الأمر الذي يشد القارئ -عادة- إلى الأحداث، ويربط المتون بالهوامش جاعلا من الكل وحدة فنية جميلة، فانتقل من الحوارات المكثفة والمونولوجات الداخلية، إلى الوصف والغوص في أعماق الشخصيات، إلى الشعر، إلى الرسومات التي أنجزها المؤلف نفسه، إلى استخدام عناوين فرعية منحت مشاهد الرواية طابعا سينمائيا واضحا.
ومن هذه الأساليب التي حفلت بها أجواء الرواية ما يصف به البطل محمد إحدى الحالات التي مرَّ بها:
كلُّ شيءٍ جميل ويدعو للخوف والقلق ينسابُ في رأسه.
وداعةُ طائرٍ ورديٍّ نادر
خَجَلُ ورد الحنُّون الأحمر
مُغازلة زوج حمامٍ في الهواء الطَّلق أمامَ ناظريه
مواءُ القطَّةِ خوفًا على أولادها
التَّعب الذي يقاسيه وعلٌ جبليّ من مُناطَحة صخرةٍ صمَّاء
الألم الذي تلاقيه الحجارة الصَّغيرة المفتَّتةُ منْ جرَّاءِ النَّطح
تَتَماوَجُ الأعاصير في رأسه
فهذا يأتي وذاك يذهب
وتلك تقِف بعيدةً قاب قوسين أو أدنى لِجبلٍ أطلَّ لتوه على البحر شاقًَّا حُمرةَ الصَّباحِ في عينيه فَرَحُ المَطَرْ.
وكذلك العبارات الشاعرية المكثفة التي ترد على لسان محمد نفسه والتي تشكل القالب العام للرواية.
ومن الجدير ذكره أن محمد زعاترة أديب أردني من مواليد العام 1980، وتعود أصوله إلى مدينة القدس المحتلة. وقد صدر له قبل هذه الرواية كتاب نقد أدبي بعنوان “الغفران في الميزان”، ومجموعة قصصية عنوانها “رجل واحد”.